بعد أكثر من عام على اندلاع الثورة في مصر، وبعد ما أفرزته الإنتخابات التشريعية فيها من فوز لجماعة الإخوان المسلمين والسلفيين، وتصدرهم لمجلس الشعب، لا أعتقد بأن حماس الشباب للثورة باق على عهده من التوهج والإنعتاق، ثمة لوعة وأسى على جراح الضحايا ودماء الشهداء، ثمة قلق على حريتهم وحقهم في أن يعيشوا سعداء، آمنين من كل شر، شباب ضاعت آمالهم بين قادة طامحين الى استعادة أمجاد العسكر وشيوخ ملتحين نسوا أن الله قد أمرهم بأن لا يكرهوا الناس على ما لا يريدون، ميدان التحرير لم يعد باباً لآمالهم، بل فسحة لإطلاق صرخات يائسة في الفضاء، تزيح عن قلوبهم هموم الحياة وتوهمهم بأن الثورة ما زالت مستمرة.
ثوار الأمس يتبادلون أحاديث الخيبة والإحباط، ماذا حلّ بثورتهم وكيف آلت ثمارها الى من ترددوا طويلاً بالمساهمة فيها حتى اقترب انتصارها، يتساءلون عن المستقبل وعن مصير بعض المكتسبات التي حصل عليها المجتمع بعد نضال طويل، هم خائفون على نهضة بنتها الأجيال الماضية وأنتجت مكتبات عامرة ومسارح وفنوناً راقية، وملايين من النساء المتعلمات اللواتي يزدريهن الشيخ السلفي إسحق الحويني ويصف أبناءهن بأنهم من مدمني المخدرات، ذلك المتفيقه الذي شتم كل نساء مصر حين افترى على والد سيدة مصر هدى شعراوي، وقال بأنه أشاح عن ابنته حين رآها سافرة الوجه، ذلك لأنه كان يعتقد مع كل الناس آنذاك ndash; على حد زعم الحويني - بأن وجه المرأة مثل فرجها، والحقيقة إن الناس لم يكونوا كذلك، لا بالأمس ولا اليوم، لكن السلفيين وحدهم أو ربما بعضهم، من يرى ذلك، هم لا ينظرون الى المرأة إلا متخيلين ما تحت ملابسها، حتى لو تنقبت لا يكفّون عن اعتبارها فتنة، إنها وسيلة لإمتاعهم ورفدهم بالأبناء.
السلفيون الذين يتربعون على مئة وثمانين من مقاعد البرلمان، عبروا عن اهتمامهم بالمرأة، بطريقة بعيدة عن اللياقة والإحترام، فقد نظموا مؤتمراً عن دورها في الحياة السياسية، وكان يفترض أن تعتلي المنصة سيدات منقبات، ليقدمن وجهة نظرهن ورؤيتهن للعمل السياسي، لكن ذلك لم يحصل وتصدّر لرئاسة المؤتمر عماد عبد الغفور، رئيس حزب النور، مع اثنين من زملائه السلفيين. وكان ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، قد حذّر الصحافيات من عدم الإلتزام ب quot;الزي الشرعيquot; واعتبر إن من واجبه تنبيههن لأن هذا أمر لا يمكن السكوت عليه، فالمتبرجات quot;لا يدخلن الجنةquot; حسب رأيه.
إنني إذ أركز على موقف السلفيين من المرأة، فذلك لأني أرى فيها صورة مصر، أرى فيها quot;الحياة سائرة على قدمينquot;، كما قال نجيب محفوظ، على خلاف ما يراه السلفيون، فهم دائماً خائفون منها، يبحثون في كتبهم العتيقة عن أقوال تبرر حجبها والمبالغة في سترها، وما لعبة الحجاب الا الخطوة الأولى نحو تكتيف المرأة وزرع الخجل السلبي، والتردد في نفسها، فتارة يقال لها إنك كالجوهرة ينبغي أن تتقمطي أو تتغلفي كي لا يطمع فيك أحد، وتارة يرمونها بالفتنة وحبائل الشيطان، يعيرونها بنقص العقل، ثم يخشونها إذا ما تعلمت ووصلت الى المراتب العليا، يعتبرونها رمزاً للشرف، لكنهم يحقّرونها في خطبهم وكتبهم ويروون أحاديثاً تجعلها في مصاف البهائم.
