كان ترحيبي ودعمي للاتفاق الذي أعلن عن توقيعه في القاهرة يوم الثلاثين من ديسمبر 2011 بعد محادثات دامت أكثر من شهر، بين المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطنية السورية، منبعه هو حرصي على توحيد قوى المعارضة السورية في الخارج لتكون عونا ودعما للمعارضة والثورة الحقيقية في الداخل، كي تتمكن وتسرع من تحقيق الحرية والديمقراطية للشعب السوري الشقيق الذي يعاني منذ عشرة شهور من قمع وتنكيل وقتل للمتظاهرين الإبرياء لم يشهده أي قطر عربي في أية نزاعات طوال القرن الماضي، ما عدا ما ارتكبه في إقليم دارفورحليفه نظام عمر حسن البشير الذي يترأس بعثة شهود الزور العرب والمطلوب لمحكمة الجنايات الدولية، وجرائم مثيله النظام البعثي الصدامي في العراق. لذلك فموقفي الداعي لوحدة المعارضة ودعمها لم ولن يتغير، لكن هذا لا يمنع مناقشة التحفظات التي صدرت عقب هذا التوقيع وتوزيع نصّ الوثيقة التي تمّ التوقيع عليها، خاصة أنّ الكتاب والمحللين والمتابعين لأي اتفاق، يعتمدون على ما يتمّ إعلانه دون أن يمتلكوا الدلالات أو الإشارات المسبقة عن تحفظات لاحقة ستصدر حول ما تمّ التوقيع عليه وإعلانه كما حدث مع هذه الوثيقة، خاصة أنّ هذه التحفظات الرافضة لبعض مواد الوثيقة أوالوثيقة كلها، جاءت أغلبها من تنظيمات وشخصيات سورية أحترمها وأثق في ماضيها وحاضرها النضالي. وهذا يعني من وجهة نظري على الأقل، لم أكن مخطئا أو متسرعا في دعمي للوثيقة في مقالتي السابقة، لأنني سأدعم كل ما يمكن أن يوصل الشعب السوري للحرية والديمقراطية والتعددية السياسية ووقف إراقة الدماء، وإن كان الوصول لهذه الأهداف ممكنا بدون تدخل عسكري خارجي فهو أفضل وإلا فلكل مستجدات عندئذ حديث يناسبها.
أهم التحفظات التي أعلن عنها،
البيان الصادر عن جماعة الإخوان المسلمين السوريين التي هي من أهم التجمعات في المجلس الوطني الجديد، حيث رفضت تقريبا في بيانها بتاريخ الحادي والثلاثين من ديسمبر 2011 هذه الوثيقة بشكل كامل، إذ جاء في بيانها: ( نحب أن نؤكد أن الوثيقة موضوع الحديث ما تزال مجرد رؤى للنقاش، وأنّ هذه الوثيقة احتوت على كثير من التفاصيلات المثيرة للجدل الوطني، وغاب عنها العديد من المواقف والمطالب الوطنية المهمة، كما أنّ كثيرا من الصياغات اللفظية قد تمّ بطريقة ضبابية تثير الريبة والشك. نتمنى على المعنيين في المجلس الوطني أن يكونوا أكثر حرصا على وحدة وسلامة الصف الوطني....ونعلن أنّ الوثيقة المشار إليها إنما تعبر عن وجهة نظر الجهة التي تقدمت بها، ولا تلزم المجلس الوطني ولا جماعة الإخوان المسلمين في سورية، إلا بعد إقرارها من قبل المؤسسات المعنية ). وبنفس الحدّة والوضوح جاء رفض ( الكتلة الكردية في المجلس الوطني السوري ) في بيانها الصادر بنفس تاريخ بيان جماعة الإخوان المسلمين السابق، إذ جاء فيه ( فؤجئت الكتلة الكردية كغيرها من مكونات المجلس الوطني السوري بإعلان هيئة التنسيق عن توصلها إلى اتفاق مع المجلس على وثيقة سياسية مشتركة للمرحلة الانتقالية. وبالفعل تمّ توزيع هذا الاتفاق على وسائل الإعلام من قبل الهيئة في حين التزمت قيادة المجلس الصمت ولم تطلع الهيئة العامة على مضمونه. إننا في الكتلة الكردية إذ نستغرب هذا السلوك من قيادة المجلس، نؤكد رفضنا لهذا الاتفاق ونعتبره غير شرعي..). وقد أوردوا أسباب هذه اللاشرعية من وجهة نظرهم، ومنها عدم وجود مرجعية في المجلس تعلو على مرجعية الهيئة العامة التي حظيت بدعم الحراك الثوري في الداخل، وهذه الرفوض الحادة بهذه المبررات تطرح تساؤلات عدة منها:
أولا: لماذا وكيف وقّع الدكتور إبراهيم غليون كرئيس للمجلس الوطني السوري على هذه الوثيقة دون الرجوع للهيئة العامة للمجلس لمناقشة بنود الوثيقة وأخذ الموافقة عليها؟. وكل من أيّد الوثيقة فور الإعلان عنها وأنا واحد منهم كنّا نعتقد أنّ إبراهيم غليون كرئيس للمجلس وكقاعدة سياسية وتنظيمية لا يمكن أن يوقع على أية ورقة دون أخذ تفويض عام من الهيئة العامة للمجلس . وبالتالي فالخطأ ليس خطأ من اّيد الوثيقة ، ولكنه خطأ فادح من إبراهيم غليون فقط لا غير، ولا يمكن فهمه خاصة من شخصية أكاديمية يفترض أنّها تعرف أبجديات العمل السياسي والتنظيمي الجماعي.
