معسكر أشرف ndash; الحلقة الثانية

يسرني أن أرد على ما ورد في رسالة الامانة العامة للجنة العربية الاسلامية للدفاع عن معسكر أشرف، التي نشرتها إيلاف في العاشر من هذا الشهر، وكانت بخصوص الرد على مقال سابق لي بشأن أشرف.

إبتداءً سأناقش ما تضمنه الرد، ثم انتقل الى بعض من أدبيات اللجنة ومقولات عدد من البرلمانيين الاوروبيين، ما يسلط الضوء على كيفية تعاطيهم مع هذا الملف، وفي الوقت نفسه، يساعد على تفهم وجهة نظري، والتعرف الى طبيعة النظرة المقابلة وماورائها.
اتهمتني اللجنة بأن مقالي جاء تعبيراًعن quot; أغراض سيئة ومشؤومة لتمهيد الارضية لمجزرة جديدة ضد سكان أشرف quot; وان ما اشرت اليه من وقائع عن تاريخ مجاهدي اشرف في مشاركة النظام السابق في قمع المنتفضين العراقيين في العام 1991، وما كان منها بعد الغزو الاميركي من أمر التعاون مع معارضين بعثيين، وإرهابيين عراقيين وعرب، بقصد تقويض السلطة الجديدة، ليس الا معلومات quot; واهية quot; كما إنني - حسب اللجنة- اجد ان من حق الدول الغربية مهاجمة ملايين اللاجئين لديها وقتلهم دون خشية من العقاب!!

كما انني ضقت quot; بالدعم العالمي لسكان أشرف quot; واستغربت quot; إدانة المجزرة التي اقترفتها قوات المالكي ضدهم quot; وتساءلت: quot;هل هذا معقول quot; وشككت quot; بدعم الشعب العراقي للأشرفيين quot;، واتهمتهم بالتدخل في الشؤون العراقية. كما شككت بشروط وفد البرلمان الاوروبي الذي زار بغداد مؤخرا، لايجاد حل طويل الأمد بالنسبة لأشرف. وتضمن الرد اخيراً، تجديد اللجنة العربية الاسلامية لمطالبها باحترام الوضع القانوني لمجاهدي أشرف المحميين باتفاقية جنيف(حماية اللاجئين اثناء الحرب).
وردي على كل ماتقدم هو الآتي:
غلب على رسالة اللجنة الطابع الإنشائي المعهود في الخطاب العربي من حيث توجيه الاتهام دون معرفة، فليس لدي أي غرضquot; سيئ أو مشؤومquot; تجاه عناصر أشرف، وكل ماسعيت اليه هو تقديم وجهة نظر متداولة على نطاق واسع في العراق، مفادها إن عناصر أشرف غير مرحب بهم في العراق، وان بينهم من شاركوا فعليا في قتل العراقيين، وبخاصة في الفترة ما بين 1991 تاريخ الانتفاضة الشعبية في معظم محافظات العراق، و2009العام وهو الذي تسلمت فيه الحكومة العراقية مسؤولية معسكر أشرف من القوات الاميركية. وبالاشارة الى quot; الغرض المشؤوم quot; فإن استعمال مثل هذه الكلمات لا يتناسب مع اللياقة التي ينبغي ان يتصف بها خطاب اللجنة.

قدمت اللجنة دليلين على براءة أشرف من مسؤولية قمع عراقيين أثناء الانتفاضة، الاول، نقلاً عن رئيس الاستخبارات العسكرية في عهد صدام، اللواء السابق وفيق السامرائي: quot; إن مجاهدي خلق لم ينفذوا عملية قتالية واحدة كجزء من عملية قتالية للقوات المسلحة العراقية ضد القوات الإيرانية. وكل ما قاموا به كان عملا منفصلا ذا خصوصية خاصة. فلم تدمج وحداتها مع الوحدات العراقية، ولم تشارك عناصر منها بعملية عراقية، حتى على المستوى الفردي، طيلة الفترة التي قضتها خلال الحرب quot;. هذا quot;الدليل quot; هو حجة على اللجنة وليس لها، بل هو يدعم ما قلته لأني اشرت الى ما اقترفته عناصر أشرف او بعض منها، تحديدا في العام 1991، وما بعد الإحتلال الاميركي، ولا يهمني دورها في محاربة النظام الايراني، وإن كان هذا الدور قد أثّر سلبا على مصداقية الأشرفيين وحالتهم القانونية كلاجئين مفتقرين الى الحماية.

