يستشعر الكثيرون أنَّ ثمة حاجة لعملٍ يحسم الأزمة في سورية، فالوضع مؤلم لأهل سورية كلهم، ومقلق للمنطقة، ولدول العالم الفاعلة.
وهذه الحاجة إلى عمل إضافي نابعة من كون القوة الشعبية الثائرة لا تصل، (وربما بسبب شدة الرد من قوات الأسد) إلى الاكتفاء، فهي غير قادرة، في هذه الظروف على هدم النظام، ومن هنا جاءت المبادرة العربية، وبعثة المراقبين التي تفضي بنودُها (في حال تم تطبيقها كاملة) إلى الكشف عن الحجم الحقيقي للمناهضين للنظام.
وذلك حين يسحب الجيش مظاهره المسلحة من المدن، وحين يطلق سراح عشرات آلاف المعتقلين، وحين تدخل وسائل الإعلام العالمية والعربية..فإذا كان اليوم، وفي ظل قمع مرعب يخرج في معظم أنحاء سورية، وحتى دمشق، وحلب، متظاهرون لا يرجعُهم أن يروا إخوانهم قتلى أمام أعينهم، ومنذ ما يزيد عن عشرة أشهر؛ فكم سيخرج فيما لو خفَّ التهديد، أو توقف؟! وكلنا رأى كيف كان الناس بمجرد أن يشموا رائحة المراقبين تقترب، يخرجون، وكأن روحا خفية سرت، فيهم، ونادتهم.
إذن، كانت بعثة المراقبين تلبية لعمل، أو واجب استشعرت به الدول العربية، ممثلة بالجامعة العربية؛ فلا يعقل أن يقبلوا بدور المتفرج، وكل مساء يراق في قلب العرب، دم العشرات، والنظام عاجز عن وقف العنف، أو وقف التظاهر؛ فلم يكن أمام أصدقائه، من النظم العربية، أو غير أصدقائه، إلا التقدم بهذا العمل، بهذه الخطوة الضرورية، وكان الصوت المرافق لها: أنها إذا فشلت؛ فإن البديل غير المحبوب هو التوجه إلى مجلس الأمن.
وافق النظام على المبادرة والبروتوكول العربي، بنصيحة من روسيا، كما قال مسئولون سوريون، وربما بنيَّة الالتفاف على المبادرة، بالركون إلى غياب التوحد العربي الرسمي، ثم دخل المراقبون العرب سورية، وكانت المفاجآت، من رئيس البعثة، الفريق المشكَّك في صدقيته، محمد الدابي، أنَّ الوضع في حمص غير صادم، وما إلى ذلك من تصريحات تهوِّن من الأمر.. وسرت أنباء عن عراقيل تضعها السلطات السورية، أمام أعضاء من دول خليجية، وصرح وزير خارجية الإمارات، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان: laquo;إنه لا يرى التزاما سوريا يسمح للمراقبين العرب بأداء مهمتهم في هذا البلد.
وقال في مؤتمر صحافي، حسبما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية إن laquo; مهمة المراقبين تزداد صعوبة يوميا لأسباب مختلفة. لا نرى التزاما من الجانب السوري بشكل يسمح للمراقبين بأداء مهمتهم. وللأسف هناك اعتداءات عليهم واضح أنها من غير المعارضة. هذه مؤشرات غير ايجابيةraquo;.
وبغض النظر عن شهادة المراقب الجزائري، أنور مالك التي شكك فيها الدابي، فإن الواقع أكبر برهان، وهو غير مخفي، يُنقل صورة وصوتا، برغم المنع الرسمي..
والبعثة العربية لم تنجح في التقليل من عديد القتلى، فضلا عن إيقاف القتل، والسماح بعودة الحياة الطبيعية.. والغريب أنه لا مواقف عربية جماعية ممثلة في البعثة، ولا خارجها، ترفع الصوت الواضح بإخلال النظام بتعهداته، على الأقل سحب الجيش، ووقف القتل.. والقنص..
ونحن الآن بين خيارين: إما إعطاء المزيد من الوقت، ولو على دماء الأبرياء، حتى (تنضج) الظروف داخليا وخارجيا، وحتى يُمتحن صمود الشعب الرافض للنظام، وأنها ليست نزوة عابرة، وهذا قريب من الموقف الروسي الذي يدعو على لسان نائب رئيس وزراء روسيا، و الممثل الخاص للرئيس الروسي للعلاقات مع حلف شمال الأطلسي quot;الناتوquot;، دميتري روغوزين، إلىlaquo; ترك سوريا وشأنها، ومساعدة الأطراف المتنازعة في إيجاد مخرج من المواجهة نحو الحوار السياسيraquo;.
