تنطلق هذه المقالة من خلفية مفادها (الخلاف في الرأي لا يفسد المودة بين الأصدقاء).ويبدو واضحا من عنوان المقالة أنّها رد ودي بحقائق نقيضة على مقالة الصديق الدكتور شاكر النابلسي المنشورة في إيلاف بتاريخ الخامس من فبراير 2012 بعنوان (تحقق quot;الوطن البديلquot;1950 والناس نيام). لقد أوردت المقالة مجموعة من الحقائق الميدانية الصحيحة في الواقع الأردني، من تولي الأردنيين من أصول فلسطينية كافة الوظائف من وزراء إلى رؤساء وزراء ورؤساء مجلس الأعيان، وأضيف لتلك الحقائق أنّ مدير دائرة المخابرات الأردنية في عام 1970 كان أردنيا من أصول فلسطينية هو محمد رسول الكيلاني. إذن أين المشكلة أو الخلاف مع ما ورد في مقالة الزميل شاكر النابلسي؟

حقائق صحيحة ونتائج خاطئة

الخلاف مصدره أنّ بعض الحقائق الصحيحة ، أعتمد عليها للوصول لاستنتاجات خاطئة، أوردها وكأنّها مسلمات غير قابلة للجدل معتمدا على رأي تحليلي لكاتب آخر، أعطى تحليلاته صفة اليقين المطلق، وهو الكاتب الأردني الدكتور عبد الفتاح طوقان، الذي اعتمد الدكتور النابلسي على مقالته المنشورة السادس عشر من يناير 2012 قبل يوم واحد من اجتماع الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع الملك الأردني عبد الله الثاني يوم السابع عشر من يناير 2012 في واشنطن. وقد قال طوقان في مقالته كما أورد النابلسي (إنّ أوباما سيوجه الأسئلة التالية للملك الأردني في لقائهما.... ثم أورد ثلاثة أسئلة). إنّ هذه المعلومات والأسئلة لا يمكن تصديقها إلا في واحدة من حالتين:
الأولى: أن يكون الزميل عبد الفتاح طوقان يعمل مستشارا في مكتب الرئيس الأمريكي أوباما، واتفق معه حرفيا على الأسئلة التي سيوجهها الرئيس أوباما للملك عبد الله الثاني.
الثانية: أن يكون قد صدر عن البيت الأبيض عقب الاجتماع بين أوباما والملك تصريحا رسميا تمّ فيه الإعلان عن الأسئلة التي وجهها أوباما للملك ثم أوردها طوقان في مقالته نقلا عن التصريح الرسمي الأمريكي.

وكون الحالتين لم يحدثا، فلا الزميل طوقان مستشارا لأوباما ولم يصدر تصريح رسمي أمريكي بتوجيه هذه الأسئلة للملك عبد الله الثاني، لذلك فالاعتماد عليها لتعزيز رأي الزميل النابلسي لم يعطّ رأيه تعزيزا وقوة اضافية، بل بقيت أراءه ضمن ما أطلقت عليه (حقائق صحيحة و نتائج خاطئة). كيف ذلك وأين هي النتائج الخاطئة:
1 . من المعروف أنّه عقب هزيمة الجيوش العربية في حرب عام 1948 التي أطلقوا عليها (نكبة فلسطين)، بقيت الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية تحت سيطرة الجيش الأردني، كما بقي قطاع غزة تحت سيطرة الجيش المصري. مالذي حدث بعد ذلك؟. منذ زمن الملك فاروق وبعد انقلاب عبد الناصر عام 1952 وحتى هزيمة يونيو 1967 ظلّ قطاع غزة تابعا لمصر تحت ما كان يطلق عليه (الإدارة العسكرية المصرية لقطاع غزة)، وأصدرت تلك الإدارة العسكرية المصرية للاجئين الفلسطينيين للقطاع ولأهالي قطاع غزة المواطنين المقيمين ما أطلق عليه (جمهورية مصر العربية، وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين). ومن المعروف تاريخيا أنّ ما أطلق عليه آنذاك الهيئة العربية العليا عقدت مؤتمرا في مدينة غزة بتاريخ الأول من أكتوبر 1948 أي بعد خمسة شهور تقريبا من النكبة، أعلنت فيه شكلا ديكوريا أطلقت عليه (حكومة عموم فلسطين) برئاسة الحاج أمين الحسيني.
2 . أمّا في الضفة الغربية التي بقيت تحت سيطرة الجيش الأردني، فلم يعترف فلسطينيوها بمؤتمر غزة وما نتج عنه، فعقدوا ما أطلقوا عليه مؤتمر أريحا في ديسمبر 1948 برئاسة الشيخ محمد علي الجعبري رئيس بلدية الخليل آنذاك، و كان من ضمن قراراته (لا يستطيع العرب مواجهة التحديات إلا بالوحدة القومية التي يجب إن تبدأ بتوحيد فلسطين وشرق الأردن). وفي عام 1949 أعلن ضم الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية الهاشمية. الفارق بين ما حصل في غزة والضفة هو فارق إنساني ، كان لصالح فلسطينيي الضفة الغربية الذين حصلوا على الجنسية الأردنية التي مكنتهم من التنقل والسفر والإقامة في غالبية الأقطار العربية بأمان وسهولة، بينما سكان قطاع غزة الذين حصلوا على الوثيقة المصرية (وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين)، فقد ذاقوا الأمرين والهوان فيما يتعلق بالسفر والإقامة بسبب هذه الوثيقة، التي كان مكتوبا في صفحتها الثانية (لا يسمح لحامل هذه الوثيقة بدخول جمهورية مصر العربية إلا بعد حصوله على تأشيرة دخول مسبقة).

