عنوان هذه المقاله مقتبس أو مأخوذ من قولين يسيران في نفس الاتجاه. الأول هو قول الرئيس بشار الأسد لشبكة اي بي سي نيوز التلفزيونية الأمريكية، في مقابلة بثتها يوم السابع من ديسمبر الحالي: (نحن لا نقتل شعبنا، ليس من حكومة في العالم تقتل شعبها، إلا إذا كانت تحت قيادة شخص مجنون). هذا ما قاله الرئيس بشار الأسد تعليقا على ما يجري في سوريا منذ الخامس عشر من مارس الماضي، حيث أوقعت قوات جيشه وأمنه حسب كل التقارير الميدانية والدولية ما لا يقل عن 4500 قتيل، وألاف المعتقلين والمفقودين.

ماذا ردّت عليه الشقيقة الكبرى ماما أمريكا؟
والقول الثاني هو ما سارعت للإدلاء به الخارجية الأمريكية للرد على تصريح الرئيس بشار الأسد هذا، إذ أعلنت (إما أنّه منفصل عن الواقع أو مجنون)، وأكّد المتحدث باسمها مارك تونر الموقف الأمريكي القائل (أنّ الأسد فقد الشرعية ويجب عليه التنحي) مؤكدا أنّ تصريحات الأسد هذه تدلّ على (إما أنّه فقد تماما كل سلطة له داخل سوريا، أو أنّه مجرد أداة، أو أنّه منفصل تماما عن الواقع.. أو استخفاف، أو كما قال: جنون. لا أعلم). وكان جان كارني المتحدث باسم البيت الأبيض قد صرّح سابقا (أنّ إنكار الرئيس السوري بأنّه أصدر أوامر بقتل ألاف المتظاهرين يفتقر إلى المصداقية).

ما هو تقييم هذا الوضع كما أراه؟
وأنا هنا لن أعمد إلى التحليل النفسي بشكل مطلق، ولكن سأربط العوامل النفسية بالواقع السوري لعائلة الرئيس الأسد وأخواله (آل مخلوف)، فمن خلال هذا الربط عبر دراسة ما مارسته الأسرتان طوال ما يزيد على أربعين عاما، يمكن الوصول للإجابة على سؤال: هل هو منفصل عن واقعه أم مجنون؟. (ولاحظوا أنّ هذه الصفة ليست من عندي بل من عند الرئيس بشار نفسه).

إنّه جنون المحافظة على المصالح الشخصية غير المشروعة
1 . فيما يتعلق بالرئيس بشار الأسد، حتما أنّه في عام 1999 (وكان عمره 33 عاما)، لم يكن يدر في مخيلته ما كان يخطط له والده الرئيس حافظ الأسد، بتوريثه ليصبح رئيسا لسوريا من بعده. خاصة أنّ هذا أمر لا يتخيله عاقل في نظام يسمّي نفسه جمهوريا. فكيف يقوم رئيس جمهوري بتقليد الأنظمة الملكية وتوريث إبنه الرئاسة؟. وهذا لا أتذكر أنّه قد حدث في أي نظام جمهوري قبل سابقة الرئيس حافظ الأسد أو بعدها، وهي خطوة ليس غريبة عليه، إذ هو نفسه قد انتزع رئاسة سوريا عبر انقلاب عسكري عام 1970 غدر فيه بالعديد من رفاقه في حزب (أمة عربية واحدة). ومجرد كون بشار طالب يدرس طب العيون، وفجأة يصبح رئيسا لسوريا بعد تغيير ما يسمّى زورا الدستور في اجتماع استمر 15 دقيقة وتصويت مدته ثلاثة ثوان فقط ، ليتم تعديل المادة 88 منه لتصبح مناسبة لعمره آنذاك، فهذا وحده يصيب العاقل بجنون العظمة التي لم يكن يتوقعها في حياته. ومن خلفيات هذا الجنون ما سبقه عند استدعائه للعودة إلى دمشق بعد وفاة شقيقه باسل في حادث السيارة المختلف على ظروفه، وفجأة يتم تعيينه برتبة نقيب في الجيش السوري، وفي عام 1995 تتم ترقيته إلى رتبة رائد، ثم رتبة مقدم ركن عام 1997 ، ثم إلى رتبة عقيد ركن عام 1999 ،وبعد توريثه الرئاسة يعين قائدا للجيش والقوات المسلحة، وكل هذه الرتب والمسؤوليات العسكرية، وهو لم يدخل كلية عسكرية في حياته، أو يمسك بندقية بيده حتى ولو لغرض التقاط صورة للتفاخر. هل يحدث هذا في أي بلد حتى في أفلام الخيال العلمي؟ ويستمر هذا الطالب الطبيب العقيد الركن الرئيس في رئاسة سوريا منذ الأول من يوليو عام 2000 حتى اليوم أي 11 عاما ووالده من قبله ثلاثون عاما. أليس هذا في حد ذاته وضع سيصيب صاحبه بجنون العظمة الذي يجعله يقوم بأي عمل للاستمرار في وضع الرئاسة حتى لو كان قتل شعبه بكل أنواع السلاح؟.

