ما مدى الطموحات الإيرانية؟ هل هي قُطْرية، أم إقليمية، أم عالمية؟
سؤال مهم لفهم تطلعات إيران وسلوكها، ولا سيما عندما تشتبك المصالح العالمية بالمصالح الوطنية لدول الخليج، ومنطقة الشرق الأوسط، كما هو الحاصل، على خلفية التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز الممر المائي الحيوي لجميع الأطراف.
الواضح من مراقبة laquo;الجمهورية الإسلاميةraquo; منذ الثورة 1979م أنها مصممة على دور إقليمي مؤثر، في هذه المنطقة البالغة الحساسية، والواقعة في حمأة التنافس العالمي، ومن دول إقليمية صاعدة، مؤخرا، والمقصودة تركيا.
فمنذ نشوء laquo;الجمهورية الإسلاميةraquo; طرحت شعار تصدير الثورة، وبالرغم من عدم نجاحها في تصدير الثورة، وخفوت بريق هذا الشعار فلا يعني أنها ألغته تماما، إذ كانت محاولات تبنيها قضايا الشيعة في دول كاليمن والبحرين والسعودية، وجهود التشييع، والاختراق الثقافي، من خلال عدد من المثقفين والكتاب العرب بعض العلامات على استمرار الطموح الإيراني في نشر laquo;رسالتها الثوريةraquo;.
وطهران لا تظهر الوجه الشيعي؛ لأنه غير جاذب للأغلبية السنية من أهل المنطقة، ولا تبرز بالطبع الطموحات القومية الفارسية، ولكنها دأبت على تسويق نفسها من خلال مواجهة laquo;قوى الاستكبار العالميraquo; وعلى رأسها أمريكا، وحليفتها الأقوى والأكثر استفزازا في المنطقة إسرائيل، وكانت نسبة لا بأس بها من الشعوب العربية تتناسى فروقاتها المذهبية والقومية مع إيران، حين تخيب آمالُها من الدول العربية، ولا سيما وقت الاعتداءات الأمريكية الإسرائيلية.
وبالرغم من هذا الافتقاد القيادي العربي فقد وقف التوسع الإيراني عند حد معين، وبدا أن الشعوب العربية لا تثق بحكم الملالي إلى درجة الانقياد، ولعل ظهور تركيا على الساحة الإقليمية كان اللحظة الفارقة التي نبهت إلى هذه القناعة؛ إذ لقيت أنقرة ترحيبا عربيا واسعا على المستوى الرسمي والشعبي، وتعزز دورُها، بعد الربيع العربي، وبدا نموذج laquo;العدالة والتنميةraquo; جاذبا لقوى laquo;الاعتدال الإسلاميraquo; في تونس ومصر والمغرب.
حتى إن إيران لم تحقق نجاحا باهرا في الوسط الذي قد تعده وسطها السياسي، فبعد مرور ما يزيد عن ثلاثة عقود على الثورة الإيرانية فإن تأثيرها الثوري حتى على شيعة الخليج بدا محدودا ولو كان بمقدورها أن تفعل من هذا المنطلق أكثر مما حققت لفعلت.
وأما التحركات في بعض شيعة البحرين والسعودية فقد جاء في جو الربيع العربي، وبتأثير منه، ولا يعلن أصحابُ هذا التحرك انجذابهم للمشروع الإيراني، والشعارات التي يرفعونها حقوقية، بغض النظر عن انطوائهم، أو بعضهم على ولاء لإيران، وهذا التمظهر الوطني له دلالاته المؤشرة على حجم قوة التأثير الإيراني، أو تأثر شيعة الخليج بها، وولائهم لها.
فهل امتلاك إيران للسلاح النووي يعزز دورها الإقليمي؟
من المفروغ منه أن الدول لا تلجأ إلى الأساليب الحربية الخشنة، وهي تستطيع اللجوء إلى الأساليب الناعمة، أو إذا كانت، وهذا أهم، تستطيع أن تقنع المستهدفين بوجود قواسم مشتركة عميقة بينها وبينهم، فكرية، أو ثقافية، أو نفعية.
