من معهد (ماكس بلانك) في (باد ناوهايم Badnauheim)، القريبة من فرانكفورت الألمانية، يشتغل فريق بحث علمي، منذ سنوات على دراسة سحلية الماء (السمندر) الأمريكية، لكشف سر غريب فيها؛ فهي تعيض كل خسارة في جسمها، من ساق وعين وقلب بالشفاء الذاتي، بدون أن تخلف ندبة. مما لفت نظر اثنين من علماء البيولوجيا هما (توماس براون 44 سنة) و(تيلو بورخهاردت 37 سنة)، أن يعكفا على سر تجدد الخلايا عندها.
ونحن نعلم من السحليات في بلادنا، التي تنقر بفمها في صوت حاد في الصيف، ظاهرة مماثلة، ، فعندما تشعر بالخطر تلقي بذنبها في وجه أعدائها، ثم تلوذ بالفرار، فيجتمع على وليمة الذيل جيش عرمرم من النمل، ومن هذا الذنب خرجت دروس شتى، ليس أقلها أنها أوحت إلى الجراح الروسي (إليزاروف) بتطوير طريقته في علاج أمراض العظام، ومط الأقزام، بكسرها، وتحرير آليات النمو فيها..
وسحلية الماء الأمريكية ( السمندر Water Molch) تفعل ما هو أعجب من ذلك، بترميم وتعويض نفسها بنفسها، فقد عرف عنها، أنها إن خسرت طرفاً، أو طاحت عدسة عين، أو تهشم القلب، أن ترجع الخلايا في دورتها، فترجع؛ فتتكاثر؛ وتعوض، كما كانت بدون ترك ندبة، وهو ما جعل الفريق الطبي، أن يتحسر على العديد من المرضى، الذين يفقدون سيقانهم، بالحوادث والغانغرينا ومرض السكر، أن لا يكون عندهم من نبع الشباب هذا، ما ينبت لهم سيقان جديدة من لحم وعظم، فلا يمشي أحدهم بساق من خشب؟!
وحاليا يوجد في قبو المعهد 900 من هذه الفقريات، موزعة كل عشرة في حوض ماء، ويروي لنا الباحث (بورخهاردت) كيف يجري تجاربه عليها، فهو يضعها في حوض من الماء، فتسبح، ثم بوضع مادة مخدرة، ترتخي الحيوان فيستقر بدون حركة، فيلتقطه، ثم تبدأ العملية الجراحية، بفتح البطن، ثم مسك القلب، ثم هرسه بأداة طاحنة، أشبه بمطرقة، تخبط كيسا من قطع الثلج القاسي، ليتفتت إلى حطام؟!
وهو منظر يوحي بنهاية الحيوان، ولكن النتيجة كانت هائلة، فبعد يومين، يبدأ الزاحف بالحركة، وقلبه بالنبض، وخلال أسبوعين يكون في قمة النشاط، وبعد 84 يوما، يكون ترميم خلايا القلب قد عاد كما كان، بخلايا أصلية فتية، فينشط من عقال....
والشيء الأخير هو المهم، لأن مرضى احتشاء القلب، الذين ينجون من العاصفة، يتحول قلبهم إلى قلبين، قلب من لحم حي، وقلب من قطعة ليف، يرقص مضطرا مع رقصات القلب الحية.
لقد أظهر الفحص النسيجي، لقلب هذا الحيوان الصغير، بحجم الإصبع، نسيجا حيا خاليا من أي تليف وندبة؟!
فكيف يحدث ذلك؟؟
لقد اكتشف الفريق العلمي أمرين لهما أهمية قصوى..
الأول: أن النسيج الذي يحطم ويكسر، كما شرحنا في التجربة، يعود القهقرى إلى عالم الطفولة، فترجع الخلايا إلى ما قبل مرحلة التميز، وهو أمر في غاية الغرابة، ونحن نعرف من الخلايا، منذ أن خلقها الرحمن الرحيم، أنها تكون في الفترة الأولى، في الرحم، بعد التلقيح والتعشيش، في تعداد يصل المئات، (غير متميزة)؛ بمعنى أن الخلية تكون أساسية مثاني متشابهات، حذو القذة للقذة، مثل معلبات الكولا، بنفس الحجم والشكل، ثم يتغير الشكل والمحتوى بلغة سرية، ثم تشق طريقها على نحو متباين متميز، فيخرج منها خلايا عصبية ودموية وعظمية ولمفاوية وما شابه، بتعداد يصل سبعين ألف مليار خلية، موزعة على 210 نوعا من الأنسجة.
