بعد أربعة أيام من المواجهة العسكرية العنيفة بين quot;إسرائيلquot; وبين عدة فصائل فلسطينية في قطاع غزة، في مقدمها حركة الجهاد الإسلامي، نجح الوسطاء المصريون في التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار بين الجانبين.
الاتفاق دخل حيّز التنفيذ في الساعة الواحدة من فجر الثلاثاء الماضي، ومع ذلك أطلقت حتى ساعات بعد الاتفاق 5 صواريخ و8 قذائف هاون من قطاع غزة على المستوطنات، غير أن الجيش الإسرائيلي امتنع من شن أي هجمات جوية رداً على ذلك. وبلغ عدد الصواريخ التي أطلقت على quot;إسرائيلquot;، بحسب صحيفة هآرتس، منذ يوم الجمعة الفائت نحو 300 صاروخ، نجحت منظومة quot;القبة الحديديةquot; في إسقاط 56 صاروخاً منها، بحسب معلومات أمنية نقلتها الصحيفة الإسرائيلية.
وسائل الإعلام الإسرائيلية، حاولت امتصاص نشوة الانتصار الفلسطيني من خلال العمل على التهوين من حجم الانتصار سياسياً ورسمياً والتقليل من شأنه، وفي المقابل، نسب الانتصار إلى فصيل فلسطيني واحد هو حركة الجهاد الإسلامي دون غيرها، ومحاولة الإيقاع بين الجهاد وحركة حماس التي لم تشارك كتائب القسام، ذراعها المسلح، في عمليات الرد على قصف الطائرات الإسرائيلية لغاية في نفس يعقوب، على حد تعبير وسائل الإعلام الإسرائيلية.
روني شكيد، محلل الشؤون الفلسطينية في صحيفة يديعوت أحرونوت، ورغم تصريحات قادة الكيان الإسرائيلي عن نجاح القبة الحديدية في صد صواريخ غزة، إلا أنه خرج بعنوان خطير يقول فيه: quot;حركة الجهاد الإسلامي خرجت منتصرة من جولة المواجهة العسكرية الأخيرة مع إسرائيلquot;، معتبراً أنه ليس من المبالغة القول إن quot;حركة الجهاد الإسلامي هي التي خرجت منتصرة من جولة المواجهة العسكرية الأخيرة بين إسرائيل وقطاع غزة، ذلك بأنها نجحت في أن تحشر حركة quot;حماسquot; في الزاوية، وفي أن تحظى بمزيد من التأييد في أوساط الشارع الفلسطيني في القطاعquot;، والغريب أن المحلل السياسي الإسرائيلي اختزل انتصار حركة الجهاد الإسلامي بمجرد ارتفاع شعبيتها في غزة، على حساب حركة حماس، دون مجرد الالتفات إلى فرض فصائل المقاومة لشروطها على الكيان لوقف إطلاق الصواريخ.
واعتبر شكيد أن quot;الأوضاع الاقتصادية الصعبة السائدة في القطاع زادت حدة الانتقادات الموجهة إلى سلطة quot;حماس، وفي ضوء ذلك تحولت حركة الجهاد إلى القوة الرئيسية التي تهدد هيمنة quot;حماسquot;، وخصوصاً في كل ما يتعلق بمقاومة إسرائيلquot;، مؤكداً أن هذا الوضع quot;يتسبب بإحراج حماس، وقد حاول عدد من قادة هذه الحركة أن يعربوا ظاهرياً عن تأييدهم المواجهة العسكرية مع إسرائيل، لكنهم في الواقع عملوا من خلال مصر على التوصل سريعاً إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النارquot;.
لا شك أن هناك فروقاً من حيث الاستراتيجية المتبناة والمعلنة من قبل كل من حركتي حماس والجهاد بخصوص وجود هامش سياسي معقول لحركة حماس، وتشكيلها لحكومة سياسية في غزة ومشاركتها في الانتخابات التشريعية، في مقابل تبني حركة الجهاد الإسلامي لاستراتيجية عسكرية محضة لا ترى في غير السلاح سبيلاً لتحرير فلسطين (كل فلسطين)، وعدم مشاركتها في المنظومة السياسية الفلسطينية إلا بالمقدار الذي يقتضيه الأمر، كالعمل على تسريع ملفات المصالحة والتوسط بين فتح وحماس، رغم قربها المعلن والواضح من الأخيرة، إلا أن ذلك لم يمنع حركة الجهاد من محاولة تمثيل ما يسمى quot;الخط الثالثquot; في الحياة الفلسطينية العامة.
مع الأسف، كثير من المحللين السياسيين العرب والفلسطينيين، وفي غمرة تعبيرهم عن فرح الانتصار بوقف العدوان على غزة، quot;غمزquot; من قناة حركة حماس التي quot;اتهمتquot; بالوقوف على الحياد وعدم المشاركة في الرد على العدوان الإسرائيلي، وساهم هؤلاء المحللين والكتاب في صب الزيت على النار فيما يخص تأجيج العلاقة بين الحركتين الإسلاميتين نهجاً، والفلسطينيتين المقاومتين انتماءاً، بسبب مواقف حركة حماس الأخيرة مما يحدث في المنطقة، وانساق مع المعزوفة الإسرائيلية بقصد أو دون قصد، للهجوم على حركة حماس واتهامها بالتخلي عن نهج المقاومة، وهو ما تنبهت إليه حركة الجهاد الإسلامي قبل غيرها، فتم الإيعاز إلى قياداتها وكوادرها بضرورة عدم الانسياق والمبالغة في الفرح بالنصر أو الطعن في بقية الفصائل الفلسطينية، حفاظاً منها على صفو العلاقة مع حليفتها حركة حماس، وتجنباً للفخ الإسرائيلي الذي تحاول منه quot;إسرائيلquot; استنزاف نصر المقاومة الفلسطينية من خلال الإيقاع فيما بينها.
لا تفتأ quot;إسرائيلquot; تحاول إشعال الحرائق في المنطقة والعالم، ولا سيما بين الفلسطينيين، وهي بعد أن تم ردعها عن مواصلة العدوان في غزة أخيراً، تحاول الإيقاع بين الإخوة المقاومين، ولعب دور quot;الشيطانquot; في إثارة الفتن والقلائل.


هشام منوّر... كاتب وباحث
[email protected]