وصلني السؤال عنوان هذه المقالة ضمن رسالة من أحد القراء الكرام، يقول في بعض أسطرها: quot; أنا من المتابعين لكتاباتك في موقع إيلاف تحديدا، وأوافقك في العديد من أفكارك وأطروحاتك، إلا أنني أيضا أخالفك في بعضها، وهذا حقّ لي حسب تكرارك لقولquot; إن الخلاف في الرأي لا يفسد المودة بين الناسquot;. وعندي سؤال ربما أيضا يفكر فيه بعض القراء غيري، وهو: لماذا أنت مهتم بالشؤون الليبية والسورية والإيرانية في كتاباتك والبرامج التي تشارك فيها؟quot;.

سؤال منطقي وطبيعي
إنّ هذا السؤال من الممكن والطبيعي أن يوجّه لي ولأي كاتب آخر حسب الموضوعات التي يهتم بها ويتابعها ويكتب فيها، وبالنسبة لي سوف أجيب عموم القراء بصراحة عن أسباب وخلفيات اهتمامي بهذه الشؤون، وكل شأن منها في كل قطر بمقالة مستقلة لما لديّ من أسباب وحيثيات ربما من المفيد للقارىء الإطلاع عليها،خاصة أنّ أغلبها نتيجة حياة ميدانية في تلك الأقطار وقراءات وعلاقات واسعة عنها وفيها.

أولا: لماذا أنا مهتم بالشأن الليبي؟
إنّ هذا يعود لمعرفة ميدانية وعلاقات شخصية داخل ليبيا تعود إلى العام1971 عندما كنت أعمل في مجلة الرائد الكويتية الإسبوعية في زمن رئيس تحريرها النائب المرحوم خالد المسعود، ثم تعرفي على مجلة (الثقافة العربية) التي صدرت في طرابلس بليبيا في العام 1973، وكانت مجلة نوعية مميزة خاصة في زمن رئاسة تحريرها من الأستاذ محمد الفيتوري والأستاذ الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه، وقد كاتبت المجلة وراسلتها من الكويت، وكنّا فعلا ننتظر وصول أعدادها لنا في الكويت بشغف وانتظار، خاصة أنها ركّزت على الجانب الثقافي والإبداعي ولم تنجر لشعوذات ومساخر عميد الطغاة العرب الخضراء أو الصفراء. وفي العام 1974 شاركت في مؤتمر عربي في طرابلس، أتذكر أنه كان عن موضوع (التعريب في الحياة الثقافية العربية). وأثناء مشاركتي في هذا المؤتمر، تمكنت من الحصول على موعد لإجراء لقاء صحفي مع القذافي الذي لم يكن قد اشتهر بعد، إذ لم يمض على استيلائه على السلطة من الملك إدريس السنوسي سوى خمسة سنوات، ولم تظهر عليه بعد بشكل واضح علامات الغطرسة والقمع والغرور والصلف التي رافقته بعد ذلك طوال مسيرته التي رسخّته حسب ما أطلق هو على نفسه (عميد الحكام العرب) ليصبح لاحقا عميد الطغاة العرب. وقد نشر اللقاء الصحفي في مجلة الرائد الإسبوعية الكويتية في وقت كان سفير ليبيا في الكويت هو الأستاذ حسني صالح المدير، و أخذت السفارة مئات من نسخ المجلة الكويتية لتوزيعها على السفارات الليبية في الخارج، كون العدد يتضمن لقاءا صحفيا مع العقيد.
وبعد حصولي على درجة الدكتوراة في الآداب من جامعة الإسكندرية عام 1979 تعاقدت مع جامعة طرابلس التي كان اسمها جامعة الفاتح، فتعرفت على العديد من الزملاء الليبيين خاصة الكتاب والمبدعين الحقيقيين، ورغم مغادرتي للجامعة، فقد عدت عدة مرات إلى ليبيا للمشاركة في مؤتمرات، خاصة بعد معرفتي الوثيقة بالزميل محمد علي الشويهدي عند إصداره مجلة الموقف العربي من قبرص وعمر الحامدي وابراهيم ابجاد وغيرهم الكثيرون. كل هذه الوقائع تثبت أنني كنت على علاقة مباشرة وميدانية بالوضع في داخل ليبيا، فماذا عرفت وتأكدت عن هذا الوضع، كي يصبح واحدا من اهتماماتي في الكتابة والمتابعة؟.

