بعد المواجهات الأخيرة في الثامن من نيسان- أبريل، بين القوات العراقية و سكان معسكر أشرف (الجناح العسكري لمنظمة مجاهدي خلق المعارضة الإيرانية، وعددهم 3400 من النساء والرجال)، يبدو إن الإتحاد الأوروبي قد اهتدى الى فكرة سديدة تكفل حماية هؤلاء من أخطار متوقعة، او مبالغ فيها. اتضح ذلك فيما قاله إستراون إستيفنسون عضو البرلمان الأوروبي، رئيس لجنة العلاقات مع العراق، الذي ترأس وفدا أوروبياً في زيارة لبغداد فقد عرض على المسؤولين استعداد الإتحاد الأوروبي للتوسط لدى الدول الاوروبية والولايات المتّحدة الأميركية و كندا ايضا، بهدف الاتفاق على توطين منتسبي أشرف لديها، بعد ان اصبح بقاءهم في العراق امر في غاية الصعوبة.
لكن ما يثير الاستغراب هو تأخر هذه المبادرة لأكثر من سنتين، فمنذ ان بدأت أولى المواجهات بين عناصر اشرف والقوات العراقية في صيف العام 2009، اقتصر تعاطف الاتحاد الاوروبي مع منظمة خلق على عقد المؤتمرات في كل من باريس وبروكسيل وجنيف وبرلين، التي حفلت بخطابات شديدة اللهجة ضد الحكومة العراقية، معتبرة إياها ذراعاً إيرانية، ومحذرة من تصفية الاشرفيين. فضلاً عن ذلك، جاء عرض الوساطة الاوروبية مثقلاً بالشروط : quot; نحن سوف لن نبدأ بالتوسّط في أي حل وأي قرار ما لم تسحب الحكومة العراقية قوّاتها من أشرف وما لم تزوّد سكانه برعاية طبية مستعجلة للجرحى الذين حالتهم حرجة وخطرة وما لم يتم رفع الحصار عن المخيم وإعادة السلام والحالة الطبيعية إليه، فإذا تمت إجابة هذه المطالب فيمكن لنا في هذه الحالة أن نبدأ بالتوسّط والتفاوض مع كل من بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) والاتحاد الأوروبي وأميركا واللجنة العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وآخرين quot;. وعلى الرغم مما يستفاد من هذه الشروط من واقع الإستعجال بالحل، فإن الموفد الأوروبي يشير الى ان ان قرار الوساطة سيكون طويل الامد دون تحديد سقف زمني، وهذا يتناقض مع حماسة الاتحاد الاوروبي في الدفاع عن اشرف واحتضان فرنسا لقيادة منظمة مجاهدي خلق. إن الموقف الاوروبي المنحاز والآحادي الجانب في هذه القضية لم يصب في صالح الأشرفيين، وإن كان خطابه في صياغاته العامة إنسانيا، إلا انه يعبر في المضمون وسبل التطبيق عن ارادة في توظيف عناصر اشرف للضغط على ايران، دون الاهتمام بالمحافظة على حياتهم كما يجري الادعاء اعلاميا، ومن غير اي محاولات جادة لاستقصاء اسباب النزاع التاريخي بين معظم العراقيين والحكومة العراقية، من جهة وهؤلاءquot;المجاهدينquot; من جهة اخرى، فهم على ما يبدو مجرد رهان عسكري في سوق سياسي متعثر.
ويشترك في هذا النهج المنحاز بالاضافة الى مسؤولين اوروبيين واميركيين- سابقين في معظمهم- شخصيات ساهمت في تأسيس اللجنة العربية ndash; الاسلامية للدفاع عن اشرف في اواخر العام 2009، التي ترأسها رئيس الوزراء الجزائري الاسبق، سيد احمد غزالي، الذي شارك بفاعلية في جميع المؤتمرات الاوروبية لنصرة اشرف، ومما قاله في هذا الصدد: معسكر اشرف هو فخر لإيران وللعرب والمسلمين!!
