وردت في الإنجيل قصة اعتقال السيد المسيح فقد كان المعلم مع التلاميذ في بستان خارج المدينة وكانت المؤامرة قد أحبكت في السنهدرين (مجلس الفقهاء) وتمت رشوة يهوذا بكيس من الفضة أن يدل الجنود عليه بعناقه وتقبيله.
قال يهوذا أيهم أقبله فهو يسوع المسيح.
نزلت سورة كاملة في القرآن بعنوان المائدة وهي السورة الرابعة من القرآن وفيها أيضا قصة أول صراع إنساني بين ولدي آدم فاعتمد الأول سياسة القتل، وتبنى الثاني طريقة عدم المقاومة ولو بسط أخوه إليه يده بالقتل قائلاً: لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين.
في تلك الليلة من العشاء الأخير بين عيسى بن مريم وأتباعه طلب الحواريون أن ينزل الله عليهم مائدة تكون لهم عيدا لأولهم وآخرهم قال الرب إني منزلها عليكم.
في تلك الليلة المشحونة بعاطفة الوداع قام السيد المسيح وغسل بيده أقدام تلاميذه معلما إياهم التواضع وقال الكبير فيكم يكون صغيرا وأصغركم يسعى بمهمة أعظمكم معلنا الديموقراطية الفعلية.
في تلك الليلة بلغ الحماس والتأثر بالحواري بطرس أشده فقال سوف أفديك بروحي ولن أسلمك لأحد!
التفت إليه السيد المسيح وقال يابطرس على رَسْلِك الحق أقول لك سوف تنكرني ثلاثا قبل صياح الديك!
لم يفهم بطرس الرسالة كثيرا.
قال يهوذا في تلك الليلة لن أخونك فكان جواب السيد المسيح له لقد قلتها.
في تلك الليلة الحاسمة كما هو في المنعطف الحاسم الذي تدخله الثورة السورية بعد أن بدأت ملامح الترنح على النظام الليبي تحت ضربات السلاح، تقدم يهوذا إلى المسيح وقبَّله. عرف المسيح الخيانة قائلا ليهوذا أتبيع معلمك بقبلة!
تقدم الجنود بالعصي والسلاح فأمسكوا بالمعلم. قال لهم السيد المسيح لماذا خرجتم علي بالجند والعصا هل أنا لص أو شقي أنا ادرس في المعبد كل يوم.
هنا لم يستطيع بطرس أن يملك غضبه فاستل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة ويقال في رواية أنه قطع أذنه بالسيف فقام عيسى بن مريم بإعادة لصق الأذن إلى مكانها.
التفت السيد المسيح إلى بطرس وقال له هذه الجملة التاريخية: يابطرس اغمد سيفك لأنه مكتوب من أخذ السيف بالسيف يهلك.
أهمية هذه الفقرة هي التي تواجه الثورة السورية مع نهاية رمضان في عام 1432هـ الموافقة لأوجست من عام 2011م.
من اخذ السيف بالسيف يهلك.
كيف؟
جاء في الحديث الصحيح أن النبي ص قال إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. تعجب الصحابة وقالوا هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال إنه كان حريصا على قتل صاحبه.
حين يقوم كل طرف بالدفاع عن نفسه واستخدام السلاح يبرر لنفسه القتل بكل سهولة تحت ذريعة الدفاع عن النفس.
الحديث أراد كسر هذه الحلقة الشيطانية باعتبار أن كلا من المتقاتلين انطلق من نفس القاعدة النفسية: الدفاع عن النفس.
أعرف أن مفهوما من هذا النوع هو انقلابي وهو صعب الفهم ويقترب من المستحيل في التطبيق ولكن هذا مافعلته الثورة السورية بالضبط في ضبط وتوليد المستحيل.
اعترف أن هذا المفهوم في الكفاح السلمي لم يتبلور عندي بسهولة، كما أنه صعب الاستيعاب من جهة المتدينين والعلمانيين على حد سواء.
الإسلاميون يقولون إنه تعطيل الجهاد، والشيوعيون يقولون الحق يأتي من فوهة البندقية كما قال ماوتسي دونج، والقوميون يقولون كيف سنقتلع إسرائيل بدون قتال. والعوام يقولون مع المثقفين إن القط والكلب والفأر يدافع عن نفسه فكيف نفهم عدم الدفاع عن النفس مع هجوم الآخر عليك.
في يوم 22 أوجست كانت بعثة من الأمم المتحدة في حمص تتعرف على مايجري وبمجرد أن ولت الأدبار بدأت فرق الموت تحصد أرواح الشباب.
قال لي السيد الجندي في مونتريال سوف أقص لك هذه القصة كنت في دمشق أقفل سيارتي حين سمعت صوت إطلاق نار من شاب من الحرس الجمهوري في وجه الشرطة! لم أعر الموضوع انتباها ولكنني التفت لأجد ولدي مضرج بالدم لقد أصابته طلقة طائشة في رقبته. أسرعت به إلى المشفى ولكنني كنت في الغد أدفنه بيدي في التراب. لم يتقدم لي أحد من الحرس الجمهوري ولو بكلمة اعتذار. لقد كان ابني قطة معذبة دهستها سيارة لا أكثر. ووطن من هذا النوع لايعود وطنا بحال! في اليوم التالي حزمت أمري وجمعت مالي ووليت وجهي إلى كندا كما تراني!