إن عداوة السلفيين للمرأة لا يدانيها الا كراهيتهم للفنون، وهم في ذلك منسجمون مع أنفسهم، فلطالما كانت المرأة مصدر إلهام للشعراء والرسامين والنحاتين، بما يوقظه جمالها من مشاعر وآمال، وأنا لا أتصور فنّاً بدون نساء، ولو لم تكن نساء العرب في قديم تاريخنا، باديات المحاسن، مشرقات ذوات فطرة سليمة، لا تشوبها ريبة السلفيين، لما كنّا نشدو بشعر البحتري وأبي فراس الحمداني وابن زيدون والشريف الرضي، وابن زريق، وغيرهم ممن منحوا لغتنا هيأتها الجميلة وخلّدوها في وجداننا. وعداوة السلفيين للفن لم تقتصر على الكلام بل أخذت طريقها الى القضاء بعد أن اتّهم السلفي عسران منصور، الفنان عادل إمام، بالسخرية من الإسلام واللحية والجلباب، في أعماله الفنّية، وبسبب هذا الإتهام، أصدرت محكمة مصرية حكماً غيابيا على إمام بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وبغرامة قدرها ألف جنيه.
إن أولى غزوات السلفيين كانت ضد مكتبة الإسكندرية العريقة، تصدّوا لأنشطتها الفنية والثقافية، واعتبروها منافية للدين. ومنذ فترة وهم يشنون حملة ضد ما أسموه ب quot;قوانين الستquot; ويقصدون بها تلك التشريعات التي أنصفت المرأة بعد عقود مضنية من الظلم والتعسف، السلفيون ومعهم غالبية الإسلاميين لم يستسيغوا منح الزوجة المتضررة من زوجها، حق الخلع، مع إن هذا الحق مذكور في القرآن، وهم أيضا يرفضون مساواة المرأة بالرجل في حق نقل الجنسية الى أبنائها، وهو كما نعلم لا يتعارض مع الدين، ففقهاء السلف لم يتحدثوا عن الجنسية، لأنها من الحقوق الحديثة نسبياً، هم ببساطة يشعرون بالقلق من أي بادرة لإنصاف النساء حتى لو كان مصدرها الله.
أنا لا أخاف من السلفيين حين يحكمون، من أن يتحولوا الى إرهابيين، ذلك أنهم لا يستعملون فتاوى الإرهاب إلا حين يكونوا خارج الحكم، وسيكونوا بعيدين عن فكرة الجهاد، ولن يعترضوا على اتفاقية السلام مع إسرائيل إلا قليلاً، بما يكفل لهم حكماً هادئا. واليوم يستعدون لجولة أخرى يأملون من خلالها أن يكملوا حصارهم للمجتمع المصري، فقد أعلن أحد قيادييهم، راغب السرجاني، عن ترشيح الشيخ السلفي، صلاح أبو إسماعيل، لانتخابات رئاسة الجمهورية، المقبلة. وكان السرجاني قد دعا جمهوره الى اقتناص الفرصة للوصول الى الحكم الإسلامي الكامل، وبهذا يكتمل حظ المرأة العاثر، أغلبية في البرلمان ورئيس سلفي.
ومع كل ماتقدم فإن المرأة والفن لن يكونا وحدهما ضحايا الحكم الإسلامي، بل إن الشباب تنتظرهم سنوات مضنية، يتحتم عليهم فيها أن يجففوا منابع آمالهم ويطفئوا مطامحهم، فالسلطة الجديدة لن تهتم بمعالجة البطالة والفقر، وسيكون جلّ اهتمامها بتطبيق شريعتها الخاصة، ولاعزاء للرجال والنساء الا أن يتحصنوا بالصبر خلال الدورة البرلمانية الحالية، حتى تنتهي، ويتوجه الناخبون مرة أخرى الى صناديق الإقتراع، فيكون لهم رأي آخر، حين لا يعود بإمكان الإسلاميين أن يواصلوا نثر الأموال لكسب أصواتهم، وإلى أن يتحقق ذلك ليس من المستبعد أن يصطدموا بالجيش، فالبلاد لا تتحمل سلطتين.
[email protected]