كما ورد في البيان التأسيسي للجنة المذكورة، ما يعبر عن تجاهل كامل لتغير الاوضاع في العراق، وبالتالي تغير وصف الاشرفيين، من داعمين لنظام صدام حسين ومشاركين في عملياته العسكرية والامنية الداخلية ضد المواطنين، الى تركة ثقيلة ينبغي التعامل معها بحذر شديد. والبيان ايضا يدرج معلومات يصعب التحقق من صحتها وواقعيتها في ظرف عراقي عصيب، يشكوا فيه الناس من صعوبة التواصل في المدينة الواحدة او حتى الحي نفسه. واورد الآتي لبيان ذلك :
بعد ان يصف البيان ما قامت به القوات العراقية ضد مع معسكر اشرف في 2009، بانها عمليات quot;اجراميةquot; وكونها فقط تنفيذا لاوامر ايرانية، يقول ان هذا السلوك quot;لا يمت الى الشعب العراقي بصلة
فمنذ 23 عاما مضت، استضاف العراق آلافًا من أعضاء هذه المنظمة، وحسب شهادة 5.2 مليون عراقي (بيان حزيران 2006) وثلاثة ملايين من شيعة العراق (بيان حزيران 2008) وعدد كبير من القادة الوطنيين الديمقراطيين العراقيين، فإن تواجد هذه المنظمة بالعراق يشكل أكبر حاجز سياسي وتاريخي أمام استراتيجية الهيمنة الإيرانية... quot;. السؤال هنا من اين جاءت هذه الارقام المليونية ومن الذي جمعها ومن هم القادة الديمقراطيون العراقيون المشار اليهم، أهم البعثيون، وهل يجهل العالم ما اقترفوه بحق الشعب العراقي؟ هل هؤلاء من جلبوا الشهادات المذكورة وحملوها الى بروكسيل، كجزء من نشاطهم وصراعهم على السلطة والمكاسب المالية في العراق؟ والسؤال المفجع الآخر، هل هناك ديمقراطية حقا في العراق حتى يكون هناك ديمقراطيون؟
ويشدد البيان على حق سكان اشرف بالبقاء في العراق، بشكل مطلق، ومنع نقلهم الى خارجه، ويطلق عليهم تسمية quot; الضيوف quot;، مع انهم يتصرفون وكانهم مالكين للارض، ويتدخلون علنيا بالشؤون العراقية ويعقدون المؤتمرات لتشكيلات معارضة للسلطة، ضالعة في العمليات الارهابية التي اجتاحت البلاد، ويساعدونها في عملياتها ويوفرون لها الملاذ الآمن. وهذا ليس تجنيا عليهم بل هو مايقوله مواطنون
يؤكدون على ان عناصر معسكر اشرف مارسوا نشاطات سياسية متنوعة بعد الاطاحة بصدام وتعاونوا مع ضباط مخابرات سابقين وشيوخ عشائر وساهموا بانشاء ما يسمى ب quot; مجلس إنقاذ ديالى quot;، برئاسة محافظها السابق عبد الله الجبوري.
ان لمنظمة مجاهدي خلق في العراق تاريخ غير قابل للتسامح من قبل نسبة كبيرة من الشعب العراقي، باستثناء البعثيين ممن يطمحون الى اعادة سلطتهم، بالاضافة الى السياسيين المتلاعبين بمصير العراق، المتخفين وراء واجهات عربية ويدعون بالعلمانية، وهم في الجوهر لا يختلفون عن أحزاب الاسلام السياسي التي تساير ايران، او تضطر مجبرة الى الخضوع للضغوط الايرانية بسبب ضعف الاداء الاميركي. إن دور عناصر منظمة خلق في قمع انتفاضة الجنوب، ومشاركتهم في إبادة العديد من قرى منطقة كلار وكفري في كردستان، ما زال حاضرا في ذاكرة العراقيين.
وانّي إذ اتوقف عند هذا البيان، فلأنه من جهة عربية- اسلامية، لان الاوروبيين والاميركيين يجرون وراء مصالحهم دائماً، وليس كثيرا على العراقيين ان يطالبوا اشقائهم بشئ من الانصاف وان كانت التجارب الماضية لا تسعفهم.