وكأن روسيا لا تزال تراهن على قدرة النظام في سورية على احتواء المعارضة، ولجم الغضب الشعبي المتزايد!
والخيار الثاني هو ما تميل إليه قطر، وهي التي تترأس اللجنة الوزارية العربية المعنية بسوريا، هذا الحل هو التدخل الخارجي للمساعدة على الحسم؛ لأنها ترى أن الشعب السوري قد حسم أمره، والأولوية لتقليل الخسائر؛ فلا يعني الإمهالُ إلا مزيدا من القتل، والنظام نهايته محسومةٌ؛ فلا يُعوَّل عليه في الحلول المقبلة.
وهذا المنطق يتسق والموقف الغربي، الأمريكي، والفرنسي، مثلا، وكانت وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، قد قالت بــــــــlaquo;أن بعثة المراقبين العرب في سوريا لا يمكن أن تستمر إلى أجل غير مسمىraquo;.
وربما تأتي الدعوة القطرية الأخيرة إلى إرسال قوات عربية؛ لوقف إراقة الدماء خطوةً أخرى على طريق التدويل، بعد خطوة بعثة المراقبين؛ لأن هذه الدعوة ليس من السهل تنفيذها، فعليا؛ فالجامعة العربية التي عجزت، حتى الآن، (وكثيرا ما تشير البدايات إلى النهايات) في تنفيذ بنود المبادرة العربية، هل تنجح في تجهيز قوات عربية لمهمة بهذه الحساسية؟ وقد طُرحت نفس الفكرة، قُبيل قرار مجلس الأمن الذي خوَّل فرضَ منطقة حظرٍ جوي على ليبيا، ولكن دور الجامعة العربية لم يُجاوِز، حينها، دورَ الجسر لعبور التدخل الدولي.
وهذه ليست دعوةً للتدخل الدولي؛ فلو توفرت إرادة عربية موحدة، وهذا مهم الآن، وتُرجمت إلى موقف معلن وجدي؛ فإن الأطراف الدولية المساندة لنظام الأسد ستكون مضطرة إلى نظرة جديدة تراعي الواقعَ العربي الجديد والموَّحد.
ولو، (ولو أنَّ laquo;لوraquo; تفتح بابَ الشيطان) توفرت إرادة عربية موحدة وجدية لكان تنفيذ البرتوكول العربي كافيا لجعل النظام يتهاوى؛ ولكفى اللهُ الناسَ شرَّ الناتو؛ فإذا كانت الانشقاقات تستمر في مؤسسات الدولة المختلفة: الجيش والمؤسسة الدينية والإعلامية والثقافية والرقابية.. فكيف؟ وكم ستبلغ تلك الانشقاقات والانفضاضات عن نظام يخرج شعبُه في كل أنحاء بلده يطالب بسقوطه؟!
فلا يعني هذا أننا ندِّعي أن الشعب كله كذلك، فلا إجماع بين البشر على شيء، ولكن كثرةً ملحوظة تجعل الدولة تبدو على هذا الارتباك الذي جسده خطاب الرئيس الأخير المليء بالتناقضات، ومحاولات التوفيق، يجعل العقلاء فيه يفكرون في مخرج؛ لا ينتظرونه ممن يتورط في العاصفة، ويكوِّن باستمرار مناعاتٍ أمام الحقائق، بل أمام الحياء.
والخلاصة أن الوضع السوري هذا غير عادل، بالمرة، ولا من النبل الرضا به؛ فهذه ثورة تُطحن يوميا، بقوة طاغية، وإذا كان العرب لا يقوون على الإجراء اللازم أمام إسرائيل، وهي، على لؤمها، وعداوتها المعلنة، لا تفعل فعلَ الأسد وقواته، فلا يعني ذلك_ كما يريد النظام في سورية_ أن يقفوا متفرجين على مذابح دولةٍ تدعي أنها وطنية؛ فهذه الحكومات العربية تخضع لضغوط حقيقية من شعوبها، والشعوب بعد الثورات ليست هي قبلها.
وإذا كان النظام قد يُئِسَ منه شعبيا، في نسبة غالبة، وعربيا، كذلك، ودوليا، فإن السكوت عليه، والتلكؤ في إزاحته، ليُترك الشعب السوري يختار قيادته، لا يعني إلا مزيدا من الدماء المهدورة، والكرةُ، الآن، في ملعب الجامعة العربية، ومن قبلها، في ساحة الدول العربية، وعلى التخصيص تلك الحامية للنظام في سورية؛ فيمكن تجنب ويلات التدويل بالضغط على الأسد بالتنفيذ الحقيقي لبنود البروتوكول، وليروا أنصاره، إن كانوا صادقين: كيف سيكون موقفه، وقد قبل بالمبادرة العربية، إلا أنه أفرغها من مضمونها؟!
[email protected].
التعليقات