حذر بشار الأسد من أن سورية تتعرض إلى مؤامرة تستهدف تقسميها، وضرب موقعها الجغرافي الجيوسياسي، ودورها التاريخي في المنطقة.
وهذا التخويف يترك أثره على نسبة لا بأس بها من السوريين الذين آثروا، حتى الآن، النأي بأنفسهم عن الثورة، وإن كانوا في تناقص، كما دلَّتْ على ذلك، تظاهراتُ دمشق وحلب الأخيرة. فهذه النسبة من السوريين تخشى الانزلاق في الفوضى، أو أن يُلمَّ بسورية ما ألمَّ بالعراق من احتقان طائفي، واضطراب، وانفلات أمني.
وكذلك يفعل هذا التخويفُ، من تقسيم سورية، فعلَه في أهل المنطقة العربية؛ لما يجره من انعكاسات خطيرة على مجمل المنطقة، والشعوب، بكل مكوناتها. وعلى الصعيد الوطني والقومي يُصنَّفُ، بموجبه، كلُّ من يؤيد الثورة في سورية، بالتواطؤ مع المشروع الأمريكي والغربي المعادي.
ومن الجدير بالملاحظة أن شبح التقسيم، والحرب الطائفية، سلاح ذو حدين، فهو يُستخدم من الدول والكيانات الداعية إلى تدخل دولي سريع لحل الأزمة في سورية، وإنقاذها من حرب طائفية، في ظل إصرار السلطات هناك، على الخيار الأمني، وفشلها في إنهاء الاحتجاجات، ونظرا لارتفاع حصيلة القتلى في المناطق الثائرة في حمص، ودرعا، وإدلب، وريف دمشق، وغيرها. الأمر الذي يدفع تلك القوى المعرَّضة للقمع الذي يكاد يصل حدود الإبادة، إلى مزيد من التسلح، والتسليح؛ فهذا الخطر مدعاة لروسيا والصين، ومَنْ تابَعهما، لتغيير موقفهم الداعم لهذا الوضع الخطر.
كما يَستخدم هذا السلاحَ النظامُ وإعلامُه؛ تخويفا من المرحلة المقبلة؛ إذا سقط الأسد، فنظامُه الضمانة للحفاظ على وحدة سورية واستقرارها.
وهنا سؤال أولي: هل توفرت إرادة دولية أمريكية في هذه المرحلة لتقسيم سورية، أو تعميم هذا المشروع الطائفي التقسيمي على المنطقة؟ وقد لا يكون ثمة فرق كبير بينهما؛ لأن تقسيم سورية طائفيا، من الصعب، في هذه الظروف العربية والإقليمية أن لا يفتح بابَ التقسيم على المنطقة كلِّها، وأكثرُها تعرُّضا وتأثرا بذلك، العراقُ ولبنان، ثم تنتقل العدوى، ويتغير المناخ العربي والإقليمي العام...
وثمة سؤال لا يقل أهمية عن سابقه، وهو: هل المعطيات الثورية تؤشر إلى توجُّهٍ نحو التقسيم، والتمهيد له؟ ذلك أن هذه الشجرة لا بد لها من بذور في التربة تُحرَّك، وتُسقى، وتُسلَّط عليها الشمس.

فهل توفرت إرادة أمريكية للتقسيم؟
يحتاج إثبات هذا المشروع، و تعميمه إلى معلومات، وقرائن كافية، وقد يكفي لعدم التسرع في قبوله أن نلتفت إلى ما حصل في تونس، وليبيا، ومصر، واليمن؛ فلا بوادر كافية تدل على نفخٍ في روح التقسيم، فلا يظهر أن ثمة مشروعا تقسيميا للمنطقة.
ومما يدعو إلى التريث في قبول هذا المشروع، (وإن كان قد يكون من ضمن الخيارات النظرية الموضوعة تحت الدراسة، في دوائر القرار الأمريكي) أن المُضيَّ في تنفيذها ليس بالأمر الهين؛ لأنه يفضي إلى صياغة على أسس جديدة للمنطقة. وهذه الصياغة سيكون من المخاطرة، والمغامرة غير المحسوبة الإقدام عليها، في ظرف كهذا الظرف، حيث الولايات المتحدة ليست في أحسن حالاتها من السيطرة، عالميا، وإقليميا، وحيث تراجعت هيبتُها على نحو واضح، وأكسبتها أزمتُها المالية المستمرة، (ومن أسبابها حرباها على أفغانستان، والعراق) مزيدا من الحذر والتردد، حيال أية خطوات تقلُّ عن مثل هذا المشروع الضخم؛ فكيف به؟!