2 . فيما يتعلق بعائلة أخواله (آل مخلوف) الوضع لا يختلف في التقييم، فهذه في الأساس عائلة سورية عادية بسيطة حتى عام 1970 ، حيث كان الوالد محمد أحمد مخلوف (خال بشار أي شقيق والدته السيدة أنيسة مخلوف) مجرد محاسب في شركة الطيران السورية، ونستطيع أن نتصور ما هو المستقبل المالي والاقتصادي لمن هو في مثل وظيفته هذه، إن استمر وضعه الوظيفي في مساره الطبيعي مثل زملائه المحاسبين الآخرين في نفس الشركة. هل سيكون أكثر من مدير قسم المحاسبة في الشركة بعد أعوام طويلة؟. ولكن ماذا حدث لهذه الأسرة (آل مخلوف) بعد استيلاء حافظ الأسد على السلطة عبر انقلابه العسكري في السادس عشر من نوفمبر عام 1970 على رفيقه صلاح جديد الذي كان له الفضل في إعادته للجيش بعد فصله منه، وترقيته دفعة واحدة من رتبة رائد إلى لواء وتعيينه قائدا للقوات والدفاع الجوي، فكان جزاء صلاح جديد الانقلاب عليه ووضعه في السجن مع الرئيس نور الدين الأتاسي.

فجأة الاقتصاد والأمن السوري بيد آل مخلوف
ترسخت السلطة بيد الرئيس حافظ الأسد، وفجأة بسرعة ضوئية بدأت أسرة المحاسب العادي (محمد مخلوف) تدريجيا تسيطر على ما لا يقل عن ستين بالمائة من الاقتصاد السوري في مختلف المجالات، خاصة من خلال ولديه (رامي و ماهر) لدرجة تسمية العائلة في المحافل الدولية الاقتصادية قبل الثورة السورية الحالية بسنوات (إمبراطورية آل مخلوف). هذا بينما الشقيقان الآخران (حافظ وإياد مخلوف)، مسؤولان كبيران في أجهزة الأمن التي تؤمن حماية النظام، بالإضافة إلى آصف شوكت (زوج شقيقة بشار quot;بشرىquot;) مدير المخابرات العسكرية اقوى وأوسع جهاز استخبارات سوري، و العميد ماهر الأسد شقيق بشار الذي يقود الفرقة الرابعة في الجيش السوري، التي توصف بعد اندلاع الثورة السورية بأنّها اشرس فرقة في قمع المتظاهرين وقصفهم بكل أنواع الأسلحة بقيادة وأوامر ماهر الأسد شخصيا.

إذن كيف ستتصرف عائلة هذه خلفيتها مع شعب يثور ضدها؟
عائلة واحدة وأخوالها ومصاهروها يسيطرون بالكامل على سوريا، شعبا ووطنا وثروة وأمنا واقتصادا، ستتصرف بالقمع والقتل ضد شعب يثور عليها كي يتخلص من سيطرتها ويستعيد كرامته وحريته واقتصاده المسروق والمنهوب منذ 41 عاما؟. هذه العائلة بتلك المواصفات والممارسات، لن تتصرف إلا بجنون نتيجته الموت والدم الذي يعيشه الشعب السوري منذ الخامس عشر من مارس الماضي حتى اليوم، وترفض العائلة ونظامها الاستجابة لأية عروض أو ضغوط عربية ودولية، فمن حصل على كل ما سبق عبر الانقلاب والقمع والقتل والسجون والسرقة لن يتنازل عنه بسهولة، وسوف يقاتل شعبه حتى الموت، سواء كان الموت للعائلة أو للشعب معها. إذن هو تشبث بالواقع عبر جنون لا يوصف، ولا يشبهه سوى جنون عميد الطغاة العرب القذافي الذي كان ينفي دوما إطلاقه أية رصاصة على شعبه، واستمر في أكاذيبه وتهريجاته من زنقة إلى زنقة حتى أصابته الرصاصة التي أراحت الشعب الليبي من غطرسته وجنونه.