ويبدو أنّ إبراهيم غليون اكتشف بسرعة استعجاله وخطأه هذا، فأعلن على الفور تراجعه عن هذا التوقيع معلنا تبريرات غير مقنعة منها :(أن هيئة التنسيق قامت بنشر المشروع على أساس اتفاق نهائي قبل الرجوع إلى الهيئات القيادية المعنية لدى الطرفينquot;، واعتبر quot; أن هذا مخالف لكل قواعد العمل المشترك، وهو أول خرق لمشروع التفاهم المحتملquot; . وهذا مبرر ضعيف لا يصمد أمام الاعتراضات التي صدرت التي يفهم منها أنّ الهيئة العليا للمجلس كانت شبه مغيبة عن اتصالاته ومباحثاته مع هيثم مناع في القاهرة. وهنا لا أستطيع التأكيد هل نشرت هيئة التنسيق الوثيقة بدون إذنه؟ ولماذا لم تصدر توضيحاته المستنكرة هذه إلا بعد صدور البيانات المشار إليها الرافضة للوثيقة وعدم صلاحية الموقعين عليها؟ . إذ أصدر بعد هذا الرفض توضيحات منها quot; أن الوثيقة هي مشروع، وليست اتفاقًا نهائيا، وسيتم عرضه على الأمانة العامة والمكتب التنفيذي في المجلس الوطني، ويجب أن يقرّ في المجلس الوطني، حتى يصبح وثيقة اتفاق معترف بهاquot;. كما أنّه يعترف ولو بشكل ضمني أنّ مباحثاته مع هيئة التنسيق الممثلة بهيثم مناع كانت بدون موافقة الهيئة العليا للمجلس الوطني بدليل قوله في توضيحاته تلك: quot;إن كون هيئة التنسيق الوطنية تفتقد الأرضية الشعبية الواسعة في الشارع السوري، فإن موافقة هيئة التنسيق على هذا التفصيل يعني انشقاقاً سياسياً من طرفها عن النظام السوري، وضربة ذات ثقل ضده، ومحاولة لعزله سياسيًا، وإثباتاً من الهيئة على ممارستها الحقيقية لإسقاط النظام السوريquot;. فكيف يفاوض ويوقع مع هيئة يعترف أنّها تفتقد الأرضية الشعبية الواسعة وأنّها تعمل لمصلحة النظام دون موافقة هيئة المجلس العامة، وهذا ما يفسّر النقد والهجوم القاسي الذي تعرّض له شخص هيثم منّاع واتهامات وصلت حدّ تنسيقه مع النظام وتحركه لخدمة بقاء النظام.
ومن هذه النقطة بالذات يمكن فهم حدة رفض الوثيقة جملة وتفصيلا من الجماعات التي ذكرتها وشخصيات أخرى عديدة، حيث كان التركيز من بعض الرافضين على شخص وخلفية هيثم مناع الذي أعلن الوثيقة ورئيس الهيئة التي ينتمي إليها حسن عبد العظيم الذي يوجد في دمشق ويعمل ويتحرك بسهولة بعلم ورضا النظام بما فيه استقباله للسفير الأمريكي روبرت فورد في مكتبه بتاريخ التاسع والعشرين من سبتمبر 2011 ، وبعد ذلك في السابع والعشرين من ديسمبر،كان قد هاجم إبراهيم غليون بشكل مبطن في تصريحه لصحيفة quot;الخبرquot; الجزائرية قائلا: laquo;التغييب الإعلامي الذي تتعرض له الهيئة يعود إلى سعي الإعلام العربي لفرض المجلس الوطني السوري برئاسة برهان غليون على أنه المتحدث الشرعي باسم السوريين، رغم أن المعارضة داخل سوريا هي الأقدر على التعبير عن آراء السوريينraquo;.
