يتزامن مقترح الخط الساخن بين واشنطن وطهران مع سخونة الأحداث في العراق، وتنامي القوة العسكرية والمخابراتية الإيرانية وإمكاناتها في استغلال بؤر التوتر والإحتجاج وعدم الجدّية باعتماد الإصلاحات الضرورية في بعض دول الخليج، لخدمة مصالحها، فضلاً عن الدور الإيراني في مساعدة النظام السوري على البقاء. كما إن إدراك القيادة الأميركية لفشلها الذريع في ضبط الأوضاع في العراق، من جرّاء رهاناتها الخاطئة على القوى السياسية وتهيئتها الأرضية لتوافد الإرهابيين من المحيط الإقليمي بالإضافة الى توفيرها الآليات المساعدة على نهب المال العام، داخلياً، ما أدى الى تشكيل مراكز قوى يصعب السيطرة عليها، كل ذلك يجعل واشنطن أكثر ميلا الى التفاهم مع النظام الإيراني، بخاصة وإن موعد انسحاب قواتها من العراق بات وشيكاً، وهي لا ترغب في أي مواجهة عسكرية تزيد من أعبائها واحتمالات إخفاقها. ومع ماتقدم لا يبدو مستبعداً ما تناقلته الصحيفة الأميركية (وول ستريت جورنال) من أن الإدارة الأميركية quot;تدرس إقامة خط ساخن مع طهران من خلال أسطولها الخامس في الخليج، مع الأسطول البحري الإيرانيquot;، فهناك ملفات عديدة لا مناص من معالجتها بين العاصمتين اللدودتين لضمان مصالحهما في العراق، ودرأ الأخطار عن منطقة الخليج.
من هذه الملفات، ملف ألإرهاب فالمخابرات الإيرانية تمتلك الكثير من أوراقه، سواء من خلال الميليشيات العراقية، التي ساعدت في إنشائها وأغدقت عليها الأموال، أو باستخدام عناصر من القاعدة المحتجزين لديها في عمليات تخدم أهدافها، على إن هذا لا يعني إن العمليات الإرهابية كافةً مصدرها إيران، لأن الجوار العراقي يتحمل مسؤولية كبيرة في تصدير الانتحاريين، ومن سوء حظ العراق أن تتوافق مصالح إيرانية وعربية لإبقاء هذا البلد في دائرة الخراب. والأمر لا يقتصر على العراق بل يشمل أفغانستان التي لها حدود طويلة مع ايران، ومناطق أخرى كمصر ولبنان وغزّة وغيرها.
ملف آخر يتعلق باستغلال إيران لمعاناة نسبة كبيرة من الشعب البحريني، ومحاولة تجيير انتفاضتهم لزرع نفوذها عبر الإدّعاء بالدفاع عن حقوقهم، ودفع بعض القيادات الميليشياوية العراقية المدعومة من قبلها، لإطلاق تصريحات تهاجم حكومة البحرين وتتظاهر بدعم المطالب الشعبية، في الوقت الذي تمارس أساليب القمع ضد المواطنين العراقيين وتسيطر على مناطق واسعة، ومن الواضح لدى المهتمين بالشأن العراقي، وجود ميليشيات تدّعي الخلاف مع إيران بينما هي تنسق معها في الإعداد لعمليات ضد الجيش الأميركي، وتلجأ الى تبرئة نفسها من تهمة الإرهاب بالإعلان عن انشقاقات في تنظيماتها، وإلقاء مسؤولية بعض العمليات على عناصر غير منضبطة في صفوفها.