قلت له أذكر شبيها بهذه القصة صديقي من بيت دينار الذي كان على سطح المنزل حين نشبت معركة الحاطوم وأبو عبدو الجحش في الروضة. خرجت العائلة ترى من بعيد إطلاق الرصاص وإذا بأحد شباب العائلة يسقط أرضا ميتا. لقد أصابت رصاصة بعثية قلب الشاب فقتلته.
القتل الموجود في سوريا هو زاد يومي لنظام البعث الدموي الشرس، وهو ما دفعني أيضا أن أغادر بلاد البعث إلى يوم البعث.
بعد نجاح الثورة الليبية وإلقاء القبض على سيف الإسلام وأخيه من العائلة الإجرامية وترنح النظام في سكرات الموت بدأ الشباب يقولون انظروا إلى هذا النجاح فعلينا بالتقليد وحمل السلاح ومناجزة هذا النظام الذي يقتل ويقتل عسى الله أن يكف بأسه والله أشد بأسا وتنكيلا.
المسيح وعيسى وبوذا وكونفوشيوس وموسى وجميع الفلاسفة هم أطباء القلوب ومهندسو المجتمعات يعرفون مفاتيح التغيير جيدا.
لقد كتبت أنا شخصيا في هذا مئات المقالات والعديد من الكتب منذ أن نشرت كتابي في النقد الذاتي أُنَبِه إلى خطر العمل المسلح في التغيير الاجتماعي.
لقد قالت لي ابنتي عفراء انظر ياوالدي إفلاس الحركات المسلحة في المنطقة من حزب الله وحماس وسواها. إننا ندخل عصرا جديدا. يجب أن ينادي الشباب بعد انتصار الثورة إلى التخلص من السلاح في كل المنطقة ويجب أن يتوجهوا إلى بناء الإنسان بالثقافة والوعي، وهي المهة التي نذرت نفسي لها للشباب السوري بعد أن يدفن نظام البعث في تدريب الشباب على البناء المعرفي والكفاح السلمي.
إن الشعب السوري واع جدا لمخاطر التسلح فهو مقتل وفشل وكارثة إن نجحت فيه أو فشلت؟ إن فشلت سحقت وإن نجحت ارتهنت للسلاح ومن يموله.
مشكلة ليبيا لم تظهر بعد، والفصل البسيط انتهى بكنس الطاغية، ولكن مابعد ذلك من اعتماد السلاح هو المخيف، كما هو الحال في حزب الله الذي هو أشبه بالسراب البقيعة يسحبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب.
أليس عجيبا أن يقف حزب الله في نفس خندق الطاغية؟ ولماذا تضرب حماس إسرائيل بصواريخ سخيفة مثل وخز الإبر في جلد ديناصور لاحم في هذه اللحظات الحاسمات من ولادة الثورة السورية.
شكرا للثورة السورية لقد فرزت الناس والحركات.
العالم الغربي يملك كل السلاح ولا يستخدم أي سلاح في حل مشاكله، لعلمه الأكيد أن السلاح لايحل مشكلة، وان زمن القوة انتهى، وأن القوة ألغت القوة.
العالم الغربي يعلم علم اليقين أن مؤسسة الحرب ماتت فهو لايتقاتل؛ فقد جرب كل أنواع الحروب الطائفية والقومية والعالمية، وهو الآن يتحد في أوربا بكل مذاهبه ونحله وقومياته ولغاته في أعظم اتحاد عرفته القارة بدون مدافع نابليون ودبابات غودريان الهتلري.
هل يمكن أن تفهم الثورة السورية أن هؤلاء متبر ماهم وباطل ماكانوا يعملون، وأن من يريد أن يستخدم السلاح يشبه بنو إسرائيل الذين طلبوا منه حين جاوز البحر ورأوا أصناما فقال لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة!
هذه اللحظات تستيقظ الروح؛ فالثورة ولادة الروح والإرادة، وهذه لن تقهر قط فتابعوا كفاحكم السلمي يا أبطال حمص والسلمية والبوكمال وجبلة وتلبيسة والصنمين.
لقد ارتكب النظام الخطأ القاتل حين قتل من كل قرية الأنام فجمع الشعب السوري في محنة قلما يجتمع فيها.
قد يقول قائل وكيف سيسقط النظام؟
والجواب لقد سقط ومات كما مات سليمان وتحول إلى جثة فما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته.
متى ستكتشف الجماهير حقيقة الجثة هذه علمها عند ربي؟
قد يقتل بعضهم بعضا كما فعل الرفاق في عدن فقتل نصفهم وخرج النصف الآخر يزحف على بطنه مثل الزواحف.
المال الذي يدفع إلى الشبيحة بمعدل بضعة الآف ليرة من عملة مزورة والسماح بنهب البيوت مثل أي عصابة مخدرات سيقف في وقت وتنضب الأموال فيهوي النظام صريعا للجنب.