الدليل الثاني: شهادة خطية لمسؤول كردي بارز، لا تعرف اللجنة اسمه، قدمها الىquot; المحكمة في هولندا في العام 1999 quot; يقول فيها ان مجاهدي خلق لم يشاركوا في قمع الكرد، لا خلال الانتفاضة ولا بعدها، وانه لم يحصل على اي دليل يشير الى عدائهم للشعب العراقي. هنا لابد اولاً من معرفة هذا المسؤول وتاريخه ككردي وكعراقي ومدى صلاته بالنظام السابق، ولمن لا يعرفون ما جرى في كردستان طيلة عقود، اشير الى مجموعات كردية خاصة، كانت تأتمر بأمر الحكومة في حربها ضد الثوار الاكراد، وكان الناس هناك يطلقون عليها وصفاً مزريا لن اذكره مراعاة للذوق، ولذلك لا ينبغي تصديق الكلام عن معاناة الكرد لمجرد انه صادر من مواطن كردي. وإذا كان رأي الكرد مهما لدى اللجنة، فلماذا لم يبادر وفد منها الى زيارة كردستان وتقصي الحقائق من أهلها؟

لم ترد في مقالي اية اشارة الى تأييد العنف ضد منتسبي أشرف، بل على العكس طالبت بالتحقيق في رواية الطرفين: الحكومة العراقية والاشرفيين، وبيان مسؤولية كل منهما فيما جرى من مواجهات. المشكلة لدى جمهرة المدافعين عن مجاهدي أشرف، من عرب ومسلمين واوروبيين، إن مصادرهم واحدة، وتقتصر على النواب البعثيين في البرلمان العراقي، اوالسابقين منهم، بالإضافة الى روايات ممثلي أشرف حصراً، ولم يسبق ان سمعنا عن زيارة قام بها رئيس اللجنة العربية الاسلامية، او اي من اعضائها، الى بغداد أو محافظة ديالى، حيث معسكر أشرف، للوقوف على حقيقة التظلمات التي يرفعها مواطنون ذاقوا الأمرين من سلطة أشرف الحقيقية في عهد صدام. واحسب ان مثل هذه الزيارة هي من صميم واجبات هذه اللجنة المدافعة عن الأشرفيين.

أما القول بانه حسب منطق مقالي فان من حق الدول الغربية ان تهاجم الملايين من لاجئيها وتقتلهم، فانه مردود لاسباب تعرفها اللجنة، فااللاجؤون هناك يلتزمون بقوانين الدول المضيفة ولا يسمح لهم الا بتشكيل منظمات مدنية لتيسير شؤونهم، ولو انهم تعاونوا مع قوى معارضة فيها، واشتركوا في نشاطات مخابراتية أو سياسية ضد حكوماتها فان هذه الدول ستلقي بهم خارج حدودها بكل بساطة. وفي هذا الصدد الفت انتباه القارئات والقراء الى اعتراف اللجنة العربية والاسلامية بان مجاهدي أشرف يتدخلون بشكل سافر في شؤون العراق، فقد ورد في ردها على مقالي ما يلي:
quot;.. إذا كان الكشف عن تدخلات نظام الملالي وانشطة قوة القدس الإرهابية في العراق، مثل الكشف عن قائمة اسماء 32 الفا من مرتزقة نظام الملالي مدفوعي الأجر والعديد منهم يهيمنون على الحكم في العراق وبرلمانه، يعد تدخلا في في شؤون العراق الداخلية، فإن هذا quot;التدخلquot; موضع تقدير وإشادة الجميع، والمقاومة الإيرانيه فخورة دائما بذلك.
وبهذا الصدد كيف نقرأ تأكيدات سابقة لهذه اللجنة وغيرها من المدافعين عن الأشرفيين بانهم لا يتدخلون في الاوضاع السياسية في العراق؟ ثم ألا يثور سؤال مهم حول كيفية حصولهم على هذه المعلومات والارقام- إن صحت- لولا تدخلهم وإمعانهم في هذا التدخل الى حد المبالغة في حجم مايسمى ب quot; عملاء ايران quot; على الرغم من ان النظام الايراني لديه عملاء، ولكن ليس في العراق فقط بل في دول كثيرة، وخصوصية كثافة نفوذه في العراق نتجت عن تخلي إخوانه العرب عن نجدته، وتركيزهم على الاحتلال الاميركي، وكان أرض العراق فقط ضمت عسكريين اميركيين دون سواها من مناطق قريبة اخرى.

