أطرح هذا الموضوع للنقاش خاصة أمام الكتاب والساسة المنتمين للتيار القومي العربي، وكذلك للقوى القومية السياسية والبحثية مثل : (مركز دراسات الوحدة العربية) و (المؤتمر القومي العربي) و (حزب البعث العربي الاشتراكي) بكافة فروعه في أي قطر عربي وجدت بما فيها بقايا وتشتتات (حزب البعث العراقي) الذي انهار نظامه مع سقوط النظام البائد في أبريل 2003. وأؤكد أن طرحي لهذا الموضوع لا يقصد منه مناكفة أحد : شخصا أو حزبا أو نظاما بقدر ما هو التوصل لإجابة واضحة تنسجم مع أطروحات تلك القوى القومية التي يجمعها شعار (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) أيا كانت صحة هذا الشعار ومدى تطبيقه في الواقع الميداني الذي يشهد تقاربا بين بعض الدول العربية وإسرائيل وتركيا أكثر وأقوى من التقارب بين الدول العربية ذاتها.


ومناسبة طرح هذا السؤال ليست جديدة،
فهي تعود ليوم الثامن عشر من سبتمبر 2009 عقب زيارة الرئيس الوريث بشار الأسد لتركيا التي أسفرت عن توقيع معاهدة سورية تركية (تقضي بإلغاء سمات الدخول بين الدولتين، وانشاء مجلس استراتيجي أعلى برئاسة رئيسي مجلس الوزراء في البلدين،وعضوية الوزراء المعنيين وأبرزهم : الخارجية،الطاقة، الدفاع،التجارة، النقل،والموارد المائية). وقد دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ إذ أصبح المواطنون السوريون والأتراك يتنقلون عبر حدود البلدين ذهابا وإيابا بدون تأشيرات دخول. وهي خطوة مهمة نتمنى أن يتم تحقيقها بين الدول العربية التي قلة منها فقط تسمح بدخول رعايا الدول العربية الأخرى بدون تأشيرة دخول، بينما أغلبها وخاصة دول الخليج العربي، فإن الحصول على تأشيرة الدخول إليها من الصعب جدا، ويمرّ عبر اجراءات وكفالات من مواطنين من الصعب على غالبية العرب الايفاء بها والحصول على تأشيرة الدخول هذه. والمفارقة الغريبة على منطق (بلاد العرب أوطاني) أن مواطني كافة دول الخليج العربي يدخلون كل الأقطار العربية معززين مكرمين بدون تأشيرات دخول، بينما كل مواطني الدول العربية الأخرى لا يمكنهم دخول دول الخليج العربي إلا بتأشيرات وكفالات وضمانات من الصعب الوصول إليها. وعودة إلى سؤالي غيرالبريء جدا رغم ظن البعض (إن بعض الظن إثم): هل تمت هذه الاتفاقيات التركية السورية على حساب حقوق وطنية تاريخية لسوريا التي هي في توصيف حزب البعث العربي الاشتراكي (القطر العربي السوري)؟. وأقصد الحقوق الوطنية السورية فيما كان يعرف في أدبيات القوميين العرب ب (لواء الإسكندرونة السليب) أي الذي تمّ سلبه من الوطن الأم (سوريا) وإلحاقه بتركيا.

متى وكيف تمّ ذلك السلب؟
للتذكير فقط إن نفعت الذكرى، فقد تم سلب لواء الإسكندرونة العام 1939 بالاتفاق أو التواطؤ مع السلطات الفرنسية التي كانت تحتل سوريا آنذاك في صفقة أطلق عليها بعض الباحثين (وعد بلفور الثاني)، حيث تقدم الجيش التركي في التاسع والعشرين من تشرين الثاني 1939 ليحتل الإسكندرونة وأنطاكية فور انسحاب الجيش الفرنسي منها، وأحرق العلم السوري ورفع العلم التركي، وتقول بعض الروايات أن احراق العلم السوري ورفع العلم التركي تمّ بحضور الجيش الفرنسي الذي قام بأداء التحية العسكرية للجيش التركي، مما يعني أنها كانت صفقة فرنسية تركية مقصودة مخطط لها، رشوة لضمان تأييد تركيا للحلفاء في الحرب العالمية الثانية. وأهمية الإقليم أنه يطل على البحر الأبيض المتوسط من خلال شاطىء يبلغ طوله 170 كم منها أكثر من 100 كيلو متر تشكل شاطىء خليج الإسكندرونة المهم عسكريا بسبب احاطته من جوانبه الثلاث بمرتفعات جبلية قريبة من الشاطىء، وضمه لتركيا أتاح لها منفذا مهما على شواطىء هذا البحر خاصة لإقامة قواعد عسكرية بحرية. ومن الصدف المهمة في التاريخ القومي العربي أن أحد أهم دعاة الفكرة القومية العربية وهو الأستاذ زكي الأرسوزي (نسبة إلى والدته من قرية أرسوز الواقعة على خليج إسكندرون شمال غرب أنطاكية) ومن مؤسسي حزب البعث العربي القومي، كان أحد المواطنين السوريين من سكان إقليم الإسكندرونة ومن قادوا حملات وتظاهرات ضارية ضد تتريك الإقليم.