فإيران، وهي تصر على استخدام أساليب التهديد، تطال المنطقة، أكثر مما تطال الدول الغربية التي تظل تراوح معهم بين أسلوب العصا التي لا تلبث أن تُسقطَها الجزرة، وطهران تقف عند الخطوط الحمراء مع الغرب، حتى إنها قبل أن تصل إلى الصدام الجدي مع الغرب سارعت، وفي أكثر من منعطف استراتيجي على تقديم المساعدات المهمة للمشروعات الأمريكية، كما صرحت هي بذلك، تذكيرا بخدماتها في إسقاط حكم طالبان في أفغانستان، وحكم صدام في العراق، وغير ذلك من الصفقات الدالة على براغماتية إيرانية مشجِّعة للغرب.
ومن أهم ما يثير جدلا ، ويهدد بوقوع حرب، أو تداعيات على استقرار المنطقة برنامج إيران النووي، وهي تقول بأنه لأغراض سلمية؛ حفاظا على التزاماتها الدولية، الأمر الذي يحيط به كثير من الريبة؛ نظرا للغموض الذي تحيطه إيران ببرنامجها النووي.
وبالرغم من خطورة انضمام إيران إلى نادي السلاح النووي فإن الخطورة ليست به، بحد ذاته، وثمة اتجاهات في أمريكا، بدأت تتقبل حقيقة صيرورة إيران دولة نووية، ولو كُرها، ويضعون الآليات والاستراتيجيات للتعامل مع هذا الواقع المحتمل، وكيفية احتوائه.
ولن تكون إيران الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك سلاحا نوويا، في حال تحقق، فثمة إسرائيل، وكذلك الباكستان، والسلاح النووي هو قوة ردع في الدرجة الأولى، وفي حال امتلكته إيران لن يجعلها خطرة على الغرب، ومنظومة الإنذار المبكر الغربية تحيط بها من الشمال والغرب، الجنوب، وزادت هذه المراقبة بعد الرادار الأطلسي جنوب شرقي تركيا قرب حدودها مع إيران.
وقد يدفع امتلاكُ إيران السلاح النووي دولةً كالسعودية إلى امتلاكه، ودولا عربية أخرى، أو يزيد من الحاجة إلى المظلة الدفاعية الغربية.
فليست المشكلة في سعي إيران إلى تعزيز قوتها ونفوذها، ولكن الخطورة فيما تريده إيران من هذا التعاظم، فلا يحقُّ لها أن تُجرِّد تلك القوةَ لتفوُّق إقليمي يهدف إلى الهيمنة، وإثارة الأوضاع الداخلية، بلا طائل..وإيران تستطيع أن تستدير شمالا، حيث مصالحها عظيمة، وقد تكون أكثر قبولا هناك.
البعبع الإيراني..والصورة المرغوبة !
وإذا كانت أمريكا والغرب ترغب في بقاء هذا التصور السلبي الخليجي والعربي عن إيران؛ لأنه يحقق لها مكاسب استراتيجية، ويعزز حاجة دول الخليج إليها، بل يجعلها الملاذ الضروري؛ فإن لطهران يدا في ذلك، سواء عن قصد، أو غير قصد...
وبعد صعود تركيا، وتنامي دورها الإقليمي، وهي العضو في حلف الأطلسي، فإن حدا لطموحات إيران الإقليمية قد وُضع، وليس من السهل على إيران الاستهانة بتركيا، وقد اتسعت هوةُ الخلافات بينهما، ولا سيما بعد الثورة في سورية، وأصبحت الكفةُ تميل لصالح تركيا، إقليميا؛ لتُعادِل سورية ما بعد الأسد، النفوذ َ الإيراني في العراق.( وليس نفوذُها في العراق مُسلَّما به من غالبية فيه).
وإذا كانت إيران بأفعالها وبعض تصريحاتها الرسمية لا تبدي رغبة في التعاون مع محيطها الإقليمي العربي، وتفضل إخضاعَه؛ فهذا من ضعف الخيارات، بل هو من الفشل الاستراتيجي؛ لأنها لا تملك القوة الكافية لإخضاع المنطقة، لا الفكرية ولا الثقافية، ولا المادية، وهي تتضرر من أية تهديدات تطلقها، كما يتضرر غيرُها، وربما أكثر.
ولكن الأخطر على إيران هو تكرُّس صورتِها، دولةً مهدِّدةً لجوارها، ومُناوِرةً مع مَنْ تصنفهم أعداءَها الكبار.
[email protected].