هذا التفجيران الدمويان في قلب دمشق، وفي منطقة أمنية شديدة التحصين جاءا بعد يوم واحد من وصول طليعة المراقبين العرب، وبعد اضطرار نظام الأسد للموافقة على بروتوكل الجامعة العربية؛ فكان أول ما يتبادر إلى الأذهان التشكيكُ بالرواية الرسمية التي ادعت وقوفَ تنظيم القاعدة وراءهما؛ للظرف الذي وقع فيه وحساسية مسرح الحدث وصعوبة اختراقها، ولا نفوذَ معروفا للقاعدة من قبل، في سورية، ولا دلائل سابقة على اختراقها المؤسسة الأمنية السورية التي تفخر الدولة بتماسكها، إلا من بعض العناصر التي تنشق، تحت الضغط النفسي الشديد، حين تؤمر بقتل مدنيين متظاهرين، أو حين يرون قتل زملائهم للعزل من النساء والأطفال والرجال.
كانت موافقة نظام الأسد على بروتوكول الجامعة العربية من باب laquo;مكره أخاك، لا بطلraquo;، فالأسد راوغَ ما وسعته المراوغة، وحاول كسب الوقت، أو تحجيم صلاحيات اللجنة، ولكنه اضطر إلى الموافقة، دون تعديلات تذكر؛ بناء على نصيحة من روسيا، كما قال وزير الخارجية وليد المعلم. بعد أن هددت الجامعة برفع الأمر إلى مجلس الأمن.

فالخطورة في بدء عمل لجنة المراقبة واضحة على النظام، والجدية، في أداء عملها الذي يشمل التأكد من سحب القوات الأمنية من المدن وأماكن التظاهرات، وضمان التظاهر السلمي هذه الجدية متوفرة... فهل يريد الأسد بذلك تشتيت انتباه المراقبين وصرف أنظارهم عن التظاهرات السلمية، وتكريس راوية الدولة عن عصابات مسلحة؟ أم يريد أن يرفع درجة التصعيد والقتل بحيث تَدْخُل البلادُ ولجنة المراقبة في دوامة أكبر من العنف الخارج عن الرقابة والتحري؟
بالطبع هذا أمر وارد، لكن نجاحه متوقف على تحول مثل هذه التفجيرات إلى نهج؛ لأن التظاهرات مستمرة وستعود إلى الطغيان على سطح الأحداث، وتصدُّر الاهتمام.
وهنا الخطورة الفعلية؛ لأنه سيكون تنفيذا أوليا للتهديدات التي سبق أن هدد بها الأسد نفسه من أن إسقاط نظامه سوف يعني أفغانستانات عديدة، وزلازل خطيرة في المنطقة كلها؛ فهل بدأ في دمشق؟

في مثل حالة النظام غير المعقولة قد لا يستقيم التفكير العقلاني والتوقعات المنطقية؛ فهو نظام يفوق نظام القذافي تعقيدا، ولديه من الاعتقادات ما يزيد من إيمانه بفرصه الأقوى للبقاء، شعبيا، وإقليميا، ودوليا، ففي الوقت الذي يحس فيه بالخناق يضيق عليه فإنه سيكون مضطرا لتدمير المعبد على الجميع.
فصحيح أن هذا التفكير التدميري خطرٌ على النظام قبل أن يكون خطرا على معارضيه؛ لأنه يزيد من القناعة الدولية والإقليمية بخطورة بقائه على استقرار هذه المنطقة الحساسة من العالم، حيث إسرائيل، وحيث المصالح الغربية الاستراتيجية، وعلى رأسها إمدادات النفط؛ فإذا كان بقاء النظام سيغذي تنظيم القاعدة، وينشط خلاياه، ويمنحه مجالا جديدا للعمل بعد أن حجم مجاله في العراق فإن الإسراع في إزالة مثل هذا النظام سيزداد وجاهة وأهمية.

يحق لنا أن نفترض مثل هذه النوايا المبيتة؛ لتعكير الأجواء وخلط الأوراق؛ لأن تنفيذ بنود البروتوكول الصادر عن الجامعة العربية بما فيه سحب الأمن وإطلاق سراح ألوف المعتقلين والسماح للتظاهر السلمي الآمن من شأنه أن يضاعف أضعافا مضاعفة من عديد المظاهرات والمتظاهرين؛ فهم إذا كانوا لا يتوقفون والقتل والقصف والحصار وشح المياه والغذاء مستمر؛ فهل سيتناقصون؛ إذا صار التظاهر أقل كلفة؟! علما أن الاحتجاجات توسعت لتدخل فيها أحياء مهمة في دمشق وفي حلب، كما أن الاحتجاجات توسعت في أشكالها لينضم إليها الإضراب التجاري والتعليمي المفضي إلى العصيان المدني، هذا فضلا عن ارتفاع وتيرة الانشقاق من الجيش؛ ما اضطر السلطات إلى ارتكاب مجازر أخيرة في حق أولئك المنشقين؛ لترويع من يفكر في الانشقاق والتمرد، دون أن تحدث تلك المجازر أثرا حاسما.
التوقيت الذي وقع فيه التفجيران مثير للشكوك، ويمكن أن ندين النظام السوري من فمه؛ فحين يؤكد نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد laquo;أن بلاده ستقوم بتسهيل مهمة فريق بعثة المراقبين التابع لجامعة الدول العربية لأقصى الحدود، مشيرا إلى أن من نفذ الانفجارين اللذين هزا العاصمة السورية دمشق أراد أن يكون اليوم الأول للجامعة يوما مأساوياraquo;. يمكن لنا أن نسائل النائب العزيز: من هي الجهة الأكثر انزعاجا من بعثة المراقبين؟! وكم بذلت الجهات الرسمية في دولته من جهود؛ لتعوق حضور اللجنة، أو تحجم عملها وصلاحياتها؟!

ومثل هذه الأوضاع الخطرة تتطلب من الجامعة العربية عملا أسرع واهتماما أكبر؛ لأن منحنى الأوضاع على أرض سورية متوقف بدرجة كبيرة على هذا الأداء، وقدرتها على أن تكون في الوقت والمكان المناسب؛ فأي تأخير أو ضعف في الأداء يجعل كل مهمتها كأنها لم تكن، بل قد تتحول إلى شاهد زور على المجازر الصريحة وغير الصريحة؛ يفترض أن تتحلى بقدر أعلى من الديناميكية والقدرة على المواكبة السريعة في التكيف مع التطورات والمفاجآت المتلاحقة على الأرض، وأن لا تنصرف عن غايتها الأولى وهي مراقبة مناطق الاحتجاج السلمي.

[email protected].