المؤتمر الذي انعقد في العاصمة التونسية يوم الجمعة الرابع والعشرين من فبراير الحالي باسم quot;مؤتمر أصدقاء سوريةquot; وبحضور حوالي سبعين دولة والمجلس الوطني السوري المعارض، وغابت عنه كما هو متوقع روسيا والصين وغير متوقع لبنان. إنّ رصد المداولات والمناقشات ثم التوصيات التي خرج بها المؤتمر تدلّ دلالة واضحة على أمرين مهمين للشعب السوري تحديدا، الذي أصبح معدل القتل اليوم لنظام الأسد وعصاباته لا يقل عن ثمانين طفلا وإمرأة ورجلا يوميا. هذا الأمران الخاصان بالمؤتمر هما:
أولا: حفلت خطابات وكلمات غالبية المتحدثين بالتضامن مع الشعب السوري وإدانة المجازر اليومية التي يرتكبها النظام، وتكفي كنموذج لذلك، الفقرة التي وردت في الكلمة الافتتاحية للمؤتمر التي ألقاها الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، حيث قال: quot; إنّ تونس التي قامت ثورتها رافعة نفس المطالب التي يرفعها الشعب السوري هذا اليوم في الحرية والكرامة، لا تقبل بأي حال من الأحوال شأنها في هذا شأن كل شعوبنا العربية وكل شعوب العالم، تواصل المجازر اليومية في كبرى المدن السورية وأريافهاquot;. وكانت كلمة رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية، ورئيس الدورة الحالية للجامعة العربية ، الشيخ حمد بن جاسم آل خليفة، أكثر وضوحا وجرأة، إذ طالب الحكومة السورية quot; إلى اتخاذ قرار شجاع لصالح الشعب السوريquot; مخاطبا تلك القيادة التي ما عادت تمثل الشعب السوري quot; من هنا أوجه رسالة للحكومة السورية وللرئيس بشارالأسد، هل تريدون حكم سورية فوق هذه الأشلاء والاستمرار في تدمير سورية من أجل التشبث بالحكم، لا بد أن تتخذ القيادة السورية قرارا شجاعا وتحسم أمرها لصالح الشعب السوريquot;.
ثانيا: بعد هذه الكلمات المتضامنة مع الشعب السوري والشجاعة الموجهة للنظام أن يتخلى عن التمسك بالحكم فوق أشلاء الشعب السوري، لم تكن القرارات والتوجهات التي اتخذها المؤتمر تصبّ في صالح الشعب السوري والتسريع بإسقاط هذا النظام المتوحش. خاصة التوجه العام لدى المؤتمرين في رفض التدخل العسكري لصالح الشعب السوري. وهذا لا يعني سوى تمديد فترة قتل هذا الشعب الأعزل الذي يواجه آلة عسكرية من الدبابات والمدرعات والطائرات والمدفعية ومعها أسلحة كيماوية، ودعما لوجستيا وبشريا من النظام الإيراني وحزبه حزب الله اللبناني. فهل يعني هذا الفارق في مستوى القدرات بين الشعب المدني الأعزل وجيش هذا النظام سوى تمديد فترة قتل وذبح الشعب السوري لزمن ربما يطول؟. وقد كان المنصف المرزوقي متناقضا فيما قاله حول رفضه للتدخل العسكري، إذ قالquot; أن نكون أصدقاء حقيقيين لسورية يعني أن نحقن أكبر قدر من الدماء وهذا لا يكون بالتصعيد العسكري سواء تعلق الأمر بتسليح جزء من السوريين ضد السوريين أو بتدخل عسكري من أي طرفquot;. ظاهر الكلام منطقي ومعقول، لكنّه يقفز عن الطرف الأساسي في الصراع وهو أنّ جيش الأسد وعصاباته مسلح تسليحا عاليا وثقيلا ويقابل الشعب الأعزل، فكيف تستقيم المعادلة أو المقارنة؟. إذن فالنتيجة كما قلت هي تمديد طويل لفترة قتل الذبح السوري. وذلك بدليل الاعتراف الواضح للأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي في كلمته أمام المؤتمر، حيث قال: quot; فبعد حوالي ثمانية أشهر من رفض الحكومة السورية التجاوب مع المبادرات العربية المختلفة لحل الوضع المأساوي المتفاقم في سورية، ورفض الحكم للأسف الشديد التخلي عن الخيار الأمني والعسكري في التعامل مع المطالب التي صدرت بتاريخ 22 يناير الماضي، هي المبادرة الوحيدة المطروحة عمليا لمعالجة هذه الأزمة، ونأمل أنه بتضافر الجهود العربية والدولية يمكن لهذه المبادرة أن يكون لها فرصة النجاح في إنقاذ سورية ومساعدتها على الخروج من النفق المظلم لهذه الأزمةquot;.