اتفاقية أضنة
وأنا هنا أنقل ما نشر مرارا وأصبح كأنه حقيقة ثابتة، أي أنني لا أتهم أحدا شخصا أو نظاما وبالتالي من لديه تصحيحات أو اضافات على هذه المعلومات المنشورة والمتداولة فليتفضل بالإدلاء بما لديه، فربما من خلال تصارع المعلومات نصل إلى الحقيقة. المقصود هو ما يتعلق بما أصبح مشهورا ب (اتفاقية أضنة) التي وقعت في العشرين من أكتوبرعام 1998 بين نظام الرئيس حافظ الأسد والحكومة التركية آنذاك بعد تصاعد التهديدات العسكرية من الجانب التركي بسبب ايواء النظام السوري لعبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني. وقد نتج عن هذه التهديدات التركية فعلا طرد أوجلان من سورية بطريقة شبه متفق عليها مع السلطات التركية، قام بتنفيذها اللواء مصطفى التاجر مسؤول فرع فلسطين (235) في المخابرات العسكرية السورية، فتعقبته المخابرات التركية إلى أن تمّ اعتقاله في مطار العاصمة الكينية نيروبي في الثالث عشر من نوفمبر 1998، ونقله بطائرة عسكرية تركية إلى سجنه الانفرادي في جزيرة (إمرالي) الذي ما يزال فيه حتى هذه اللحظة. وبعد عملية الطرد هذه وقعت الحكومتان السورية والتركية ما أصبح معروفا بquot; اتفاقية أضنةquot; التي لم تمرّ على ما يسمى مجلس الشعب السوري، أو أيا من الجهات الدستورية والقانونية لحد عدم معرفة أحد من المسؤولين الكبار بها، حتى وإن مرت على هذه التسميات ها هناك من يجرؤ أن يقول للأسد: لا. وقد عرف لاحقا أنّ الاتفاقية وقعها نيابة عن النظام السوري اللواء عدنان بدر حسن رئيس الشعبة السياسية في وزارة الداخلية آنذاك، و لقد تمّ في هذه الاتفاقية الاعتراف بالحدود الحالية لتركيا وفقا لما أطلق عليه القوانين الدولية، أي الاعتراف الضمني الصريح بسيادة تركيا على لواء الإسكندرونة.
ويؤكد الأستاذ بدر الدين حسن قربي في دراسة له منشورة بتاريخ الثامن عشر من يونيو لعام 2006 في موقع (سورية الحرة) معلومتين:
الأولى: ظهور خريطة سورية الطبيعية مقتطعا منها لواء الإسكندرونة منشورة على موقع رسمي للحكومة السورية، هو موقع إدارة الشؤون المدنية على الانترنت.
الثانية: ظهور الخريطة الجديدة بدون لواء الإسكندرونة على ورقة النقد السورية، الطبعة الجديدة الخاصة بورقة الألف ليرة سورية. وأيضا العديد من الصحف السورية دأبت بعد ذلك على نشر الخريطة السورية الجديدة في مناسبات عديدة.
ومما يؤيد كل هذه الحقائق أنه لا يذكر لواء الإسكندرونة في أية مناهج تعليمية سورية، أو أية نشاطات حزبية ثقافية أو سياسية، وهذا ما عايشته شخصيا بين عامي 1980 و 1990، إذ أنّ ما كان وما زال يسمى (إتحاد الكتاب العرب) وهي تسمية (إتحاد الكتاب البعثيين السوريين) لا يذكر مطلقا لواء الإسكندرونة في أي كتيب أو نشاط له. وقد ذكّرت الدكتور علي عقلة عرسان رئيس الاتحاد لسنوات طويلة بذلك في إحدى حلقات برنامج الاتجاه المعاكس، ولم يتمكن من اعطاء جواب شاف حول هذه الحقيقة. وحقيقة التنازل الرسمي السوري عن لواء الإسكندرونة والاعتراف بالحدود الحالية للدولة التركية، يدعمه البعض بموافقة سورية في أبريل من العام 2007 على بناء سد مشترك سوري تركي على تخوم لواء الإسكندرونة، وهذه المعلومة يدعمها قانونيون أتراك، مما يعني التنازل الرسمي السوري عن اللواء الذي تبلغ مساحته حوالي خمسة ألاف كيلو متر مربع أي نصف مساحة لبنان.

وأؤكد للمرة الألف أنه ليس مقصودا،
أي طرح للمشاكل مع أحد سواء أكان نظاما أم أشخاصا أم أحزابا، إذ نريد فقط من الرفاق القوميين العرب ومؤسساتهم التي ذكرتها جوابا واضحا صريحا: هل نبقى نتذكر هذه المساحة السورية على أنها محتلة من الجارة تركيا أم ننساها كما ينسونها هم في كافة أدبياتهم ونشاطاتهم وكتبهم وبياناتهم؟. والسؤال بالطبع ينطبق على إقليم الأحواز العربي المحتل منذ عام 1925 والجزر الإماراتية المحتلة منذ عام 1971 من النظام الإيراني ومدينتي سبتة ومليلة المغربيتين المحتلتين من أسبانيا...أفيدونا بالله عليكم كي نجدد معلوماتنا وذاكرتنا القومية أو ما تبقى منها....وكي نعرف ماذا ندرّس ونلقن أطفالنا وطلابنا؟ هل هناك أية أرض عربية محتلة غير فلسطين؟ فكافة أدبيات ومؤتمرات ومراكز القوميين لا تذكر كأرض محتلة إلا فلسطين. وتظلّ هذه القضية من أهم فضائح حزب الأسود البعثي في سوريا، الذي حوّل شعار (بلاد العرب أوطاني) إلى (بلاد العرب أكفاني) خاصة في ممارساته الوحشية طوال عام مضى حيث قتل ما يزيد على ثمانية ألاف مواطن سوري، ثاروا من أجل الحرية والكرامة ورحيل حكم الأسرة الواحدة طوال 42 عاما حتى اليوم..والباقي علمه عند ثورة الشعب السوري.
[email protected]