أخيراً أطّل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، على جمهوره، في يوم العاشر من محرم، ليقول لهم ولغيرهم إن حزبه ازداد قوة وسلاحه لم يصدأ وهو ليس بمحل مساومة، وليتناول كعادته شؤوناً شتّى، أبعد بكثير عن مساحة بلاده، ومقاومة بررت وجودها بهدف تحرير أرضها من الإحتلال الإسرائيلي.
البعض قرأ هذه الإطلالة على إنها دليل قوة ولكن بشرط استمرارها وعدم العودة الى أروقة التخفي، أوإنها علامة تحد لكل من راهن على إضعاف النظام السوري واحتمالات دخوله في تسويات تطال دعمه لحزب الله وعلاقته بإيران، ولكن هناك من اعتبرها صرخة في وجه خطر محدق واستباق قوي لنهاية محتومة. ومهما تكن النظرة فإن رمزية الظهور في يوم تتوحد فيه عواطف الشيعة في كل مكان، لها أهميتها، وبالطبع تختزن معان كبيرة، فهل يا ترى من تشابه بين مشهد الإمام الحسين والقلّة من أهل بيته وأصحابه، وبين نصر الله كقائد يتجمع حوله عشرات الآلاف ويمتلك ميزانية دولة؟ هل من تشابه بين سلوك الأصل ومبدأيتة وبين التوظيف السياسي لكلمات الحسين الصادقة، الذي يتقنه جيداً سماحة السيد؟
الحسين قال quot;هيهات منا الذلّةquot; لأنه رفض الإستسلام والوقوف بين يدي عامل الأمويين عبيد الله بن زياد، هو لم يلزم أحداً بموقفه، وحين أيقن بقرب نهايته، قال لأقربائه وصحبه قبل يوم من استشهاده: quot;.. ألا وإني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، ألا واني قد أذنت لكم، فانطلقوا جميعا في حلّ ، ليس عليكم حرج مني ولا ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً..quot;، كان دائما في مقدمة أنصاره، لم يؤثر السلامة والبعد عن دائرة الرماح، سار الى الكوفة لأن شيوخها دعوه لرفع الظلم عنهم، بعد أن خلعوا أميرهم، وكان قد عرض الرجوع الى المدينة، حين أدرك تحول مؤيديه عنه، لكن قائد شرطة الكوفة منعه، كان حريصاً على حفظ دماء المسلمين، فهل هذا حال نصر الله السيد المدجج بالسلاح المشرع في كل اتجاه، وليس لردع إسرائيل فحسب ؟ ألم يلزم اللبنانيين بمواقفه حين أصبحوا هدفاً للنيران الإسرائيلية، هو لم يكتف بلبنان وما أوجد فيه من أوضاع تلغ سماته كبلد منفتح على الثقافات، وما تسبب به من تقوية الأصطفاف الطائفي بإصراره على أنه قائد لحزب ولاية الفقيه، بل راح يدعم ميليشيات عراقية تمعن في قتل العراقيين وتعذيبهم، بالإضافة الى تشجيعه لإرهابيي القاعدة الذين مارسوا أبشع الجرائم من جزّ الرؤوس والإغتصاب والإختطاف وتهجير الآمنين، كل ذلك تحت راية مقاومة مزعومة ضد قوات الإحتلال، ويعلم نصر الله قبل غيره إن ضحايا quot;المقاومينquot; هم من العراقيين في معظمهم، ليس هذا من التاريخ لكنه منطقه اليوم، فهو في خطابه الأخير حرّض البعثيين وبقايا القاعدة والطائفيين المتشددين، على مواصلة نهج القتل بحجة الإحتفال بهزيمة أميركا في العراق، واعترف بمسؤولية النظام السوري عن توريد الإرهابيين، باعتباره ساهم في التسبب بهذه الهزيمة. إن مساندة حزب الله لما يسمى ب quot; المقاومةquot; في العراق، يساعدنا في فهم قوله بأنه quot; يدعم كل أرض فيها مقاومةquot;، إنه نهج الإستقواء ولا علاقة له بالمقاومة المشروعة ضد الظلم، هتاف السيد الإحتفالي بهزيمة الأميركيين في العراق، هو ترديد لشعارات حكام طهران ضد quot; الشيطان الأكبرquot;، ومشاركتهم الفرحة بزوال عائق كبير أمام نفوذهم في بلاد الرافدين التي ابتلت بجوارها من كل صوب، هتافه لا يمت الى الحرص على استقلال العراق بأية وشيجة.