ونفس السؤال للسيد نبيل العربي: هل لديك أمل في تجاوب هذا النظام الأسدي القاتل بعد اعترافك علانية أنه يرفض التجاوب طيلة ثمانية شهور؟ فهل ينتظر العرب والعالم الحر ثمانية أعوام كي يكون قد قتل بمعدله اليومي هذا ملايين من الشعب السوري الأعزل إلا من صراخ: يلا..إرحل يا بشار..وبشار وعصاباته لن يرحلوا سلميا بعد أن ذاقوا طعم المليارات التي سرقوها وأخواله من ثروة الشعب السوري.
لذلك كان الغضب والانسحاب السعودي
وبسبب هذه المواقف المتضاربة للمؤتمرين في تونس وعدم شجاعتهم في اتخاذ موقف جريء ينقذ الشعب السوري من هذه المجازر، انسحب وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، معلنا مواقف واضحة صريحة:
quot; إن النظام السوري فقد شرعيته وأصبح أشبه بسلطة احتلالquot;
quot; إن التركيز على المساعدات الإنسانية للسوريين لا يكفي...هل من الإنسانية أن نكتفي بتقديم الطعام والدواء والكساء للسوريين ثم نتركهم لآلة لا ترحم؟
quot; إن التركيز على المساعدات يعني كأننا نريد تسمين الفريسة قبل أن يستكمل الوحش افتراسهاquot;.
ثم انسحب من المؤتمر احتجاجا على عدم فعاليات قراراته وتوجهاته معلنا: ( وافقت على البيان، لكن ضميري يحتمّ عليّ مصارحتكم أنّه لا يرقى إلى حجم المأسآة..ولا يمكن لبلادي أن تشارك في عمل لا يؤدي لحماية الشعب السوري سريعاquot;.
الأمل معقود على صمود الشعب السوري
إزاء هذه المواقف العربية والدولية البطيئة التي لا تشعر ولا تعيش مأسآة الشعب السوري في مواجهة آلة القتل الأسدية الوحشية، فالأمل الوحيد معقود على صمود وصبر وشجاعة الشعب السوري، وصحوة ضمير ألاف مؤلفة من أفراد وضباط الجيش السوري كي ينشقوا عن هذا النظام القاتل، وينضموا لصفوف شعبهم بأسلحتهم لمواجهة من يتبقى من عديمي الضمير مع ذلك الأسد. خاصة في ظل تشتت وتفرق المعارضة السورية في الخارج، وأساسا أية معارضة خارج وطنها لا يمكن أن تقدم لشعبها سوى الدعم المعنوي ومحاولة تكثيف الدعم الدولي. وتبقى قيادات الشعب المعارض في الداخل هي الأساس وهي قيادة تغيير وسقوط النظام.
مؤشران إيجابيان داعمان لثورة الشعب السوري
1 . التأييد العلني لثورة الشعب السوري الذي أعلنه السيد اسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية في غزة ، ومن الأزهر الشريف في القاهرة يوم الجمعة الرابع والعشرين من فبراير الحالي، وهذا يعني طلاقا بائنا بين الحركة والنظام السوري خاصة بعد التأكد من مغادرة غالبية قيادتها وعائلاتهم لسورية؟
2 . تأكيد وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري مساء الجمعة الرابع والعشرين من فبراير الحالي quot; أن سورية ndash; أي النظام السوري ndash; ليست مدعوة إلى القمة العربية المقبلة في بغداد...إنّ القرار حول مشاركة سورية في القمة ليس قرارنا بل قرار الجامعة العربية، والعراق ملتزم بقرار الجامعةquot;
ملاحظة أخيرة
اتمنى من كل من ما يزال يؤيد نظام الأسد من السوريين والعرب، أن يقرأ هذه السطور (انقر هنا)من شهادة الطبيب الفرنسي جاك بيريس العائد من حمص. فربما يوقف بعضهم تأييده لهذا النظام بعد قراءة هذه الشهادة التي تفيض حزنا من واقع عاشه في مدينة حمص، ويؤيد مطلب الشعب السوري: يلا ..إرحل يا بشار.
[email protected]
التعليقات