لعل كثير من الرجال ممن يشابهون شخصية المدير العام لصندوق النقد الدولي والاقتصادي الموهوب والوزير الفرنسي الاسبق سيروس كاهن، قد شعروا بالأسف لما أصابه من quot;ظلمquot; على يد الشرطة الاميركية ومن ثم السلطة القضائية في نيويورك، ورب قائل منهم: ما الذي فعله هذا الرجل غير انه تطلع الى الجمال وحسب ان له الحق في حيازته فأخطأ، ومن تكون تلك المرأة حتى تصده وتتسبب له بفضيحة مدوية أحرجت فرنسا وهزت مكانة حزبه الاشتراكي، وهو الذي وضعته التوقعات كرئيس محتمل لبلاده في العام 2012.
أما عن أغلب النساء سواء في فرنسا أو عالمنا العربي فأحسب ان الامر مختلف، إنها الشماتة ووقفة عز متأملة لتاريخ مثقل بالحقوق الفائضة لسياسيين مترفين ورجال مال وتجارة بارزين، وآخرين في حقول شتى، بالاضافة الى فئات من الاثرياء ممن لا موهبة لهم سوى وفرة من المال الموروث وغرائز منفلتة، إنهم يقفزون على واقع الوحدانية المقدسة للزواج في أوروبا، ويسرفون الى حد المرض بممارسة رخصة الزواج المتعدد وبناء شبكة جديدة لتحديث منظومة ملك اليمين في بلداننا العربية والاسلامية.
لم يكن ستروس الوحيد بين السياسيين الفرنسيين في شغفه بالنساء فقد سبقه الرئيس ميتران في علاقاته السرية التي كشف عن جانب منها في أواخر أيامه حين اعترف بابوته لإبنته مازارين وهي ثمرة علاقة ظلت في الظل لسنوات طويلة، بالاضافة الى ما ينسب اليه من صلات عاطفية أخرى. الخاص في قضية ستروس انه لا يكترث بنتائج أفعاله، معتمدا على جاذبيته المدعاة ومكانته المرموقة، وعلى قدرته في اجتياز أزمات مماثلة في علاقات سابقة، كما حصل مع الموظفة الهنغارية التي عملت ضمن إدارته في فترة سابقة.
ومن الملاحظ ان التقاليد الفرنسية تميل الى التسامح مع السياسيين المتزوجين في علاقاتهم الغرامية، ربما هو إرث من ملوكهم أو لأن القوانين عندهم تتشدد في حماية الحياة الخاصة للأفراد وتمنع تطاول الصحافة عليها، مقررة إجراءات قانونية وتعويضات مبالغ فيها.
وبصرف النظر عن احتمال براءة الرجل من تهمة الاعتداء على عاملة التنظيف، المهاجرة الغينية، واحتجازها ومحاولة اغتصابها، التي وجهت اليه من قبل النيابة في نيويورك، اعتمادا على إفادة المدعية، وما يمكن ان تستبطنه هذه القضية من خلفيات سياسية، فأنا أرى فيها بعداً عربيا بامتياز، وليسامحني جمهور الرجال ممن قد يصيبهم هذا الرأي بشيء من الأذى المعنوي. واشرح ذلك من خلال معظم القوانين العربية التي تعالج مسألة خيانة الزوج لميثاق الزوجية ( وجعلنا بينكم ميثاقاً غليظا- قرآن كريم)، فهي لا تعتبر الممارسات الجنسية للزوج خارج اطار الزواج جريمة تستوجب العقاب إلا إذا وقعت في بيت الزوجية، وبذلك فانه ليس من حق الزوجة تحريك الدعوى الجنائية ضده، طالما ابدى احترامه لهذا البيت، غير ان قانون الاحوال الشخصية العراقي مثلاً، يعطي الزوجة المجني عليها حق طلب التفريق بسبب الخيانة الزوجية، فان استخدمته فلا يجوز لها بعد ذلك مقاضاة زوجها حتى لو ارتكب فعل الخيانة في بيتها!!
ومن نتائج تلك القوانين والمساحة الواسعة من الحرية، إن الرجل العربي المتزوج يستطيع ان يحتفظ بعدد غير قليل من العشيقات، دون ان تطاله يد القانون، فضلاً عن ما يوفره له المشرع من إمكانية الزواج الثاني او الثالث اوالرابع، وهي زيجات تعبر عن خرق ميثاق المودة والرحمة، وخيانة واقعية وان لبست رداءً شرعيا، لان الازواج غالبا لا يصارحون زوجاتهم بما يضيفونه من نساء الى العائلة، وهم بهذا النحو يسلبونهن حق الرفض.
وليس القانون فقط من يشجع على خيانة الازواج لزوجاتهم، بل الثقافة الاجتماعية من موروث الامثال والحكايات، قديما، وما ينتجه الاعلام، حديثاً، من افلام ومسلسلات ودعاة في القنوات الفضائية، يطلقون دعواتهم لخيانة الزوجات باسم الإحصان والعفة، وهم متنوعون في مشاربهم الفقهية.
إن المجتمع العربي- باستثناء النخب المثقفة ثقافة حقيقية - يعتبر الرجل مخلوقا غير ناضج قبل الزواج، ولا تعيبه علاقاته الجنسية، مهما تعددت ومهما كان عمره، وبعده فهو يحتاج الى زوجة تعامله كطفل، تغدق عليه الدلال دون ان تحاصره بالغيرة، فإن خانها فهو معذور لانها لم تتمكن من استيعاب نزواته ودفعته الى الاستسلام لإغراء نساء أخريات، كما ان بعض الفقهاء يرتبون عليها إثماً لانها دفعته الى المعصية، إذا ما رغبت عنه وصدته بسبب طريقته في التعامل معها.
وما دام هذا هو التوجه العام في النظر الى ممارسات كثير من الازواج العرب، فان إمكان المحاسبة او المؤاخذة على إساءاتهم لزوجاتهم، يبقى معدوماً في ظل منظومة من الثوابت التي يصعب التجرؤ عليها، وبذلك يمكن الاعتراف لمجتمعات الغرب وقوانينها بفضيلة القدرة على فضح الرجال المتورطين بعلاقات خارج الزواج، أو بقضايا استعمال العنف ضد النساء بغرض الاغتصاب او الشروع به، فلا حصانة لأحد مهما على مركزه، وسيروس نموذجا. وقد يثور اعتراض على هذا الرأي بسبب ما كان من قضية الرئيس الاميركي كلينتون وموظفة البيت الابيض مونيكا، وبقاءه رئيساً على الرغم من الفضيحة، أقول إن كلينتون تعرض للعقاب، قانونيا واجتماعيا ونال جزاءه.
ومن المثير للاستياء في كثير من القوانين العربية انها تكافئ المغتصب اذا ما عرض الزواج من ضحيته، فتمنحه زوجة بلا اية شروط وتعفيه من العقاب، وفي وقائع لا تحصى فان الضحية تقتل بدعوى غسل العار، بينما في دول الغرب يواجه المغتصبون السجن لآماد طويلة.
وليس في كل ما تقدم دفاع عن الغرب بقدر ما هو محاولة لبيان اوجه الخلل والنفاق في منظوماتنا الاخلاقية.