وبالتالي أين هو الوطن البديل؟

الذي يعتبره الزميل الدكتور النابلسي قائما منذ عام 1950 . خاصة أنّ ما ينقض هذا الاستنتاج أنّه في عام 1964 والضفة الغربية جزء من المملكة الأردنية الهاشمية وسكانها يحملون الجنسية الأردنية، وافق المرحوم الملك حسين بن طلال على عقد المؤتمر العربي الفلسطيني الأول في مدينة القدس في الثامن والعشرين من أغسطس 1964 الذي أعلن فيه المرحوم أحمد الشقيري قيام منظمة التحرير الفلسطينية، وانتخب الشقيري أول رئيس للجنتها التنفيذية. وأين هو الوطن البديل طالما أنّ الضفة الغربية وهي جزء من المملكة الأردنية وقطاع غزة وهو تحت الإدارة العسكرية المصرية، تمّ احتلالهما عام 1967 مما يعني أنّ كامل فلسطين التاريخية أصبحت تحت الاحتلال الإسرائيلي؟. وأين هو الوطن البديل طالما أنّ منظمة التحرير الفلسطينية في زمن رئيس لجنتها التنفيذية المرحوم ياسر عرفات قامت في عام 1993 بتوقيع اتفاقية أوسلو مع دولة إسرائيل، معترفة بهذه الدولة ضمن حدود عام 1967 ؟ و بعد أن عادت قيادة المنظمة لغزة والضفة بإسم السلطة الفلسطينية، ما زالت أقصى حدود مطالبها قيام دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود عام 1967 ؟. وقبل ذلك بناءا على طلب منظمة التحرير الفلسطينية ومؤتمر القمة العربي بأنّ منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وافق المرحوم الملك حسين بن طلال على ذلك عام 1988 ، ولثبيت ودعم الكيانية الفلسطينية، أعلن فكّ الارتباط بين الضفة الغربية والمملكة الأردنية الهاشمية، مما يعني أنّ الضفة الغربية جزء من الدولة الفلسطينية المنشودة، وتديرها فعلا السلطة الفلسطينية منذ عام 1994 رغم كل الاختراقات والمستوطنات الإسرائيلية وأيا كانت تلك المساحة التي تحت سيطرة السلطة في الضفة وحماس في غزة.

وكنتيجة نهائية لا وجود للوطن البديل،
وإذا ما تمكنت السلطة الفلسطينية وحركة حماس وكافة التنظيمات الفلسطينية من إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ضمن أية حدود يريدونها، وتمكنت من الحصول على حق العودة للاجئين الفلسطينيين، فليعد عندئذ من يريد العودة من الأردنيين ذوي الأصول الفلسطينية، أو الأمريكيين ذوي الأصول الفلسطينية مثل الزميل الدكتور النابلسي، أو النرويجيين من ذوي الأصول الفلسطينية مثلي...إلخ. وبالتالي فلا وجود لهذه الفزاعة التي اسمها الوطن البديل إلا في عقول وأوهام بعض الجماعات اليهودية المتطرفة التي ترفض قيام أية دولة فلسطينية ضمن أية حدود. ففلسطين هي فلسطين مهما طال الاحتلال وعدم الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، والأردن هو الأردن مهما تكررت أوهام الوطن البديل، ولا يمكن أبدا استنساخ دولة الاحتلال الإسرائيلي فلسطينيا في أرض أية دولة عربية أو غير عربية، بدليل أنّ الولايات المتحدة الأمريكية أكبر حليف لدولة إسرائيل تنادي وتدعم حل دولتين مستقلتين لشعبين رغم الخلاف معها حول حدود الدولة الفلسطينية المقترحة ومستقبل المستوطنات الإسرائيلية. فلا الوطن البديل قائما أو ممكنا، ولا الفلسطينيون والأردنيون نياما، بل هم في غاية اليقظة لرفض هذا المشروع الوهمي المشبوه الذي لا وجود له إلا في مخيلة بعض المتطرفين الإسرائيليين، وكان آخرهم النائب الإسرائيلي (إلداد) الذي صرّح في جلسة للكنيست الإسرائيلي يوم الأول من فبراير ب (جعل الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين). لذلك نكرر بوضوح..لا..وألف لا لأي وطن بديل، ففلسطين هي فلسطين لشعبها، والأردن هو الأردن لشعبه من كافة المنابت والأصول.
[email protected]