ويمكن أن يُستأنس بالسياسة الأمريكية في العراق، حيث تحاول أن تمنع الخلافات السياسية هناك من الوصول إلى نقطة اللاعودة، مستعينة بتوازن إقليمي تقف على طرفه تركيا وعلى الطرف الآخر إيران.
وثمة سبب آخر يدعو الولايات المتحدة إلى التفكير مرارا في تنفيذ مثل هذا المشروع، هذا السبب عائد إلى التغيرات الحقيقية التي اعترت المجتمعات العربية، من حيث زيادةُ وعيها، وكذلك تنامي الصوت الإسلامي، وبغض النظر عن قوة الحركات الدينية المسلحة؛ فإن انفلات المنطقة، ولا سيما المحيطة بــــإسرائيل، خطر شديد الاحتمال،( في حال فتح الأقطار على انقسامات جديدة) ولا يمكن الاستهانة به، والكلُّ لَحَظَ انعكاسَ ضعف السيطرة الأمنية المصرية- بعد تنحي مبارك- في سيناء على laquo;أمن إسرائيلraquo;، وازدياد نشاط المسلحين الذين لم يكن لهم وجود ملحوظ من قبل.
فأمريكا تدرك أكثر من غيرها حساسية هذه المنطقة، وهي أحرص على (استقرارها) وهي تدرك تعقيداتها وتشابك ملفاتها، وتداعيات أي فعل على سائر المنطقة؛ فلا يُتوقع وهي في هذه الحالة، أن تتلاعب بمصالحها على هذا النحو الخطر.
ومن المفروغ منه أنه لا إمكانية لعزل تأثيرات سورية، إذا سُمح بتقسيمها، على المنطقة، كلها؛ فلا يقال إن التقسيم يخص سورية فقط، وحتى لو كان يتقصدها، وحدَها، فهي بحد ذاتها شديدة الحساسية بموقعها، وجوارها.
تاريخيا كان تقسيم المنطقة باتفاقية laquo;سايكس- بيكوraquo; بعد هزيمة كبيرة للدولة العثمانية، وهي الدولة التي كانت لها السيطرة على المنطقة، وكان ذلك ضمن توافق دولي بين الدولتين اللتين أصبحتا تتقاسمان النفوذ في المنطقة: فرنسا وبريطانيا، وبمصادقة من روسيا، ثم بإقرار من مجلس عصبة الأمم، 1922م. ولم يكن للوعي الشعبي العربي، أو قواه السياسية قدرة تدعو إلى اعتبارها، فمثل هذه الصياغات الشاملة والعميقة لا تتأتى إلا في ظروف تضمن نجاحها، وهو الأمر الذي لا يتوفر الآن، كما أسلفت، في ظل الصراع الدولي، وتراجع هيبة الولايات المتحدة، وعدم ضبطها للأوراق اللازمة.
فالخوف الحقيقي أن يؤدي هذا الموقف الدولي غير المحسوم لصالح جهة معينة، وفي ظل غياب توافقات دولية إلى ضعف السيطرة على مجريات الأحداث، وفي هذه الحالة فإن القوى الفاعلة على الأرض لها الدور الأكثر حسما، وهي المتمثلة في نظام الأسد، وفي القوى الثورية.

فهل الشعب السوري، والمجلس الوطني الأكثر تمثيلا للمطالبين بالتغيير، يتحمل مسئولية التقسيم؟
ومن القرائن التي قد يرشح منها التصور الدولي لمستقبل سورية تشكيلةُ المجلس الوطني السوري الذي تحرص الدول الغربية، وتطالب وتشترط، أحيانا، لدعمها الجدي له، أن يتسع تمثيلُه لكل الفئات والمكونات والطوائف في الشعب السوري.
ثم صيغة المجلس الفكرية والسياسية التي تَتَعَنْوَن بدولة ديمقراطية مدنية تعددية للشعب السوري بكل مكوناته.
وهذه المقدمات والمعطيات هي التي ينبغي البناء عليها، ما لم يظهر أو يجري التسويق والتمهيد لأطروحات أخرى.
وإذا كانت القوى المناهضة للأسد تصر، برغم كل عوامل الاستفزاز والتلاعب بالنَّفَس الطائفي، على وحدة سورية دولة وشعبا، والنظام يصر على خياره الأمني الذي لا يُقارن بردود الجيش الحر؛ فهل ما قاله الأسد بخصوص التقسيم تحذير، أم تهديد؟
[email protected].