وهذا (التميز) إذا حصل؛ فهو ذو اتجاه واحد.. فلا ينتكس ولا ينقلب ..
وما عرف من هذا المخلوق الصغير الرائع، أن الخلايا غير المتميزة، ترجع إلى مهدها الأول، فتصبح غير متميزة، عندها قدرة أن تنقسم وتتكاثر من جديد، وتخلق خلايا عضلية قلبية، وكأنها تخرج من المصنع الأول، وهو إنجاز مذهل على مستوى الخلايا، يسبق بدرجات عمل الخلايا الجذعية، الذي ترافق الإعلان الأول عنه بحماس غير عادي، ثم فتر وبرد، وسببه أن الوعود التي علقت عليه لم تكن كما تولد، وحصل من التجارب.
وتبين كذب وفضيحة العالم الكوري،وإذا كذب العلماء فمن نصدق؟.
والخلايا الجذعية، التي تؤخذ مثلا من نقي العظام، أو حتى من السائل الأمنيوسي للجنين، هي الخلايا الأولى الأولية، التي تصنع منها كل الخلايا، ولكن تجربة السحلية الأمريكية أظهرت شيئا مذهلا من باب غير متوقع.
والأمر الثاني الأشد غرابة فيها، هو تبديل طبيعتها، فطالما عادت إلى الحياة البدائية، فيمكن أن تأخذ مسارا مختلفا، ومعنى هذا الكلام ـ والذي ثبت بالتجربة ـ أن الخلايا التي تبدأ في حياتها الأولى، يمكن أن تصبح خلايا عضلية من جديد في القلب، تتقلص وتضخ بالدم، ويمكن إذا وضعت على نهاية طرف مبتور، أن تتكيف ذلك التكيف العجيب، فتوحي للساق أن يخرج طرفا جديدا من منبت مات، كما يحصل في النباتات، وكما بدأنا أول خلق نعيده..
واللغة العجيبة التي تتم بها هذه المفاهمة والإنجاز، لا يملك العلماء سرها، أو الجواب عنها، وكما يقول توماس براون، من فريق البحث العلمي، أننا إذا لم نكشف آليات ما يحدث، فلا يمكن أن نفهم الحياة، فضلا عن التأثير فيها، وهو يذكر أيضا بمشروع الدماغ الأزرق الذي يعكف عليه 35 دماغا بقيادة (هنري مركرام) في معهد لوزان في سويسرا، في إنتاج نسخة مشابه للدماغ البشري، بحلول عام 2015 م، من مائة مليار من (الميكرو شيبس) وهم الآن في مرحلة تقليد دماغ الجرذان المكون من مائة مليون خلية..
لقد عثر الفريق العلمي على 100 ألف من سلاسل الأحماض النووية، تضم 100 جيناً، لعلها المسئولة عن هذا الترميم والتجديد العجيبين، ووصف الفريق العلمي الآلية التي وضع يده عليها: (فك التمييز وإعادة التمييز Dedefferentiation amp; Redifferentiation)، ونشر البحث في مجلة علوم الخلية..(Journal of Cell Science)
وكل يوم هو في شان...
كل هذا يحدث في العالم، ونحن ما زلنا نتناقش في جنس الملائكة؟
أو هل يجوز أن تقود المرأة السيارة؟؟ أو نحكمكم أو نقتلكم كما نرى في النار السورية وكان يمكن حقن بحر الدم هذا بفطنة واحتواء وفهم لطبيعة تغير العصر.
ولكن بيننا وبين الفهم مسافة سنة ضوئية.
ومن يغفل عن سنن الله فإن سنن الله لا تغفل عنه.