وبماذا نصف تخبط الرئيس بشار في أقواله؟
و أتمنى أن يعطي القراء رأيهم في تصريحات الرئيس بشار الأسد للقناة الأمريكية التي جعلت الناطق الأمريكي يعتبره منفصلا عن الواقع أم جنونا، ومنها ما قاله الرئيس بشار حرفيا:
quot; لم يصدر أمر بالقتل أو بارتكاب أعمال وحشيةquot;
quot; إن قوات الأمن تابعة للحكومة وليس لي شخصياquot;
quot; أنا لا أملكهم. أنا الرئيس، ولا أملك البلاد. ولذلك فهي ليست قواتيquot;.
من يتخيل أنّ هذه أقوال وتصريحات تصدر عن رئيس لشعب تعداده خمسة وعشرون مليونا،و يعترف صراحة بأنّ لا سلطة له على قوات جيشه؟. إذن لماذا تتشبث بالسلطة؟. لماذا لا تعلن براءتك من ممارسة هذه القوات القمعية، وتستقيل وتخرج من البلاد أيضا لتثبت صدق كلامك؟.

و من المهم الموقف الفرنسي حول هذه التصريحات،
إذ أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية يوم الخميس الثامن من ديسمبر، أن الرئيس السوري بشار الاسد الذي نفى في مقابلة تلفزيونية الاربعاء أية مسؤولية في قتل ألاف المتظاهرين في سوريا quot;لن يفلت من العدالةquot;. وصرح وزير الخارجية الفرنسي برنار فاليرو خلال لقاء صحافي أنّ quot;فرنسا لا تعطي أية مصادقية للتصريحات التحريضية لبشار الأسدquot; والتي quot;تتناقض بشكل كامل مع استمرار أعمال القمع والعنف ضد الشعب السوريquot;. وأضاف أن quot;شعبه والاسرة الدولية حاكماه وككل المسؤولين عن القمع، ويجب محاسبته على الجرائم المرتكبة في سوريا منذ أشهرquot;، منددا برفض دمشق الرد على مطالب الجامعة العربية والأسرة الدولية.

وبالتالي أتوجه بالسؤال:
هل يستطيع سيجمون فرويد أو أي عالم نفس معاصر أنّ يحلل هذه الكلمات وإعادتها لمجراها النفسي، كي نعرف هل هو انفصال عن الواقع أم جنون؟. وهذا يعيدنا للمعلومات التي تمّ تداولها أخيرا حول انشقاقات في داخل العائلة، وأنّ بشار أصبح مجرد واجهة، والحاكم الفعلي هو شقيقه ماهر وفرقه العسكرية، وآصف شوكت زوج شقيقته (بشرى) مدير الاستخبارات العسكرية. وبالتالي فالأقرب للحقيقة هو جنون القتال للمحافظة على الواقع التي امتلكته هذه الأسرة وأخوالها، وهو سوريا وطنا وأرضا وشعبا وثروة. ولكنّ الطغاة لا يستمرون ، ولهم العبرة في زين العابدين بن علي وحسني مبارك والقذافي وعلي عبد الهي صالح، والقادم بإرادة الشعب السوري هو بشار الأسد ونظامه، كي يتخلص الشعب السوري من هذا القتل والجنون. وهذه النتيجة تؤكدها التطورات العربية والدولية ضد هذا النظام، وكذلك مجريات تصاعد واستمرار الثورة السورية في الداخل، التي بدات بأولى خطوات العصيان المدني ضد هذه العائلة و جنون نظامها.
[email protected]