يتعرض خطاب laquo;حماسraquo; القائم على التوازن بين المحاور الإقليمية في المنطقة، اليوم، إلى امتحان ليس باليسير، وقد حاولت قيادة الحركة، بداية الثورة السورية، أن تحافظ على منطقة الوسط بين النظام الذي تدين له بالدعم، كما تقول، وبين الشعب السوري، أو قسم كبير منه الذي يطالب بحريته، وكرامته.
ولكن تأزم الأحداث، وانتشار القتل الوحشي من قوات الأسد، وتأييد الشعوب العربية الملحوظ للشعب السوري جعل laquo;حماسraquo; تحتفظ بمسافة أبعد من نظام الأسد العدو اللدود للإخوان المسلمين، حتى انتهى الأمر إلى تصريح رئيس وزراء حكومة حماس، إسماعيل هنية، بأن معظم قادة حماس غادروا سورية؛ نظرا للظروف التي تشهدها، وقال في حديث له مع قناة quot;الرايquot; الكويتية:laquo; إن quot;حماسquot; لا تستطيع أن تنكر أن سوريا شعباً وقيادة احتضنت المقاومة، وفتحت أبوابها لقادة الحركة، بعد قرار الإبعاد من الأردن ، لكن ما يجري في سوريا اليوم شيء صعب، على كل إنسان عربي، فضلاً عن أن يكون فلسطينياً أيضاً، فالدماء السورية دماء عزيزة علينا.
وأشار إلى أن quot;حماسquot; قدمت نصائح كثيرة للقيادة السورية؛ حتى تعتمد منهجية الحوار بعيداً عن نظرية الأمن في التعاطي مع quot;الأحداثquot; لكن الأمور تطورت بالشكل الذي تراهraquo;.
ولكن هذا الموقف لا يكفي ليدل على قطيعة مع نظام الأسد، وبالتبع له، النظام الإيراني، فقد أصر هنية على زيارة إيران، بالرغم من كونها لا تفترق جوهريا عن نظام الأسد، على الأقل في أعين المتعاطفين مع الشعب السوري الثائر.
وثمة أخبار صحفية عن موقف غير راضٍ من إخوان الأردن عن زيارة هنية لطهران، إذ أعلن قيادي بارز في جماعة الإخوان المسلمين بالأردن أن المراقب العام للجماعة، همام سعيد، تمنى على رئيس الوزراء، إسماعيل هنية عدم زيارة إيران. ولم يكن هذا الموقف غريبا من الإخوان في الأردن الذين يؤيدون الثورة السورية بقوة. والشاهد أن زيارة هنية الأخيرة لطهران لم تكن مقنعة لمؤيدي حماس، وحتى قيل إنها لقيت معارضة من داخل الحركة نفسها.
لكن laquo;حماسraquo; حركة واقعية، في سياستها ومواقفها وتحالفاتها، لا تستثني من تلك الواقعية حتى إسرائيل، في الحفاظ على الهدنة غير المعلنة، وفي القبول بدولة في حدود 67م إلى جانب إسرائيل، وفي التوقف عن laquo;العمليات الاستشهاديةraquo; بعد أن جرت عليها الكثير من الاستنكار، وبعد أن فضلت عليها وسائل مقاومة أخرى. وهي واقعية في قبولها مؤخرا باتفاق الدوحة الذي يفوض laquo;محمود عباسraquo; رئاسة حكومة التوافق الوطني؛ تمهيدا للانتخابات.
وأما في علاقتها مع إيران وسورية فقد كانت قبل المتغيرات الأخيرة، في مصر، والربيع العربي، والثورة في سورية، أكثر قربا منهما، وأكثر اعتدادا بالعلاقة بهما. ولم تكن في بعض الفترات تأبه كثيرا بأن يكون ميلها إليهما على حساب ما كان يعرف بدول الاعتدال العربي.
مع أن قيادة حماس كانت وقت انتقاد تموضعها في صف إيران وسورية تتذرع بأنها لا تجد دعما عربيا كافيا يعوضها عن الارتماء في حضن إيران وتمكنيها من اتخاذها ورقة في صراعها الإقليمي.
