أعرف مسبقا حجم هذا العنوان الاستفزازي خاصة للعرب الذين تفرسوا أكثر من الفرس، أي أنّهم أكثر تصفيقا وتطبيلا ولطما للنظام القمعي في إيران من نسبة عالية من الشعب الإيراني المعارض لهذا النظام الدموي، بدليل حجم الإعدامات التي يمارسها بحق الإيرانيين، وكون العديد من القيادات الإيرانية المعارضة هي ذات مكانة دينية وفقهية لا تقل بل أعلى من ولي الفقيه علي خمئني والناطق باسمه ومنفذ سياساته الذي لا يمتلك أية معرفة فقهية أو مرجعية دينية، رئيس الجمهورية أحمدي نجاد عنصر الحرس الثوري السابق. وإذا كان هؤلاء العرب الذين تفرسّوا أكثر من الفرس غاضبين من هذا التحليل، فعليهم أن يوفروا وقتهم في الشتائم والاتهامات التي تعودنا عليها ولا نعيرها اهتماما، ويتوجهوا بأسئلتهم وملاحظاتهم لسادة وفقهاء إيرانيين في مقام مهدي كروبي وحسين مير موسوي وآية الله حسين وحيد خراساني المرجع التقليدي المعارض بشدة الذي رفض في عام 2011 مقابلة علي خامئني ولي الفقيه أثناء زيارته لمدينة قم، وقد وصف خراساني بجرأة استشهادية نظام علي خمئني آنذاك ب quot;النظام الفاسدquot; واتهم غالبية قيادات هذا النظام بquot; سرقة قوت الشعبquot; . ويكفي التذكير بأحدث فضيحة بجلاجل التي هزّت كزلزال هذا النظام الذي يدّعي أنّه ممثل الله تعالى في الأرض، وكانت قيمة هذه الفضيحة المالية التي هزت مصداقية البنوك الإيرانية فقط 2.6 مليار دولار، وهي الفضيحة التي اتهم بها رجل الأعمال فريد خسروي الذي يمتلك ما يزيد على أربعين شركة في إيران، ويعمل بالتنسيق والتعاون مع اسفنديار رحيم مشائي مدير مكتب أحمدي نجاد، وابنته متزوجة من ابن أحمدي نجاد.
هذا بينما اتهم وزير الدفاع الأسبق أكبر تركان حكومة أحمدي نجاد بالضلوع مباشرة في فضيحة الفساد هذه. وفي ميدان مصادرة حقوق الإنسان وتنفيذ الإعدامات فقد تصدر النظامان الإيراني والصيني قائمة أعلى نسبة في الإعدامات في العالم ، ففي إيران حسب إحصائيات الأعوام العشرة الماضية فإن معدل الإعدام هو شخصين كل يوم، إلى حد أن شركة (تادانوا) اليابانية أوقفت بيع وتصدير رافعات الأثقال للنظام مضحية بملايين الدولارات بعد أنّ تأكدت أن بعض هذه الرافعات تستخدم في تنفيذ تلك الإعدامات شنقا. هذا الفساد والقمع اليومي للمتظاهرين الإيرانيين منذ عام 2009 ، والإدعاء بأنّه حكم باسم الله تعالى وبالتالي فمن يعصى أوامر ولي فقيهه فقد عصى أوامر الله، تتمّ التغطية عليه في الداخل الإيراني والخارج المخدوع بهذا النظام بخطابات وثرثرة تكاد تكون يومية وأبرز موضوعاتها:
المتاجرة بالقضية الفلسطينية
لا أعتقد أن كافة الأنظمة العربية والإسلامية في العالم، أصدرت في الخمسين عاما الماضية بيانات وشعارات تتعلق بالقضية الفلسطينية بنسبة خمسة بالمائة مما أصدره النظام الإيراني في السنوات العشرة الأخيرة خاصة منذ تسلم أحمدي نجاد الرئاسة في أغسطس 2005 . في هذه السنوات السبع لا يكاد يمرّ يوم دون تهديد إسرائيل بمحوها من الوجود ورمي اليهود في البحر، وقدرة نظامه على قذف إسرائيل بمائة وخمسين ألف صاروخ خلال أقل من ساعة واحدة أي بمعدل 2500 صاروخ في الدقيقة الواحدة، وهل يصدق ذلك عاقل أو مجنون سواء أكان خبيرا عسكريا أم مجرد مواطن عادي؟. والرفض الدائم المتكرر في كافة المحافل لوجود الهولوكست أيا كانت مبالغة الاحتلال في ذلك الهولوكست التي أشار لها كتاب غربيون مثل الأمريكي نورمان فلنلشتاين في كتابه ( صناعة الهولوكست ). هذا بينما المعلومات الموثقة تؤكد عمق العلاقات السرية من تحت الطاولة بين النظامين في العديد من الميادين، وكان آخرها ماكشفه تقرير إيلاف الموثق حول قيام إسرائيل بتصدير معدات إلكترونية لمراقبة الانترنت إلى إيران عبر صفقات سرّية تجري من خلال الدانمرك حيث فيها يتم تبديل الصناديق واليافطات، وترسل الشحنات لوكيل إيراني لا يعرف إلا باسمه الأول حسين. ولمزيد من تفاصيل هذه الفضيحة حول العلاقات الممتازة بين النظام الإيراني وإسرائيل رغم الثرثرة اليومية بالتدمير والقصف بالصواريخ، يمكن العودة لتقرير إيلاف (أضغط هنا).