إن قصة يلتسين في صراعه مع الشيوعية درس في كيفية موت اعتى الأنظمة ونظام البعث أوهن من بيت العنكبوت لو كانوا يعلمون.
رأيت في اليوتيوب رهط من المجرمين أمسكوا بمجند يقولون له اشهد أن لا إله إلا الأسد وكان المسكين يردد ما يريدون وهو في قلبه يقول الله يلعنك روحك ياحافظ كما تردد الجماهير. ذلك أن الإيمان والكفر لايعتد به مع الإكراه.
في قناعتي أن الثورة سوف تستمر وعض الأصابع من الطرفين سوف يستمر وإن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مايرجون.
في قناعتي أيضا وهو الأهم الحذر من التورط في المستنقع الليبي حتى من منطلق براجماتي فضلا عن أخلاقيته؛ فالحرب الأهلية في سوريا باستخدام السلاح قد تكلف مليونا من الضحايا، مع ولادة عسرة وجنين مشوه، مقابل ضحايا بكلفة قليلة نسبيا، ونتائج رائعة، وولادة الأمة على شكل جنين كامل الخلق جميلة الخلقة.
في قصة المسيح تم إلقاء القبض عليه ومحاكمته أنه مارق عن الشريعة، كما يدعي البوطي في قتلى أبطال الثورة أنهم يموتون ميتة جاهلية؛ فهذه هي مهمة فقهاء السنهدرين وأشباههم ممن تعتلي رؤوسهم الطرابيش العصملية أو عمائم بيضاء وغرابيب سود وجدد حمر؛ فمهمة فقيه السلطة كانت على امتداد التاريخ أن يحول الحاكم إلى إله يعبد من دون الله.
حين كان بطرس يبحث عن مصير المعلم انتبه له خصوم المسيح فصاحوا به إنه من تلاميذ هذا المارق قال بطرس لا . لا . أنا لا أعرفه صدقوني أنا لا أعرف هذا الرجل قط. كرر هذه الجملة في ثلاث اجتماعات في تلك الليلة الحاسمة ولما نطق الثالثة سمع مع الفجر أذان الديك.
خر بطرس على ركبيته قد خنقته العبرات وقال الويل لك يابطرس هذا ماتنبأه لك المعلم: تنكرني ثلاث مرات قبل أن يصيح الديك.
الثورة السورية على المحك هذه الأيام في محنة تفرز الصادقين عن الكاذبين والمنكرين من الأوفياء.
في كندا أنكرنا الكثيرون وبنينا صداقات جديدة مع المسيحي والعلوي والدرزي والحلبي والريفي ومن يصلي ومن لايصلي ومن يصوم ويفطر ومن الجنسين واكتشفنا طاقاتنا الثرة وطاقات الشباب التي لا تنفد.
السوريون اليوم في قارب واحد كما جاء في الحديث من خرقه قاد الجميع إلى الغرق، وعلى المعارضة بكل رجالها واتجاهاتها التداعي لتشكيل سوريا جديدة جميلة في عيد هو الأعظم في تاريخ الأمة الحديث.
سمعت ابنتي بشرى باحتشاد (منحبكجيه) في مونتريال فقامت مع شباب وبنات الثورة بحركة جميلة حين وضع الجميع على أفواههم اللاصقات السوداء تعبيرا عن مملكة الصمت في سوريا.
كانوا فريقا صغيرا في مواجه حشود الموالين ولكن بعزم وتصميم تجلى في العيون والرؤوس المرفوعة ماذكرني بفيلم القلب الشجاع.
كانت مواجهة مؤثرة تذكر أيضا بمعركة بدر التي وصفها القرآن أنها الفرقان.
إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس.
إنها أيام حاسمات أمام الثورة أن تتابع زخمها، وتقتلع المزيد من طبقات وشرائح مملكة الصمت والتردد، ودفعهم إلى الحراك؛ فقد ماتت سوريا نصف قرن، وتعود لها الحياة من جديد، ولا عودة للعبودية.
الأسد الصغير كشر عن أنيابه من جديد في مملكة المخابرات وتحدث مع نفسه ونسفه في خطابه الرابع، وصديقه القذافي يقذف به في مزبلة التاريخ غير مأسوف عليه.
صدق من استخدم الآية حين وضع اربعة طواغيت خلف بعض:
بن علي ـ المبارك ـ القذافي ـ الأسد الصغير
ثم تلا قوله تعالى: ألم نهلك الأولين. ثم نتبعهم الآخرين. كذلك نفعل بالمجرمين. ويل يومئذ للمكذبين.
إنها أيام الله وعلى الثورة السورية السلمية أن تتابع تعاطي هذا العقار السحري من الكفاح السلمي المنجي من شياطين الإنس والجن.
ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيي عن بينة.
ظن السنهدرين أنه أطفأ أسطورة المسيح ولكن وعد الله كان بأنه جاعل المؤمين فوق الكافرين إلى يوم القيامة.
ويلتمع اسم المسيح عيسى بن مريم خالدا رمزا للسلام والحب الإلهي الصوفي وولادة روح الإنسان الجديد فبهداهم اقتده..