ولا اريد الاطالة على القارئات والقراء، لكني اجد حاجة مرة اخرى لبيان منطق الانحياز الى الاشرفيين، الذي يأخذ طابعاً مبدأيا صارماً يستحق التوقف، فمما ورد في احد تصريحات رئيس اللجنة العربية ndash;الاسلامية للدفاع عن اشرف، السيد غزالي، بتاريخ الرابع عشر من نوفمبر 2009 مايلي :
quot; إن مجاهدي خلق، وكما أعرفهم، هم دعاة السلام والمحبة والصداقة ويمثلون الحل الأمثل لمشكلة إيران
الحالية... quot; كما اشار الى انهم أثبتوا وبكل جدارة تمسكهم بالشعارات التي رفعها المعارضون الايرانيون في الداخل، quot; من خلال تعاملهم مع القضية العراقية والأحزاب العراقية والعراقيين جميعا. quot;
وهنا يؤكد السيد غزالي، ربما دون ان يقصد، ان عناصر خلق تتدخل بالشأن العراقي، كما يضيف بإن quot;مجاهدي خلق هم الذين دافعوا عن الدين وعن الديمقراطية والأخوّة وعن القيم الإنسانية، فعلينا أن نهبّ لمساعدتهم وتأييدهم حتى لا يكون العار علينا، ونستطيع من خلال ذلك إبعاد نار الفتنة الطائفية والتطرف من بلداننا أيضا.
اتساءل هنا وربما يشاركني الكثير في دهشتي، هل يتلبسنا العار اذا لم نساعد مجاهدي خلق، ولايصيبنا حين نهمل مقاضاتهم على تجاوزاتهم على الحقوق العراقية، ارضا وناساً؟ هل تحل مشكلة اشرف بالتهجم على الحكومة العراقية الضعيفة الأداء اساساً، ام بالتعاون معها لمساعدتها في مواجهة النفوذ الايراني؟
ان الضجة التي اثارتها منظمة خلق مؤخرا، بحجة مخاوفها من تسليم المطلوبين ايرانيا في معسكر اشرف الى ايران، ليس لها ما يبررها لأن الاتفاقية التي وقعتها وزارة العدل العراقية مع نظيرتها الإيرانية هي لتبادل المجرمين العاديين والمحكومين، فهناك 302 إيراني في السجون العراقية و184 عراقياً في المعتقلات الإيرانية، هذا ما اعلنته الحكومة العراقية.
ولمن لا يعرف معسكر اشرف، فانه يقع على بعد ثمانين كيلو متراً شمال شرق بغداد ويتربع على مساحة تقارب الخمسين كم من الاراضي الخصبة، وكان صدام حسين قد استولى عليها من مالكيها الاصليين واقطعها لمجاهدي خلق، واطلق يدهم في ادارة شؤونهم كمدينة مستقلة، بشرط أساسي هو مساندته في جهده الحربي ضد ايران في حرب السنوات الثمان، بالاضافة الى المشاركة في قمع اي تمرد او انتفاضات داخلية، وهذا ما نفذته منظمة خلق بكل جدارة.
ان الحل الامثل لحل مشكلة سكان اشرف، هو ما تقدم من مبادرة الوساطة الاوروبية، وينبغي التعجيل بها ونبذ المراهنة السياسية على مصيرهم، ذلك انهم فقدوا صفة اللاجئين منذ ان قرروا التدخل السافر في الاوضاع المعقدة في العراق، واوجدوا حالة من الاحقاد الراسخة في نفوس كثير من العراقيين. غير ان هذا لا يعني تزكية اي ممارسات عنفية ضدهم، والتي يجب التحقيق بشان ما وقع منها وبيان مسؤولية الطرفين فيها، اي القوات العراقية وعناصر خلق، ولا انسى هنا الاشارة الى ان أداء الحكومة العراقية المتعثر والضعيف البيان، وعدم توضيحهم للعالم مدى الترابط البنيوي- العسكري بين نظام صدام وعسكريوا اشرف، اسهم بشكل واضح في ارتفاع صوت مجاهدي خلق اوروبيا.