وكثيرا ما أكّدت وسائل إعلام إسرائيلية كم كسبت إسرائيل من تعاطف وتأييد دولي نتيجة هذه التهديدات الإيرانية التي هي مجرد ثرثة فارغة.
وآخر الثرثرات حول مضيق هرمز
بعد أن استنفذ النظام الإيراني ثرثراته الخطابية الفارغة من أي مضمون وتطبيق على الأرض بخصوص القضية الفلسطينية والملف النووي، اهتدى أخيرا لموضوع جديد هو مضيق هرمز الذي يعتبر من أهم الممرات المائية في العالم حيث تمرّ من خلاله أعلى نسبة من صادرات النفط القادمة من دول الخليج العربي والعراق، وهو من الناحية القانونية الدولية يعتبر جزءا من المياه الدولية ( أعالي البحار) ورسميا وقانونيا تشرف سلطنة عمان على حركة الملاحة البحرية فيه، حيث أن ممر السفن يقع ضمن مياهها الإقليمية في ذلك الممر. ورغم ذلك لم يمرّ يوم في العام الماضي وحتى اليوم، دون تهديد العالم أجمع بإغلاق الممر لوقف صادرات النفط، وليس هذا وحسب بل أعلن قائد البحرية الايرانية، حبيب الله سياري، يوم الثامن والعشرين من ديسمبر لعام 2011 ( أنّ إغلاق المضيق أمام ناقلات النفط سيكون أسهل من شربة ماء إذا رأت إيران ضرورة لذلك ). ومن المهم التوقف عند الإدعاء بسهولة quot; شربة الماء quot; و quot; إذا رأت إيران ضرورة ذلك quot;. وهذا لا يفهم منه إلا عدم القدرة على ذلك مطلقا وأنّه مجرد ثرثرة بدليل:
التحدي الذي قامت به حاملة الطائرات الأمريكية
ولماذا لم يجد النظام الإيراني هذه الضرورة بإغلاق المضيق عندما قامت القيادة العسكرية الأمريكية متحدية هذه التهديدات بإرسال حاملة الطائرات الأمريكية ( يو.اس.اس جون ستينيس ) لعبور مضيق هرمز ، وعلى الفور صدرت التهديدات الثرثارة الفارغة من قائد القوات المسلحة الإيرانية الجنرال عطاء الله صالحي يوم الثلاثاء الثالث من يناير 2012 مهددا حاملة الطائرات الأمريكية إن عادت لتعبر مياه مضيق هرمز، وقال حرفيا: quot; إننا نحذر هذه السفينة التي تعتبر تهديدا لنا، بألا تعود لأننا في إيران لا نكرر كلامنا مرتين quot; ، متناسيا أنّ نظامه كرّر تهديد دول الخليج العربي عشرات المرات وتدمير إسرائيل وقصفها بالصواريخ مئات المرات. وهذا ما جعل الإدارة الأمريكية تعتبر استمرار التهديدات الإيرانية دليل ضعف وعدم قدرة على تنفيذ هذه التهديدات.