ولم أكن أتخيل تفرد إبراهيم غليون بالمباحثات والتوقيع دون علم المجلس والشخصيات المهمة فيه، إلا من تصريح الدكتور رضوان زيادة المسؤول في لجنة علاقات المجلس الخارجية، إذ أعلن quot; فوجئت كما فوجىء الكثيرون من أعضاء المجلس الوطني مثلي بما يسمى الاتفاق بين المجلس الوطني وهيئة التنسيق، من دون الرجوع إلى مؤسسات المجلس الوطني أو أي من هيئاتهquot;. وكثيرون آخرون مثل غسان المفلح وخالد كمال ونوفل الطواليبي وغسان نجار ( الذي أعلن سحب عضويته من المجلس احتجاجا)،و المعارض محمد مأمون الحمصي الذي كان أشدّ معارضي الاتفاق حدّة في قوله: quot; لم أتصور أن ّ الأنانية وحب السلطة تفقد الإنسان إنسانيته ووطنيتهquot; . ومن القيادات الكردية صلاح بدر الدين الذي قال: quot; المجلس والهيئة في واد والشعب السوري وثورته في واد آخر. فسقف برامجهما و مواقفهما الساسية لا يتعدى محاولة الحلول محل الحكومة السورية تحت رعاية رأس النظام، وهما قد تقاسما المناصب الحكومية، وينافسان على الغنيمة، في حين يقدم الشعب التضحيات ويبحث عن سبل الانتصار على النظام وإسقاطه، وهنا توسعت فجوة الافتراق مع الشعب والثورة، وبدأنا نسمع هتافات الثوار ضد الطرفينquot;. ومن هذه الشخصيات المعارض السوري المعروف بمواقفه المبدئية الثابتة ضد النظام الأسدي القمعي منذ سنوات الدكتور عبد الرزاق عيد رئيس إعلان دمشق الذي اعتبر quot; الاتفاق كارثة وأنّ المعارضة تلتف على مطالب الشعب السوريquot;. وأيضا الكاتب السوري صالح حبيب يرى quot; أنّ اتفاق القاهرة ساقط بكل الوسائل التي اعتمدت للوصول إليه، وهي التفرد بما يحدث في دمشق والتلهي من أجل انقراض العام الجديد، فكان مولود القاهرة هجينا يحمل بصمات النظام quot;.
ثانيا:الإشكالية المتعلقة بالتمثيل الكردي في المجلس الوطني السوري وفي هيئة التنسيق، وهي إشكالية محيّرة نتيجة هذا التشتت والتعدد الحزبي الكردي الذي يصعب إحصاؤه، مما يذكر بتعدد الفصائل والتنظيمات الفلسطينية. فهيئة التنسيق التي أعلنت الوثيقة المرفوضة قالت ضمن إعلانها أنّها تضمّ 11 حزبا كرديا، بينما أعلنت (الكتلة الكردية) في المجلس الوطني السوري رفضها للوثيقة، دون أن نعلم كم حزبا تضمّ هذه الكتلة الكردية، لأنّ كلمة (كتلة) تعني بالضرورة أحزابا وشخصيات عديدة. مع العلم أنّ من ضمن الشخصيات التي رفضت الوثيقة أيضا شخصيات كردية معروفة كما ذكرت سابقا.
إزاء هذا الرفض والخلاف بين معارضة الخارج ما هو الحل؟
الجواب على هذا السؤال من خلال سؤال آخر وهو: هل تتحرك ملايين الشعب السوري في غالبية القرى والمدن السورية ضد النظام القمعي بتعليمات وتخطيط من المعارضة السورية في الخارج أيا كان اسمها وتركيبتها؟. أعتقد أن الجواب بنسبة تفوق التسعين بالمائة هو: لا..فالشعب السوري البطل الثائر قد نزع رداء الخوف واليأس، وهو يتحرك حسب معطيات الشارع السوري اليومية، وقد أفرز قياداته الداخلية التي تخطط وتعمل ضمن الجماهير دون الإعلان عن أسماء ومناصب كما يحدث في معارضة الخارج، بدليل دخول ثورته شهرها العاشر مما يعني أنّ هذا الشعب لن يتراجع قبل سقوط النظام ومحاكمة رموزه على كل ما ارتكبه من جرائم طوال ما يزيد على 41 عاما، واسترداد المليارات التي سرقها من ثروة الشعب السوري. لذلك فلتتضافر المعارضة السورية في الخارج مع مطالب الشعب قافزة على خلافاتها. أما نحن الكتاب العرب المناصرين لثورة الشعب السوري، فأعتقد أننا جميعا مع أي جهد معارض سوري خارجي يدعم ثورة الشعب السوري في الداخل.
[email protected]
التعليقات