أعرف مسبقا كم أنّ هذا الموضوع شائك ومتشعب طرق الفهم والنقاش، لذلك سيكون دوري هو طرح الأسئلة حوله أكثر من التحليل الشخصي، وبالتالي عبر النقاش الموضوعي يمكن الوصول لقناعات مشتركة. وأعتقد في البداية أنّ الغالبية العظمى من الشعب العراقي كانت فرحة ومسرورة من سقوط نظام صدام حسين، وكلنا شاهدنا مظاهر الفرح والهوسات الشعبية التي رافقت سقوطه. والكل يعرف أنّ من حكم العراق منذ سقوط نظام صدّام وحتى حكومة نوري المالكي الحالية، جاءوا كلهم مع أو على ظهر الدبابة الأمريكية، بما فيهم بعض شيوخ الدين الذين كانوا مبعدين أو هاربين من بطش النظام، وعادوا بعد سقوطه وكم أصدروا بيانات فرح وسرور لسقوطه. بعد هذه المقدمة ما هي خلفية عنوان هذه المقالة؟.

إنّها الجملة التي وردت في خطاب السيد حسن نصر الله،
الذي ألقاه يوم الثلاثاء السادس من ديسمبر الحالي بمناسبة ذكرى عاشوراء، حيث ظهر وسط جمهوره لدقائق بعد غياب مباشر طويل، وكان ظهوره الدائم عبر شاشات التلفزيون، وحتى هذا الظهور أكمل خطابه فيه عبر الشاشة. الجملة التي أقصدها، ووردت في خطابه هي قوله حرفيا: quot; نحن نقف إلى جانب مسيرة الإصلاح في سورية، ونقف إلى جانب نظام مقاوم وممانع وداعم لحركات المقاومة، ولكن هناك من لا يريد لسوريا الإصلاح والأمن والاستقرار، بل يريد أن يدمّر سورية، ويستعيض عن هزيمته في العراق، لأنّ سورية شريكة في إلحاق الهزيمة به في العراقquot;.

والأسئلة التي تفرضها هذه الجملة هي:
1 . كيف يمكن تصنيف النظام السوري منذ الرئيس الأب حافظ إلى الرئيس الإبن الوريث بشار، بأنّه نظام مقاوم وممانع، وهو لم يطلق رصاصة لتحرير جولانه المحتل منذ عام 1973 ؟. وكيف يكون نظاما مقاوما، وقد كان وما يزال يمنع أي تنظيم فلسطيني من إطلاق رصاصة عبر حدوده على الاحتلال الإسرائيلي؟. وكان كل دوره الممانع المقاوم هو السماح لمن يريد بالوصول إلى جنوب لبنان، ليقاوم من هناك، أي تدمير لبنان من الردود الإسرائيلية أمر مباح، فقط يبقى النظام السوري في أمن وأمان، من هنا شاع قول اللبنانيين في زمن الرئيس الأب (حافظ الأسد يريد أن يقاتل إسرائيل حتى آخر مواطن لبناني). وكذلك مفاوضات النظام المباشرة وغير المباشرة مع الجانب الإسرائيلي لم تتوقف إلا بسبب تعنت الاحتلال إزاء الانسحاب من الجولان، وهذا حق مشروع لسوريا، ولكن لماذا كانت مفاوضات السادات التي أعادت كامل الأراضي المصرية خيانة، ومفاوضات النظام السوري مقاومة وممانعة؟.

2 . ما معنى قول السيد حسن نصر الله في جملته هذه ( ...بل يريد أن يدمّر سورية، ويستعيض عن هزيمته في العراق، لأنّ سورية شريكة في إلحاق الهزيمة به في العراق ). لا يجادل إثنان أنّ المقصود هو الانسحاب الأمريكي العسكري المباشر من العراق الذي يعتبره السيد حسن نصر الله هزيمة وأنّ النظام السوري شريك في إلحاق هذه الهزيمة بالجيش الأمريكي. والسؤال الذي يطرح منذ سقوط نظام صدام حسين إلى هذا اليوم خاصة في العديد من الأوساط العراقية تحديدا هو: هل كل العمليات و التفجيرات التي كان وما يزال العراقيون يشهدونها ويعانونها يوميا هي أعمال مقاومة موجهة للجيش الأمريكي؟. إذا عدنا إلى رصد هذه العمليات والتفجيرات منذ عام 2004 لوجدنا أنّ الغالبية العظمى منها ضد المدنيين العراقيين والمنشآت العراقية، وللأسف المبكي أنّ كثيرا منها ذو خلفية طائفية، بدليل االتفجيرات العديدة التي شهدتها مدينتي النجف وكربلاء، ومن النادر أن مرّت ذكرى عاشوراء بدون تفجيرات قتلت العشرات من الأبرياء، بما فيها المواكب الحسينية ليوم الثلاثاء الذي ألقى فيه السيد حسن نصر الله خطابه، حيث سقط قتلى وجرحى من المشاركين. وهل هناك من كان يطلق على هذه الأعمال الإرهابية بامتياز مخز أنّها مقاومة غير بقايا حزب البعث؟. طبعا وفي المقابل لم تسلم المساجد والمناطق السنّية من الأعمال ذاتها، خاصة أماكن تجمع الفلسطينيين الذين شهدوا قتلا وتنكيلا أدّى بغالبيتهم للهروب إلى الحدود السورية والأردنية، وبعضهم وصل لاجئا إلى البرازيل!!.