فماذا كان ردّ حاملة الطائرات الأمريكية؟
كان الردّ عمليا وتطبيقا ميدانيا بحريا وليس ثرثرات فارغة مثل ثرثرات صالحي ونظامه، فقد عادت الحاملة يوم الخميس الخامس من يناير أي يومان بعد تهديدات صالحي، وعبرت مضيق هرمز على مقربة من الأسطول الإيراني ومارست كافة أعمالها المسلحة المعتادة مثل إطلاق وإعداد الطائرات التي تستعد لدعم القوات البرية الأمريكية في أفغانستان، ولم تكترث الحاملة وفريقها العسكري العامل فيها وعليها بتهديدات صالحي الفارغة، وأمضت الحاملة طوال يوم وليلة في مياه المضيق تقوم بكافة أعمالها العسكرية المعتادة بما فيها إقلاع طائراتها وهبوطها على ظهر الحاملة، دون أن يبدو أي تطبيق عملي لتهديدات صالحي التي تعود عليها العالم أجمع. هذا وقد أعلن طاقم الحاملة أنّهم لا يعيرون تهديدات النظام الإيراني أية أهمية، معتبرين أن موقفهم هذا ( يتماشى مع تصريح وزارة الدفاع الأمريكية ndash; البنتاجون- الذي قال أنّ الولايات المتحدة لا تسعى لمواجهة مع إيران بشأن المرور في مضيق هرمز، رغم رفضها لتهديد عسكري إيراني الذي استهدف ابقاء حاملات الطائرات الأمريكية خارج الخليج ). مؤكدا quot; أنّ الجيش الأمريكي سيواصل إرسال مجموعات ضاربة من حاملات الطائرات عبر الخليج عبر تحركات مقررة بانتظام وفقا للقانون الدولي quot;.
تهديد إيراني فارغ وعمل أمريكي إنساني
وذلك عندما قامت المدمرة الأمريكية quot; يو اس اس كيد quot; يوم السبت السابع من يناير الحالي، بإنقاذ 13 بحارا إيرانيا احتجز قراصنة صوماليون سفينتهم قريبا من مضيق هرمز ذاته، ولمّا لم تتمكن البحرية الإيرانية من إنقاذهم، وجّه قائد السفينة الإيرانية نداء استغاثة لحاملة الطائرات الأمريكية ، فأرسلت على الفور المدمرة المذكورة التي قامت بالسيطرة على السفينة الإيرانية المخطوفة، وإنقاذ البحارة الإيرانيين والقبض على 15 قرصانا صوماليا. وعلى الفور صرّح أحد البحارة الإيرانيين الذين تمّ إنقاذهم ويدعى فاضل الرحمن موجها شكره للبحارة الأمريكان قائلا: quot; كما لو أنّ الله أرسلكم لإنقاذنا quot;. فهل بحرية غيلاني غير القادرة على مواجهة قراصنة صوماليين، قادرة على مواجهة البحرية العالمية كافة إذا قامت بإغلاق مضيق هرمز الدولي؟. أليست هذه التهديدات الإيرانية مجرد ثرثرات فارغة للتغطية على القمع والفساد ومصادرة حريات المواطن الإيراني، وكسب عواطف بعض العرب والمسلمين في الخارج، الذين لا يتوقفون عند حجم ونوعية المعارضة الإيرانية الداخلية لهذا النظام القمعي الذي لا يساند إلا الأنظمة المثيلة له في القمع والقتل؟. وللعلم فقد تجاهلت وسائل الإعلام الإيرانية هذا العمل الأمريكي الإنساني، ثم تدارك هذا التجاهل quot; رامين مهنبر quot; المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إذ صرّح لقناة العالم الإيرانية قائلا: quot; نعتبر أنّ عمل القوات الأمريكية التي أنقذت حياة البحارة الإيرانيين بادرة إنسانية ايجابية ونرحب بها، ونعتبر أنّ على جميع الأمم أن تتخذ موقفا كهذا quot;. وهو تصريح وتقدير واضح لعمل إنساني فعلا، وكون جميع الأمم يجب أن تتخذ هكذا مواقف حسب كلامه، فلماذا لا يتوقف نظامه الإيراني عن تهديده الدائم لدول الخليج العربي؟ ولماذا يستمر في احتلاله للأحواز العربية وممارسة أسوأ أنواع الاضطهاد ضد شعبها العربي؟ وأيضا لماذا يستمر في احتلال الجزر الإماراتية العربية؟. هذه هي نوعية هذا النظام وممارساته الذي يريد بعض العرب المتفرسين أكثر من الفرس استيراده لأقطارنا العربية، وكأنّه لا يكفينا ما نعيشه من ظلم وقمع وفساد واستبداد من أنظمتنا العربية.
وآخر المستجدات الهرمزية
هو اعلان وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا الأحد الثامن من يناير (أنّ الولايات المتحدة سترد اذا ما سعت إيران الى إغلاق مضيق هرمز، الممر البحري الاستراتيجي لنقل النفط، وأنه خط أحمر لا ينبغي تخطيه). وكذلك إعلان المتحدث باسم وزارة الدفاع الاميركية جورج ليتل الاثنين التاسع من يناير أنه لم تسجل أية اشارة من ايران توحي بانها تسعى الى اغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي في مياه الخليج. وقال: quot;سمعنا الكثير من الخطب في هذا الاتجاه ولم نرّ أي تعبيرquot;. فلننتظر من سينفذ تهديداته في المضيق وليس في ثرثرة الكلام؟
[email protected]
التعليقات