هناك ايضاً ملف الفيدرالية التي اعتمدت في الدستور العراقي، ووجود حكومة شبه مستقلة في كردستان العراق، ما يقلق إيران ويجعلها تخشى من تحرك الكرد في أراضيها للمطالبة بحقوقهم المهضومة، وهذا يفسر الهجمات العسكرية المستمرة على القرى الكردية في إقليم كردستان، بحجة مطاردة المتمردين. ومعروف إن النظام الإيراني مازال يعتمد سياسة التمييز ضد القوميات غير الفارسية، التي كانت متبعة في عهد الشاه. وفي هذا المجال تشترك تركيا مع إيران في تطويق المطامح الكردية، لكن أمر تركيا مضمون أميركيا بحكم وجود تحالف بينهما، فالقرى الكردية العراقية المحاذية لتركيا وإن كانت تتعرض لقصف الطائرات التركية أو المدفعية، لكن ليس بمعزل عن موافقة أميركية تتضمن المراقبة وتحذير القيادة التركية إذا ما تجاوزت الحدود المسموح بها . وهنا من المفيد تذكّر اتفاقية الجزائر في العام 1975 التي وقعها شاه إيران مع صدّام حسين (نائب الرئيس آنذاك) والتي بموجبها تم القضاء على الحركة الكردية المسلحة في شمال العراق، التي كانت تتلقى الدعم من إيران، وكانت تلك الإتفاقية محل ترحيب أميركي، فالولايات المتحدة وإن أبدت تعاطفا مع الحركة الكردية في مواجهة نزعات الشاه لزعامة منطقة الخليج، الا إنه لم يكن من مصلحتها امتداد الثورة الكردية إقليميا، ما يؤثر على حليفتها تركيا التي تعتبر وطن القسم الأكبر من الكرد في العالم.
ملف مجاهدي خلق ومعسكرهم quot;أشرفquot; في العراق قرب الحدود مع إيران،هو الآخر محل قلق الجانبين، الأميركي والإيراني وما زال على طاولة البحث منذ العام 2003، وقد كان في نية الإدارة الأميركية استخدام ذلك المعسكر كورقة ضد إيران، قبل أن تكتشف حجم النفوذ الإيراني في العراق، الذي توسع وتعمق بسبب حماقة سياستها وقلّة خبرة قادتها العسكريين، لكنها بعد أن أدركت ذلك، عدلت عن هذه النية واستبدلتها بإطلاق حرية عناصر quot;أشرفquot; في التجول أوروبياً وأميركيا لكسب التأييد والتشويش فقط على النظام في إيران، ووجدت بالتالي إن من مصلحتها تسليم أمر المعسكر الى الحكومة العراقية. والمرجح أن يترافق الخط الساخن المزمع تشغيله بين طهران وواشنطن بحل سريع لأزمة quot;أشرفquot; عن طريق ترحيل سكانه الى دول أخرى في نهاية هذا العام، وهذا ما أكدت عليه وزارة الخارجية العراقية مؤخراً، ولم تصدر أية إشارة أميركية خلاف هذا التوجه، كما لم تتخذ أي خطوة لرفع اسم quot;خلقquot; من القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية.
كثيرة هي الأمور العالقة بين الجانبين فهناك ملف المياه العراقية المستحوذ عليها إيرانيا وكذلك حقول البترول المتجاوز عليها، لكن الأهم في المبادرة الأميركية المحتملة تجاه إيران، هو ضمان أمن دول الخليج والقواعد الأميركية في بعضها، وسلامة القوات الأميركية التي يمكن أن تبقى في العراق بموجب اتفاقية جديدة مع الحكومة العراقية. أما القضايا الأخرى العالقة بينهما فهي بدرجة أقل من الأهمية، كدعم إيران لحزب الله وحماس والنظام السوري، لأن من مصلحة إسرائيل المكفولة أميركيا أن تبقى هاتين الجهتين على خط الصراع معها،لإعفائها من متطلبات السلام مع الفلسطينيين، اما موضوع السلطة في سوريا، فانه يحتاج الى بديل قوي يواصل حماية حدود اسرائيل، وهو ما دأبت عليه قيادة الأسد الأب والإبن، وهذا ما لم يتحقق لحد الآن. عراقيا أتمنى أن يتفعل هذا الخط الساخن قريباً لتخليص الشعب العراقي من عواقب التناطح بين واشنطن وطهران، تمهيداً لتحقيق ولو جانب من الإستقرار، بانتظار هدوء الجبهة التركية، وانتهاء ملف الدعم العربي لهذه الجهة أو تلك، من أطراف الصراع السياسي بين مراكز القوى وتداعياته في تنشيط العمليات الإرهابية.