إذن أية مقاومة دعمها النظام السوري في العراق يا سيد حسن نصر الله؟.
في حين أنّه طوال السنوات الماضية لم تتوقف تصريحات المسؤولين العراقيين المطالبين النظام السوري بالتعاون لوقف دخول الإرهابيين المسلحين للعراق، وحسب موقع الأرشيف العراقي في رصده اليومي للإرهاب الذي يتعرض له الشعب العراقي، ورد في رصده لأحداث الحادي عشر من مايو لعام 2005 ( دخول إرهابيين و 300 سيارة من سوريا ). وكم مؤتمر لبقايا حزب البعث تمت في دمشق وبيروت بدعم من المخابرات السورية وحزب الله؟. والمضحك المبكي أنّ هذا الحزب البعثي العراقي الذي كان ممنوعا ومحاربا في زمن صدام والحدود مقفلة مع عراقه لمدة 25 سنة، أصبح محبوبا وتفتح الصالات لمؤتمراته. وقد شارك الجيش البعثي السوري في زمن الرئيس حافظ الأسد في قتال ودحر الجيش البعثي العراقي من الكويت. وأتذكر تصريحا لوزير الثقافة العراقي في التاسع من سبتمبر لعام 2004 قال فيه: quot; إنّ الجماعات المسلحة مسؤولة عن بقاء القوات الأجنبية quot;. وفي رصدها لأراء المشاهدين العراقيين بعد الانسحاب الأمريكي الحالي، أوردت فضائية quot; الفيحاء quot; العراقية العديد من الآراء، منها رأي الباحث هاشم اللعيبي من البصرة الذي quot; أكد أن العراق يمر بمرحلة حرجة وتاريخية، مؤكداً على ضرورة أن تبقى الجهات التي تدّعي المقاومة خارج العملية السياسية وعدم إشراكها في ادارة البلاد للعودة مجددا وامتصاص الدم العراقي quot;. فهل ما كان يدعمه النظام السوري في العراق مقاومة أم قتلا للمواطنين العراقيين؟.
وقد تعرّض الرئيس بشار الأسد نفسه لاتهامات الجهات والمسؤولين العراقيين لنظامه بدعم الإرهاب في داخل العراق، وقد قال حرفيا يوم العشرين من أبريل لعام 2010 أي قبل عام ونصف تقريبا، بعد سرده لوقائع اتصالات فاشلة مع المسؤولين العراقيين: ( لا يمكن ضبط هذه الحدود، وهذه مشكلة مزمنة أساسا، لا توجد دولة يمكنها أن تضبط حدودها ). وأخاطب الرئيس بشار: لماذا ضبط الحدود مع العراق صعب ومستحيل؟ بينما ضبط الحدود مع الجولان المحتل سهل وقائم منذ عام 1973، حيث لا يستطيع شخص أو نملة من عبورها؟.

وأنا هنا لا أتهم بل أردّ على تصريحات،
السيد حسن نصر الله في خطابه يوم عاشوراء، وأرى أنّه اتخذ انسحاب الأمريكان من العراق سواء كان هزيمة أم أجندة أمريكية بالتوافق مع الحكومة العراقية، مجرد ذريعة ضعيفة لتبرير دفاعه عن النظام السوري الذي يقمع شعبه منذ الخامس عشر من مارس الماضي بطريقة لا يقبلها إنسان يحرص على كرامة البشر وحريتهم. وهذا التبرير من السيد حسن نصر الله يجيء متوافقا مع إعلان النظام السوري نيته التوقيع على المبادرة العربية الخاصة بدخول مراقبين عربا ودوليين، واضعا شروطا تجهض المبادرة من أساسها، فالنظام يريد معرفة ألأسماء مسبقا ليوافق على من يريد ويرفض من لا يريد. وفي الوقت نفسه يقوم باعتتقال الناشطة في مجال حقوق الإنسان السورية رزان غزاوي يوم الأحد الرابع من ديسمبر وهي في طريقها للمشاركة في مؤتمر حول حرية التعبير في العاصمة ألأردنية عمّان، ومن قبلها اعتقال الشابة طل الملوحي بسبب ما كتبته من نقد للنظام في مدونتها، وتلفيقه لها تهمة التخابر مع السفارة الأمريكية في القاهرة. هذا غير ما لا يقل عن أربعين ألفا من المعتقلين والمخطوفين والمفقودين وخمسة ألاف من القتلى منذ مارس الماضي.

فعن أي نظام مقاومة وممانعة،
تدافع يا سيد حسن نصر الله؟ والأكثر غرابة أنّك تعتبره نظام مقاومة في العراق أيضا. بصراحة شديدة: إنّ الدفاع عن النظام السوري لا يليق بحزب الله ولن يسجّل تاريخيا من ايجابياته، لأنّه كان صدمة للكثيرين أن يقف حزب الله مع هذا النظام ويسوّقه على أنّه نظام مقاومة ليس في لبنان فقط بل في العراق أيضا، ويتنكر للشعب السوري بعد أن وقف الحزب مع ثورة الشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين...والله المستعان على أحوال العرب التي لا ترضي صديقا ولا تغيظ عدوا.
[email protected]