التصعيد العسكري الأخير والمستمر من جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أوقع حتى الآن قرابة ثلاثين قتيلا من بينهم العديد من الأطفال، مما أضاف شقاءا جديدا لسكان القطاع مع شقاء الحياة اليومية خاصة انقطاع الكهرباء شبه الدائم مما يلحق العديد من المآسي تحديدا بالمستشفيات التي تغصّ بالمرضى والجرحى. وانقطاع الكهرباء سببه الصعوبة في الحصول على الغاز أو الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء، وذلك نتيجة الحصار شبه الكامل المفروض على القطاع منذ عام 2007 تقريبا عقب استلام حماس السلطة في القطاع، وبدء الانقسام الفلسطيني حيث أصبحت حكومة حماس برئاسة اسماعيل هنية (حكومة مقالة) في عرف السلطة الفلسطينية، و محمود عباس (رئيسا غير شرعي) في عرف حماس. لا يمكن السكوت على هذا العدوان الإسرائيلي رغم انشغال العرب والعالم بملفات أخرى يرونها أكثر أهمية، إلا أنّ عدم ازدواجية المعايير ndash; إن وجدت ndash; تقتضي إدانة كل أنواع القتل الممارسة ضد الشعوب عشوائيا، سواء كان هذا قتل بشار الأسد للشعب السوري ومن قبله قتل القذافي وصدام حسين للشعبين الليبي والعراقي، وغيرهما من الرؤساء والحكام، أو قتل الاحتلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني المتواصل منذ ما يزيد على ستين عاما، ويترافق هذا القتل مع رفض الاعتراف بأبسط حقوق الشعب الفلسطيني خاصة دولته المستقلة ضمن حدود عام 1967 التي لا تشكل هذه الحدود سوى حوالي 22 في المائة من مجموع مساحة فلسطين التاريخية. الإدانة الواضحة الصريحة لهذا العدوان الاحتلالي الإسرائيلي مطلوبة عربيا ودوليا، ولا يمكن تبرير السكوت عنها بأية أسباب أو ملفات يراها البعض أكثر أهمية، لأنّ الاحتلال الإسرائيلي يستغل انشغال العالم بهذه الملفات ليمارس ويواصل القتل والقصف والاعتداء على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بدليل أنّ لا ردود عملية على هذا القتل الممارس يوميا، سوى إعلان خافت عن اجتماع للجنة الرباعية لا قيمة ميدانية له.
الموقف الفلسطيني الموحد أكثر أهمية
ورغم هذا السكوت الدولي على جرائم الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنّ الأكثر أهمية هو أن يكون في ميدان التطبيق موقف فلسطيني موحد إزاء هذه التطورات، وهذا للأسف والحزن الشديدين غير موجود بل يعكس صراعات وجهات نظر مختلفة حتى داخل القطاع حيث السلطة المطلقة لحركة حماس. فمن غير المعقول أن يظلّ الشعب الفلسطيني مرهونا لخيارات كل فصيل فلسطيني حسب هواه أو رؤياه السياسية. حركة حماس لم تشارك حسب تصريحات وردود أفعال مسؤوليها في إطلاق الصواريخ والقذائف على الاحتلال التي اتخذها سببا لهذا العدوان المتواصل على القطاع. وفي الوقت ذاته تقوم لجان المقاومة الشعبية وحركة الجهاد الإسلامي بالرد على جرائم الاحتلال خاصة بعد اغتيال قائد اللجان الشيخ زهير القيسي، هذا رغم أنّ المتحدث باسم اللجان الشعبية (أبو مجاهد) أكّد quot;أنّ مصادر استخبارية مصرية، حذّرت اللجان من أنّ إسرائيل تخطط لاغتيال القيسي بسبب نشاطه العسكري و أعماله المرتبطة بالمقاومة الفلسطينيةquot;، مضيفا quot; أنّ الخونة الفلسطينيين المتعاونين مع إسرائيل الذين ألقي القبض عليهم مؤخرا في قطاع غزة، اعترفوا أمام الأجهزة الأمنية التابعة لحماس بانّ ضباط مخابرات لإسرائليين أمروهم بمراقبة القيسي و نقل خطواتهquot;. وهذا يذكّني بسؤالي القديم (من قتل المبحوح؟ حماس أم الموساد) وقصدت من السؤال: من أوصل للموساد المعلومات السرية الخاصة بوصول المبحوح إلى دبي رغم وصوله بجواز غير جوازه الرسمي وباسم ليس اسمه الرسمي؟.