وبهذا الاقرار من اللجنة تكون قد سقطت كل دعاوى نفي تدخل الأشرفيين في شؤون العراق.
أما القول باني ضقت quot; بالدعم العالمي لأشرفquot; فارد عليه بانه لم يضايقني لو كان مبنيا على عدالة وحرص على تبين الحقيقة من مصادرها الشعبية في ديالى وكردستان ومحافظات الجنوب وغيرها، وليس من محترفي السياسة الذين يتلاعبون بمصير العراق، لا فرق بينهم وبين حكام طهران واجهزة مخابراتهم، ويثير سخطي ايضا ما يبديه برلمانيون وسياسيون اوروبيون، واميركيون من غيرة على عناصر أشرف، مقارنة بسكوتهم أعواماً طويلة على تجاوزات هؤلاء واستهانتهم بكرامة العراقيين، ولا احسبهم يجهلون تلك الممارسات ولكنها تقلبات السياسة فحسب، أما الحق فهو آخر الإهتمامات أمام المصالح السياسية. لكل ذلك فانا أشكك فعلاً بالمبادرة الاوروبية لحل مشكلة أشرف وسقفها الزمني الطويل، لأن المسألة بالنسبة لدول الاتحاد الاوروبي وحليفته الولايات المتحدة، لا تتعلق بسلامة مجاهدي أشرف ومساعدة الحكومة العراقية على حل الازمة معهم، وانما بتوظيف هؤلاء ضد االنظام الايراني، وانا لست ضد الجهود الدولية لإسقاطه الحكم في طهران، ولكن ليكن ذلك بعيدا عن العراق، فلا طاقة لنا على حرب جديدة مع دولة يمكن ان تبتلعنا ببساطة.

كذلك اتفق مع اللجنة بقولها إني أشكك في إن quot; وجود مجاهدي خلق في أشرف يحظى بدعم واسع النطاق من غالبية الشعب العراقي quot; واعجب أشدّ العجب مما تدعيه بانquot; خمسة ملايين ومئتي ألف عراقي quot; يؤيدون بقاء مجاهدي أشرف (2006 ) الى جانب quot; ثلاثة ملايين شيعي quot; (2008 ) حسب تعبيرها. أي في المحصلة الحسابية لدينا ثمانية ملايين ومئتي ألف من المؤيدين لأشرف، مقابل واحد وعشرين مليوناً وثمنمئة ألف من العراقيين ممن لا يؤيدون، وهؤلاء على كثرتهم تعتبرهم أمانة اللجنة العربية للدفاع عن أشرف، مجرد مرتزقة لإيران، ولنطرح إكراماً للجنة العربية بعض الملايين من الاطفال ممن لا يستطيعون التعبير عن رأيهم، وهذا من حقها. وبعد فهي تصف quot;الملايينquot; المؤيدة بأنها:
quot; تشمل العرب والأكراد والتركمان والشيعة والسنة الذين يمثلون هوية العراق ولا تشمل مرتزقة نظام الملالي، وبعبارة أخرى، جميع اطياف الشعب العراقي ومكوناته باستثناء مرتزقة نظام الملالي.. quot;

ولا اجد من داع للتعليق على قولها بانها مستعدة لتقديم الاسماء المليونية الى أي محكمة دولية quot; نزيهة quot; لأني متأكدة بأن ليس هناك قضاء في العالم يقبل هذا الطرح المنحاز واللا موضوعي، وإن هذه الملايين المدعاة ليست سوى محاولة لتضليل اللجنة، من قبل جهات بعثية معروفة.

لا أيها السادة والسيدات في اللجنة العربية الاسلامية للدفاع عن أشرف، نحن نساءً ورجالاً لسنا مرتزقة لنظام طهران المستبد، العابث بمصير العراق، المرتزقة هم من عمل تحت إمرة صدام، من مجاهدي خلق، لإذلال عراقيينن، ومصادرة أرضهم، وقتل المنتفضين في العام 1991 إرضاءً لمضيفهم.
بعد ماتقدم انتقل الى بعض ما ورد في البيان التأسيسي للجنة المذكورة، الذي يشابه الى حد كبير ما تضمنته بيانات النواب البعثيين ( صالح المطلق وظافر العاني ) وجهات اخرى محسوبة على البعث، سواء من ناحية الصياغة أو المضمون مثال ذلك ما دعا اليه البيان :
quot; نحن نناشد الشعب العراقي برفع اصواته ضد هذه الجريمة ( يقصد المواجهات بين القوات العراقية وأشرف 2009 ) من اجل انقاذ عزة العراق والعرب وكرامتهما وبالقيام للدفاع عن ضيوفهم. ذلك أن الدفاع عن مدينة أشرف لا ينحصر في أداء واجب إنساني يخص الآلاف من إخواننا الإيرانين الأبرياء فحسب، بل يخدم سيادة العراق ويحميه من تدخلات النظام الإيرانيquot;. ومثل هذا ورد في بيان المطلق والعاني :
quot; نعتقد ان الدفاع عن أشرف هو الدفاع عن سيادة العراق وامثل خطوة للحيلولة دون تدخلات النظام الإيراني في بلدنا quot;.
ومن الامثلة على كون البرلمانيين الاوربيين يوظفون معسكر أشرف لغايات سياسية بحتة، بعيدة عن منطق الدفاع الانساني عن عناصره، ما قاله كارلايل، عضو مجلس اللوردات في بريطانيا، في اطار ندوة عقدت في لندن في الرابع عشر من شباط - فبراير 2011 وبدعوة من اللجنة البرلمانية البريطانية تحت شعار quot;مخيم أشرف والخيارات المطروحة حيال إيران quot;، قال:طيلة السنوات الماضية اعتمدت الحكومة البريطانية والولايات المتحدة خط المساومة مع الملالي الحاكمين في إيران واحمدي نجاد لأنه كان هناك اعتقاد أرعن بأنه سيتحسن الوضع إن لم يمارسوا الضغط عليهم. ولكن ليس هناك ما يؤكد صحة هذه السياسة. فهذه السياسة يجب أن تتوقف وأوضح خيار أمام الحكومة الأمريكية أن تنهي إبقاء اسم مجاهدي خلق في القائمة الذي جاء بطلب من الملالي..quot;
في هذا السياق ايضا كانت كلمة اللورد فريزر، وقوله:

