عرف عن السيد حسن نصر الله تمثله الدائم بمقولة الإمام الحسين بن علي quot;هيهات منا الذلّةquot; حين دعاه عامل الأمويين في الكوفة عبيد الله بن زياد الى أن يمثل بين يديه صاغراً، وجعل الأمين العام لحزب الله من هذا القول المفعم بمعاني التضحية والبطولة، شعاراً تعبوياً لحزبه في مواجهته لإسرائيل، وربما لخصومه الآخرين، والحسين كما نعلم من أمهات كتب التاريخ كالطبري والكامل، كان يقاوم حاكما غاشماً، وكان ينشد العدل، ويستند الى مشروعية الجهاد ضد الحاكم الظالم، وهو في هذا لا يختلف عن الثوار الذين هبوا ضد حكامهم في مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين، ومن قبلهم من توسدوا تراب الأرض في مقابر صدام الجماعية. واليوم يحق لنا أن نوجه بعض الأسئلة للسيد، بصيغة واضحة وغير قابلة لتلقي أنصاف الأجوبة: ألم يتظاهر السوريون ضد حكامهم الظالمين وقد أشبعوهم ذلاً على مدار السنين؟ ألا ينطبق الشعار الحسيني ذاك على هؤلاء المنتفضين وقد تجرعوا كأس الصبر حتى أثملوا وخيل لنا بإنهم ناموا على أوجاعهم ولن يستفيقوا؟ وإذا كان من حق مواطني البحرين ان يطالبوا بحقوقهم، فلماذا يتجاهل نصر الله حقوق نظرائهم في سوريا؟ أما إذا كان يخشى على الشعب السوري من ان يقع في قبضة الإخوان المسلمين، أوما تعبر عنه القيادة السورية بquot;السلفيينquot; وquot;العصاباتquot;، فأنا أرى في حزب الله نسخة شيعية من الإخوان، فكل منهما يسعى الى غاية واحدة ولا يعترف بحدود جغرافية لدعوته، فحلم الإخوان هو بعث الخلافة الإسلامية وانتشال المسلمين من quot;الجاهليةquot; بالقوة - كما يرى منظرهم سيد قطب - ومن ثم التسيد على العالم باسم الإسلام، بينما بشّر حزب الله منذ نشأته الأولى بمشروع الدولة الإسلامية تحت ظل الولي الفقيه، نائب الإمام المهدي، حسب رؤية أقطاب الحكم في إيران، وهو حاكم مطلق تشمل ولايته كل المسلمين. والنتيجة واحدة في مسار الحزبين: أسلمة قسرية للمجتمعات وتغييرها لتنسجم مع تفسيرات وتأويلات متشددة لنصوص قرآنية، تجتث من سياقها التاريخي وتقطع عن ملابساتها الظرفية، بالإضافة الى تبني منظومات متشعبة من الاحاديث المنسوبة الى النبي (ص) تتوافق مع رؤية الفقهاء المعتمدين لدى الطرفين.

ويكاد نصر الله أن يبرر سياسة دول مجلس التعاون الخليجي في تعاملها مع أحداث البحرين، فالمصلحة الخليجية اقتضت ان لا تمتد موجة الاحتجاجات العربية الى اي من بلدانه، ضماناً لأمنها، وحرصاً على سريان المصالح الحيوية للدول الصناعية الكبرى المعتمدة على بترول الخليج، والراعية لاستقرار دول المجلس، كما أثبتت مواقف كثيرة أبرزها حرب تحرير الكويت. وكذا الحال مع حزب الله فإن مصلحته تقتضي أن لا يتزعزع نظام الحكم في دمشق لأنه مصدر سلاح quot;المقاومةquot;، والدرع الواقي له في مواجهة أية تداعيات غير محسوبة في الداخل، ذلك ان القوات السورية quot;الممانعةquot; لا شأن لها باحتمالات المواجهة مع العدو الصهيوني، فهي لم تحرك ساكنا، لا أثناء الاجتياح الاسرائيلي الاول للبنان في العام 1978، ولا في العام 1982 عندما اطلقت اسرائيل عملية سلامة الجليل، وكذلك الحال في حرب العام 2006 حين تركت quot; سوريا الاسدquot; لبنان وحيداً يواجه الغارات الاسرائيلية، على الرغم من اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين، ذلك لأن قيادتها quot;الحكيمةquot; قد قطعت وعدا بانها سترد على إسرائيل في الوقت المناسب!!