إن أكثر ما يعيبه نصر الله في معارضيه من اللبنانيين، هو صلتهم بالغرب باالنظر لتاريخ دوله الكبرى في إيجاد دولة إسرائيل، والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، وأجد إن من حقهم أيضا أن يسائلوه عن ارتباطه البنيوي والفكري بنظام ولاية الفقيه، وإن جادلهم بأن إيران دولة تساند الشعب الفلسطيني ولها الفضل في هزيمة إسرائيل في لبنان، فلابد أن يجيب على كثير من الأسئلة: هل تقدم هذه الدولة ملياراتها سخاءً لوجه الله، دون أدنى طموح لامتلاك زمام المبادرة في المنطقة العربية، هل هي بريئة من احتلال أراضي الغير في عربستان وجزر الإمارات العربية الثلاث، هل هي منصفة لشعوبها غير الفارسية كالعرب والكرد والبلوش، هل تنكر مسؤوليتها في إضعاف الزخم الشعبي لانتفاضة البحرين، ألم تتوارى خلف أطماعها القديمة في هذا البلد؟ ثم هل يعرف عن النظام الإيراني إقراره بحقوق مواطنة متساوية للسنّة من أبناء شعبه، هل يحكم وفق المنطق القرآني القاضي بأن لا إكراه في الدين، وبالتالي فلا إكراه فيما هو أدنى من الدين من قبيل اجتهادات الفقهاء، كالحجاب مثلاً، ألم تكره النساء وحتى غير المسلمات على وضع غطاء الرأس، ألم يمارس التمييز ضد المرأة بخاصة في تولي مهن معينة كالمحاماة والقضاء؟ وأسوأ من كل ذلك محاكم الثورة الإسلامية التي أصدرت آلاف قرارات الإعدام بحق المعارضين، ألم يوفر حكام إيران الملاذات الآمنة لمجرمي القاعدة في فترة استراحاتهم من مجازرهم في المدن العراقية؟
باعتقادي إن ظهور نصر الله ليس دليل قوة، إنه نوع من الشحن المؤقت، ورسالة لخصومه يريد منها أن يرهبهم بسلاحه ويستبق أي احتمال بسقوط حكم الأسد، ليقول لهم حتى لو سقط الحليف فلدي من السلاح ما يكفي لتدميركم، وياليته اطلّ على الناس في يوم آخر غير عاشوراء، ليتجنب ولو شيئاً من المقارنة مع موقف الإمام الحسين وغيره من الأئمة الذين برزوا لأعدائهم ولم يهابوا الموت، وما كان الحسين ليصبح رمزاً للشيعة في مقاومتهم للظلم والإقصاء، لو أنه توارى خلف أصحابه ونشد السلامة، أو كان يرهن قراره بقبيلة أو تحالف قبائل.
نصر الله يصر على اتبّاع خطى المرشد الأعلى، خامنئي على الرغم من جديّة الأخطار التي تستتبع هذ السياسة بالنسبة للبنان، هو يتجاهل المعارضة الإيرانية واظطهاد النظام الإيراني لخيرة علماء الدين، كما يتجاهل المعارضة السورية ولا يأخذ بالحسبان احتمالات وصولها الى الحكم أو التوصل الى تسوية معها. إنه مرتاح لمتاجرة حكام طهران بالمشترك المذهبي مع شيعة العراق، بينما يحبسون الماء عنهم ويحولون مجرى الأنهار التي تصب في أراضيهم، ويتهيأون لاستخلاف الأميركيين وفرض نموذجهم المتشدد على معظم العراق. إن نصر الله حين يحرض quot;المقاومينquot; الذبّاحين في العراق، ينبغي عليه أن يدرك بأن معظم العراقيين لن ينسوا كونه شريكاً فيما حلّ بهم من مصائب، ولم ينسوا إن بعض قيادات حزب الله وصفت المجرم الزرقاوي بأنه quot;شهيدquot;.
إن أغلب الدعوات الدينية تفقد بريقها حين تستسلم لإغراء السلطة أو القوة، فالدعوة ترتبط بالمظلومية وبالروح الطامحة الى العدل، الساعية الى الخلاص، بينما الدولة تبنى على المصالح، ودحر المعارضين، وحين يشن القادة الدينيون حروبهم وينتصرون، تبدأ مسيرتهم الموشحة بالغرور، تعلو أصواتهم لتسكت الآخرين، فلا يسمعون الاّ ما يريدون، ومن هنا يكتبون نهاياتهم.

[email protected]