ولا تزال حتى هذا المفترق الصعب والحاسم تحاول الإمساك بالعصا من الوسط، فلا هي تقاطع طهران، وسورية، ولا هي ترفض الدور القطَري، بعد أن انحازت الدوحة إلى المحور المعادي لطهران ودمشق، ولا هي كذلك تقلل من أهمية أنقرة التي تتولى دورا مهما في تخليص سورية من حكم الأسد.
وإذا كانت أنقرة تستطيع الحفاظ على علاقاتها مع طهران برغم الخلافات الجدية حول الأزمة السورية؛ فقد لا تستطيع حماس أن تحافظ على علاقة النقيضين؛ فليست حكومة حماس، كحكومة أردوغان، من الناحية الاقتصادية، وحجم التبادلات التجارية بين بلدين(إيران وتركيا) يتنافسان، ويختلفان، دون أن يذهبا في الخلافات إلى النهاية.

ولو سألنا سؤالا: من أكثر حاجة للآخر؟ حماس، أم إيران؟
للوهلة الأولى قد نقول laquo;حماسraquo;، لحاجتها للدعم المالي والسياسي، والعسكري، أحيانا، ولكن من الناحية المعنوية، والرمزية، (وهي ليست بلا ترجمة عملية، وشعبية عربية، وإسلامية) فإن طهران أشد حاجة إلى حماس؛ للحفاظ على صورة الممانع والمكوِّن لمحور المقاومة.
ولكن حاجة حماس المالية، والسياسية والعسكرية، هل بقيت على حالها، بعد التغيرات المهمة في المنطقة؟ ولا سيما رحيل حسني مبارك عن حكم مصر، وهو الذي لم يكن بينه وبين laquo;حماسraquo; كثيرٌ من الود، فضلا عن علاقته المميزة بإسرائيل؛ فمصر بعد وصول الإخوان المسلمين والسلفيين إلى الأغلبية البرلمانية، وما يتوقع لهم من تحكُّمٍ أكبر بالقرار السياسي، والتأثير الشعبي، ليست مصر مبارك.
ولكن يبقى هنا معيقان يحدان من اعتماد حماس على مصر، أحدهما نفوذ العسكر الذي لا يتوقع أن يضمحل تماما. وثانيهما أوضاع مصر الداخلية غير المستقرة، وقد يتطلب استقرارها وقتا ليس بالقصير.
لكن هذا لا يعني أن laquo;حماسraquo; لن تجد مناصرا لها غير مصر؛ فثمة قطر، مثلا، وعلى الصعيد الإقليمي تركيا. وقد لا تجد الدول العربية المتحالفة مع واشنطن حرجا كبيرا في تقريب الحركة الفلسطينية منها، إذا انحازت الأخيرة _ كما دعا رئيس مكتبها السياسي، خالد مشعل_ إلى المقاومة السلمية الشعبية، وإذا استكملت المصالحة، ودخلت في منظمة التحرير.
ولا يخفى أن العامل الذي دعا قيادة laquo;حماسraquo; إلى النأي بنفسها عن الدعم الصريح والمستمر لنظام الأسد قد يفعل فعلَه تجاه النظام في إيران، إذا تفاقمت الأزمة في سورية، ودخلت إيران وحزب الله، على خطها بدرجة أكبر، وأوضح؛ فليس دائما يتغلب عاملُ المصلحة، ولا سيما حينما تنهض التناقضاتُ الأخرى، ولا نقول المذهبية، بالضرورة.
ولكن صوت الشعب المطالب بالحرية واسترجاع إرادته، في مقابل صوت القهر، المتسلح بالقوة المادية... فهل ستستمر حركة laquo;حماسraquo; المؤمنة بالحرية والمُقدِّرة لمعناها، في مناصرة نظام يقمعها؟ وهل ستبقى قوةُ النظام الذي لم يأبه بمتطلبات شعبه، بقدر ما اهتم بالتشبث بـــــــــlaquo;الممانعةraquo;، وlaquo;دعم المقاومةraquo; بنفس الدرجة، وأَهمُّ حركةٍ فلسطينية مقاومة تنفضُّ عنه؟!
[email protected].