إن دفاع حزب الله عن السلطة في دمشق، بعد كل مااقترفته من قتل وتعذيب لمواطنيها، لا ينبغي ان يدهش من كانوا يدافعون عن الحزب بوصفه السابق كمقاوم لإسرائيل وللسياسىة الامبريالية الاميركية المتجاهلة لحقوق الشعب الفلسطيني، فالواقعية تحتم عليه ان يقف الى جانب هذه السلطة، ولنقف مع السيد نصر الله في دعوته ودعائه لنظام الاسد بطول البقاء:

quot; ندعو السوريين الى الحفاظ على بلدهم ونظامهم المقاوم والممانع وإعطاء المجال للقيادة السورية بالتعاون مع كل فئات شعبها لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة quot;. إن أي تغيير قد يقود الى شكل من اشكال الديمقراطية الحقيقية في سوريا، من شأنه ان يؤثر على الموقف من حزب الله او من العلاقة الوثيقة مع حكام طهران، واذا ما نجحت حركة الاحتجاج وانبثقت حكومة جديدة، يراقبها مجلس شعب جدير بالمسؤولية، لا يهرع الى التصفيق مع كل التفاتة وابتسامة للرئيس، أو يقف منشدا لأهازيج البعث، لو حصل ذلك فإن مصير حزب الله سيكون على المحك، وستنهض احتمالات التفاوض مع اسرائيل لاستعادة الجولان او بعض منها، كما سيعاد النظر بالعلاقة الوثيقة مع طهران لانتفاء الحاجة الى معوناتها المالية نظرا لتوفر بدائل تقترن بهذه الاحتمالات. لكل ذلك وربما غيره يستبق حزب الله مشيئة التغيير الواعدة، بالدعوة الى أسناد حكام سوريا كي لا تنتفي الحاجة الى وجوده ككيان عسكري يقف حاجزا امام اي مسعى للتسوية مع اسرائيل، وفي الوقت نفسه يضمن تدفق السلاح الى عناصره، ما يمكنها من إحكام السيطرة على الدولة اللبنانية.
ويمضي السيد في قريظه للنظام السوري فيقول عن الرئيس بشار الاسد، إنه:
quot; ... مؤمن بالإصلاح وجاد ومصمم ومستعد للذهاب الى خطوات إصلاحية كبيرة جدا، لكن بالهدوء والتأني والمسؤولية quot;، غير انه لا يسوق لنا امثلة ملموسة عن إصلاحات حقيقية في بنية الحكم وفي اسلوب تعامله مع الشعب السوري، على الرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على تولي الاسد الابن للسلطة. إن نصر الله في موقفه من صديقه الرئيس، يبدو منسجما مع نفسه وقناعاته وسياسته في قيادة حزبه، فهو المرجع الاعلى الذي لا يناقش قراره، وهو الذي يقرر ما الخطأ وما الصواب، وقد اتضح ذلك في الكثير من خطبه وضمير الأنا الذي يتصدر قراراته، وكنا قد سمعناه وصدمنا بمقولته الشهيرة، بانه لو كان لديه ادنى شك بان اسرائيل ستهاجم لبنان بسبب خطف الجنديين الاسرائيلين، لما سمح بهذه العملية، وكذلك قوله المناقض السابق، بانه درس العملية من جميع جوانبها لمدة ستّة أشهر.. وتأكد من نجاحها. السيد اذاً يهتم بنجاح قراراته الآنية ولا يهتم بانعكاسات نتائجها على الشعب اللبناني، وهذا بالضبط ما يفعله حكام سوريا، يضربون الشعب لتأمين بقائهم لفترة اطول، وهذا هو أساس الترابط الموضوعي بين موقفي حزب الله ونظام الاسد.
ومع ان السيد نصر الله من أشد المعادين لسياسة الادارة الاميركية، فانه يحاكي مواقفها، فهي تدعو الى الديمقراطية والى حق الشعوب في الإنتفاض على حكامها، ولكن ما ان يجري الحديث عن وقاحة إسرائيل وسياسة الإقصاء التي تمارسها ضد الشعب الفلسطيني، حتى يتلوى اللسان الأميركي ويصبح وكأنه إسرائيليا. غير ان الرئيس الاميركي يبدو اكثر قدرة على الاقناع من أمين عام حزب الله، ففي خطابه الاخير قال عن مملكة البحرين بانها حليفة ولكن عليها ان تبادر بالإصلاح وتهتم بحقوق الانسان.، بينما لم يتطرق السيد الى حقوق الشعب السوري وركّز فقط على حماية النظام.
أن نصر الله الذي طالما أعاب على دول الغرب كيلها بمكيالين، نجده الآن يمارس اللعبة نفسها، فهو نصير لثوار مصر وليبيا والبحرين، لكنه شديد عليهم في إيران وسوريا، هو ضد الإرهابيين الصهاينة، لكنه معهم حين يفجرون الناس في العراق بحجة ضرب المحتل الأميركي، وهو ايضا ضد من تسميهم حكومة دمشق بquot; العصاباتquot; ، لكنه مع العصابات والميليشيات التي تقيم الاستعراضات في بغداد، هو مع حقوق الانسان في البحرين، وضدها في إيران وسوريا، وربما في فنزويلا إذا ما انتفض شعبها ضد شافيز.