quot; اني أعتقد أن قرار محكمة الاستئناف بواشنطن ( يقصد قرارها باعادة النظر بتسمية منظمة خلق بالارهابية ) كان قرارًا سليمًا جداً. إني أرحب بفكرة أن تكون هناك رؤية واضحة لدى المحكمة كونها لا تأخذ في نظر الاعتبار العملية القضائية فقط وإنما العملية السياسية أيضًا. وإذا ما رفعت وزيرة الخارجية الأمريكية مجاهدي خلق من القائمة سنقف ونصفق لها quot;

ومما قالته البارونة بوترويد (من مجلس اللوردات):
quot;.. أقول للنساء في إيران والنساء المقيمات في أشرف إننا نحيي شجاعتكن الجبارة وإرادتكن الصلبة ضد هجمات الأنذال المرتزقة والقوات العراقية. إنكم وبقيادة السيدة مريم رجوي وبشعبكم وببرلمانكم في المنفى ستنجحون. إني سأبذل قصارى جهدي لدعمكم ولتحقيق التغيير الديمقراطي في إيرانquot;. إن البارونة تضع القوات العراقية الى جانب quot; الأنذال المرتزقة quot; فالى اي حد يساعد هكذا خطاب على حل مشكلة أشرف، انها تقدم الوعود لنساء إيران ونساء أشرف، لتحقيق الديمقراطية، أي نفاق هذا مقابل تقاعس القوات البريطانية في البصرة عن نجدة العراقيين وهم يستغيثون من سيطرة الميليشيات المدعومة من ايران ( قبل حملة صولة الفرسان التي شنها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي للقضاء عليها في مارس ndash; آذار 2008)، ويعتبرون ان هذا ليس من اختصاصهم وهم المحتلون. وعلى ذكر نساء أشرف فهن مقاتلات ولسن مستضعفات لائذات بخدورهن، ومعروف ان قيادة مجاهدي خلق اكثرها من النساء.

ومثل اسلوب البارونة، تحفل بعض أدبيات اللجنة العربية وغيرها من سياسيين وبرلمانيين اوروبيين، بالكثير من الإساءات اللفظية الموجهة الى الحكومة العراقية، ما لا يساعد على حل معضلة أشرف، بل يعقدها، فضلاً عن انه لا غنى عن استعمال اللغة الدبلوماسية في مخاطبة الحكومات مهما كان الموقف منها، وانا الاحظ في هذا المجال ان هناك تعاملا فوقيا مع حكومة العراق، لايوجد مثيله مع حكومات اخرى مهما كانت المؤاخذات عليها من فساد وارتباك وقلة إخلاص لبلدها، والاسباب معروفة، لاتتسع لها هذه السطور. ولست هنا للدفاع عن هذه الحكومة،فأنا أتمنى ان تلغى العمليةالسياسية في العراق برمتها لأن المسار الانتخابي كان خاطئا ومتعجلاً وغير منسجم مع ظروف الاحتلال والخروج من عنق الدكتاتورية، ما أفرز طبقة سياسية فاسدة ولا مبالية.

ختاما أشكر الأمانة العامة للجنة العربية للدفاع عن أشرف على اهتمامها بما كتبته، وإن كان ردها بشكل عام لم يتسم بالعمق المطلوب في قضية كأشرف تختزن كماً كبيرا من الإشكالات المحلية والدولية، كما اناشدها بأن تتوجه الى العراقيين من غير البعثيين المتورطين بآثام العهد السابق، وان يبادر أعضاؤها الى زيارة العراق للتحقق ميدانيا من دور الأشرفيين في البلاد، وعدم الاكتفاء بتقريع الحكومة العراقية.