ويتخبط الموقف الفلسطيني بين الرد والتهدئة
وهكذا كل فترة يستمر تخبط الموقف الفلسطيني داخل القطاع تحديدا بين مقاومة الاحتلال وقصفه، وبعد ردود الاحتلال الجرائمية يعودون لمحاولات التهدئة، وأحيانا استجداء أطراف عربية خاصة المصرية للتدخل لإقناع الاحتلال بقبول التهدئة. وهذا ما عاشه الشعب في القطاع الأيام الأخيرة حيث تتخبط وتتناقض المواقف، ففي حين تعلم حركة الجهاد الإسلامي أنّ التهدئة شاملة وتضمن وقف عمليات الاغتيال، ردّت إسرائيل بالقول أنّها تحتفظ لنفسها بحق استهداف كل شخص يخطط للمسّ بأمنها. فيردّ داود شهاب الناطق بلسان الجهاد الإسلامي (أنّ الجهود المصرية أفضت إلى تهدئة متبادلة ومتزامنة وتلزم العدو بوقف الاغتيالات منذ الساعات الأولى لفجر الثلاثاء (الثالث عشر من مارس)، مشيرا إلى (إن عدتم عدنا)، فيردّ عليه ناطق باسم جيش الاحتلال (إنّ شعارنا هو تغذّى بعدوك قبل أن يتعشى فيك). ورغم هذا الاتفاق قام جيش الاحتلال بعمليات وقصف لمناطق في القطاع أدت لسقوط ضحايا جدد.
أما قصف حماس فقد طال،
السلطة الفلسطينية بسبب ما ادّعته سكوت السلطة الفلسطينية على جرائم الاحتلال، وكذلك قصف سامي أبو زهري لقناة الجزيرة، معبرا عن أسف الحركة لتغطية قناة الجزيرة quot; غير المتوازنة للملف الفلسطيني مقارنة بملفات أخرى أقل أهميةquot;. مضيفا quot; أنه في اللحظة التي يتواصل فيها التصعيد الإسرائيلي على غزة و تستمر أعمال القتل و التدمير نفاجأ أن هذا الخبر لا يحظى بأية أولوية في النشرات الإخبارية لقناة الجزيرة القطرية quot;. هذا وكأن طريقة التناول الإعلامي ستوقف هجمات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.
ماذا نريد..قصف أم تهدئة؟
هذا ما عنيته من ضرورة الموقف الفلسطيني الموحد بشكل استراتيجي، هل نريد مقاومة وقصف مستمر أم تهدئة مستمرة؟. فمن غير المعقول إطلاق صواريخ بالمئات كما يقول الناطقون العسكريون باسم الفصائل الفلسطينية دون وقوع سوى جريحين أو ثلاثة من الإسرائيليين مقابل عشرات القتلى من الفلسطينيين وتشديد دائم للحصار، ثم نتفاوض على التهدئة وأحيانا نستجديها، وبعد أسابيع أو شهور يعود البعض لإطلاق الصواريخ ثم التهدئة....هكذا ما يعيشه الشعب الفلسطيني منذ سنوات..قصف..تهدئة..قصف..تهدئة..وكأنّنا أمام مسلسل تلفزيوني لا نهاية له..فلنحدد ماذا نريد..مقاومة مستمرة إذا استطعنا ذلك أم تهدئة مستمرة؟. لأنّ توازن الرعب غير توازن القوى، فقد أرعبت صواريخ المقاومة الإسرائيليين وأوقفوا بعض مدارسهم وتجمعاتهم ونشاطاتهم، لكن موازين القوى هي التي أوقعت القتلى في صفوف الشعب الفلسطيني فقط. وأكرّر منعا لأي التباس: لا لجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني و نعم لموقف فلسطيني موحد واضح بشكل استراتيجي، وهذا يقرّره الشعب في الداخل وقياداته..فأهل القطاع والضفة أدرى بشعابها!!.
[email protected]
التعليقات