أولا: غرور وغطرسة وتمسك بالكرسي حتى الموت
لقد أغرى الكرسي والسلطة والثروة هذا الملازم ليغدر بأقرب أصدقائه المشاركين له في انقلابه العسكري الذي أطاح بالملك إدريس السنوسي، ليتفرد بالسلطة عبر القمع والقتل والإقصاء، واختراع شعوذات لا تخطر إلا على ذهن المساطيل أو متعاطي حبوب الهلوسة، ويكفي مثالا على ذلك ما أطلق عليه (اللجان الشعبية)، التي خرّبت غالبية نواحي الحياة الليبية وأعادتها للوراء مئات السنين بدلا من استغلال هذه الثروة النفطية لتقدم وتحضر شعب لا يزيد عن خمسة ملايين نسمة. لقد زرعت هذه اللجان حسب هوى العقيد المجنون الخراب حتى في السلوك اليومي للمواطن، لأنّ أجهزة أمنه ومخابراته أشاعت خوفا وهلعا لا مثيل له خاصة بعد مجزرة سجن أبو سليم عام 1996. هذه اللجان الشعبية التي في حقيقتها لا شعبية ومجرد أجهزة ملاحقات ومتابعات، كانت الذراع القوي للعقيد المهووس والفرصة لكل انتهازي أن يصل إلى ما يريد. وأتذكر أنه في عام 1979 عندما عملت في جامعة طرابلس، كنت أحدث الحاصلين على درجة الدكتوراة، ومرتبتي العلمية هي quot;مدرس quot;، ومعي في الجامعة زملاء فلسطينيون ومصريون بدرجةquot; أستاذ مساعد quot; و quot;أستاذ quot; ورغم ذلك كان رئيس قسم اللغة العربية زميلا ليبيا لم ينه بعد المرحلة الجامعية الأولى، لكنّه مسؤول نشط في اللجان الشعبية، إلى حد أنه كان يوصينا بعد انتهاء الامتحانات أنّ نحاول عدم ترسيب أي طالب حتى لو قدّم ورقة امتحانه بيضاء، لأنّه بعد صدور النتائج بنجاح مائة بالمائة، تشهد الجامعة تظاهرات اللجان الشعبية المؤيدة لقائد الفاتح من سبتمبر، وصابغ ميدان الشهداء باللون الأخضر، ليصبح الساحة الخضراء تيمنا بكتاب الحيض والنفاس الكتاب الأخضر.

ثانيا: تبذير الثروة الليبية على الإرهاب والمشاريع الوهمية
أعتقد أنّ هذا الجانب وحده يستحق عليه عميد الطغاة العرب القتل والموت بأية وسيلة. من يتخيل مستوى الخدمات اليومية أو مستوى دخل المواطن في ليبيا وهي تتمتع بهذه الثروة النفطية الهائلة قياسا بعدد سكانها المحدود للغاية. أعتقد أنّه من مهمات الحكومة الليبية الجديدة بعد سقوط الطاغية، إجراء دراسات بالأرقام عن المليارات التي أنفقها الطاغية على العمليات الإرهابية في العديد من الأقطار، والمؤتمرات التي كان يعقدها ترويجا لشخصه المهووس بالعظمة لحد أنّه عقد مؤتمرت في طرابلس للهنود الحمر من الولايات المتحدة الأمريكية. والمشاريع الوهمية التي أنفق عليها المليارات بدون فائدة ميدانية ومنها ما أطلق عليه quot;مشروع النهر الصناعي العظيم quot;، ليثبت بعد إهدار المليارات من الدولارات من ثروة الشعب الليبي أنه لا يوجد نهر لا صناعي ولا عظيم.

ثالثا: استغلاله اللاوطني للقضية الفلسطينية وشعبها
استغلت غالبية الأنظمة العربية القضية الفلسطينية كشماعة تعلق عليها فسادها وقمعها ومزايداتها، وعلى رأس هذه الأنظمة نظام عميد الطغاة العرب في ليبيا. إنّ سجله في هذا الميدان وصمة عار في جبينه حتى في الحفرة التي سيصطادونه فيها. ويكفي التذكير بقيامه بعد توقيع اتفاقية أوسلو في العام 1993 بطردما لا يقل عن خمسة ألاف فلسطيني من العاملين والمقيمين في ليبيا إلى الحدود الليبية المصرية، غالبيتهم من النساء والأطفال، وظلّلوا عالقين على الحدود قرابة عام كامل سقط من بينهم قتلى ومرضى، كل ذلك حسب زعم الطاغية أنّه أصبح لهم دولة في غزة والضفة، وعليهم أن يعودوا لها. وكذلك عداؤه الدائم مع منظمة التحرير الفلسطينية ودعمه لأي انشقاق عن المنظمة بالمكاتب والمال، وفي حربه مع تشاد عام 1986 زجّ بمئات الفلسطينيين من عناصر هذه المنظمات الفلسطينية التابعة لأوامره في هذه الحرب، كي يعطي حربه هذه صفة قومية من خلال موت عشرات الفلسطينيين فيها. وهذا الملف طويل يحتوي الكثير من المعلومات والحقائق التي تدين هذا الطاغية، إدانات تؤهله بعار لتقديمه لمحكمة الجنايات الدولية، وهذا ما نأمله بعد العثور عليه في حفرته الموعودة. ألا تستحق كل هذه المعايشات الميدانية، والتخريب الذي قام به هذا الطاغية داخل ليبيا وخارجها، أن تكون لديّ اهتمامات بالشأن والملف الليبي، خاصة الهموم التي كنت وما زلت أسمعها من أصدقائي خاصة الكتاب والمبدعون الليبيون الذي بدأوا بفتح ملفات هذا الطاغية، وهم على ذلك يشكرون؟.
[email protected]