يستمر نظام بشار الأسد رغم تسعة شهور من ثورة الشعب السوري في قمعه للشعب بكافة أنواع القوة المتاحة له، خاصة الدبابات والمدرعات التي لم نرها منذ عام 1973 في الجولان السوري المحتل عبر صفقة خيانة واضحة ومكشوفة من والده حافظ الأسد. خلال هذه الشهور التسعة وقفت غالبية الشعوب والدول في مختلف القارات مع معاناة الشعب السوري والظلم الواقع عليه من هذا النظام المتوحش فعلا، دون مراعاة كرامة الشعب وحقه في التخلص من احتلال هذه العائلة الأسدية الطائفية طوال 41 عاما. ورغم هذا التضامن العالمي مع الشعب السوري بقي هناك أصدقاء قلة متضامنون مع هذا النظام عبر مواقف مخزية ستظل وصمة عار في تاريخ هؤلاء المتضامنين مع القتل والاستبداد والقمع والديكتاتورية. فمن هم هؤلاء الأصدقاء القلة؟. وفعلا كما يقول المثل العربي (قل لي من هم أصدقاؤك، أقل لك من أنت؟).

أولا: نظام ملالي ولاية الفقيه الإيراني

إنّ القواسم المشتركة بين نظام الأسد ونظام ملالي ولاية الفقيه في إيران عديدة، أهمها القمع والاستبداد ومصادرة حقوق الإنسان والفساد. فحسب تقارير كافة منظمات حقوق الإنسان فإن أسوأ ملفات حقوق الإنسان في العالم هي ملفا النظامين الإيراني والسوري. والكل يتذكر أن المظاهرات المليونية للشعب الإيراني ضد نظام ولي الفقيه سبقت الربيع العربي، فقد اندلعت هذه المظاهرات بقيادة الشخصيات الدينية الإيرانية المناهضة لاستبداد خامئني ونجاد، وكان أشهر هذه الشخصيات التي قادت المظاهرات في يونيو 2009 هم (مير حسن موسوي، محسن رضاي، و مهدي كروبي) ضد نتائج الانتخابات المزورة التي أوصلت أحمدي نجاد لولاية ثانية (2009 ndash; 2013)، وهي مظاهرات استمرت عدة أسابيع، وتعرضت لقمع لا يقل قسوة عن القمع الذي تواجهه أغلب المظاهرات في الأقطار العربية، خاصة مظاهرات الشعب السوري المندلعة منذ الخامس عشر من مارس الماضي، وفي تلك المظاهرات الإيرانية قتل ما لايقل عن 15 متظاهرا إيرانيا. ولا يمكن نسيان عمليات الإعدام والسحل والجلد والاعتقالات التي تكاد تكون يومية نسخة من ممارسات نظام الأسد في سوريا. والكل سمع وعرف باعتقالات المقربين من تلك الشخصيات الإيرانية التي قادت المظاهرات، ومنعت هذه الشخصيات من السفر ووضع بعضها قيد الإقامة الجبرية. ثم اندلعت موجة مظاهرات عارمة في الثالث عشر من فبراير الماضي، والتقارير التي نشرت عنها مرعبة للغاية. إذ أقفلت قوات الحرس الثوري شوارع العاصمة طهران، وأغلقوا أغلب مداخل محطات المترو، وسط تحليق كثيف لمروحيات الجيش والمخابرات الإيرانية. وقد شهدت هذه المظاهرات ردود فعل عنيفة من الحرس الثوري، حيث ثمّ إطلاق الرصاص المطاطي والغاز المسيّل للدموع وكرات من الطلاء بألوان مختلفة، وفي ساحة آزادي (الحرية) كما نقلت العديد من وسائل الإعلام، أطلق المتظاهرون هتافات (الموت للديكتاتور)، و رفعوا لافتات فيها صور نجادي و حسني مبارك، وفوق رأسيهما بالإنجليزية
Tehran, Cairo. Dictators Must Go!!
في ذلك الوقت لم تكن مظاهرات وثورة الشعب السوري قد انطلقت بعد، وإلا لكان المتظاهرون الإيرانيون وضعوا اسم بشار الأسد بدلا من حسني مبارك، فجيش حسني مبارك وعصاباته لم يرتكبوا واحدا في المليار ضد الشعب المصري مما ارتكبه جيش بشار وعصاباته في مواجهة الشعب السوري. وقامت أجهزة (الباسيج) بمحاصرة بيت مير حسن موسوي، وقطعوا الاتصالات الهاتفية عن هواتف العديد من قادة المظاهرات، كما يفعل نظام الأسد إذ يقطع كامل خدمات الانترنت عن مدن بكاملها وبمساعدة خبراء من نظام ملالي إيران.
أمّا عن صفقات الفساد الداخلية لنظام الملالي فهي قريبة من صور فساد عائلة الأسد وأخواله إمبراطورية آل مخلوف. وقد كانت بداية ذوبان جبل جليد الفساد في داخل نظام الملالي، هي فضيحة الاختلاس التي تمّ الكشف عنها أخيرا بقيمة 2.6 مليار دولار، أكّدت المعارضة الإيرانية الداخلية تورط أحمدي نجاد فيها، بعد فرار محمود رضا خاوري محافظ quot; بنك ملي إيران quot; إلى كندا، و اعتقال العديد من رجال المصارف الإيرانيين. وتشمل صفقة الاختلاس هذه رجل الأعمال المليونير أمير منصور خسروي الذي قام بتزوير خطابات إئتمان مدعوما من مسؤولي بنوك داخل إيران. وقد طالت هذه الفضيحة العديد من قيادات الحرس الثوري القريبين والمؤيدين لأحمدي نجاد، ومنهم مستشاره وصهره إسفنديار رحيم مشائي. لذلك ظهرت الخلافات بين المفسدين والمستبدين للعلن عندما أعلن ولي الفقيه علي خامئني أخيرا أنّه يفكر في إلغاء انتخابات رئيس الجمهورية ويقوم هو شخصيا بتعيينه.
لذلك فإنّ طبيعة وبنية نظام الملالي لا تختلف عن بنية وطبيعة نظام أسد من ناحية الفساد والقمع والاستبداد، فنظام الملالي يتسلط على الشعب الإيراني منذ عام 1979 بفارق تسع سنوات فقط عن تسلط عائلة الأسد. وأيضا لا يمكن القفز عن اللعب على الخلفية الطائفية وتخويف البعض من سقوط النظام السوري، متذكرين قمع حقوق كل القوميات غير الفارسية داخل إيران، ومنها المنتمون للقومية العربية من عرب الأحواز، حيث يتعرضون لقمع وتنكيل لا يقل عن قمع الاحتلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني، مع فارق حضاري وهو أنّ الاحتلال الإسرائيلي يسمح منذ عام 1948 للفلسطينيين الذي صمدوا في وطنهم باستعمال لغتهم وثقافتهم العربية بعكس نظام الملالي الذي يحرم ملايين الأحوازيين العرب من استعمال لغتهم العربية، ونظيره الأسدي يمنع أكراد سوريا من استعمال لغتهم وثقافتهم الكردية. لذلك ليس غريبا أن يكون نظام ملالي إيران هو الصديق الوحيد من الأنظمة في العالم الذي يدافع عن نظام الأسد بهذه القوة والتهديد حتى لثوار الشعب السوري. فكل يبحث عمن هو على شاكلته ليكون صديقه ويدعمه.

ثانيا: حزب الله، حزب ولاية الفقيه في لبنان
أصبح واضحا من متابعات ردود الفعل العربية على موقف حزب الله المخزي في دعمه لنظام الطاغية الأسد، أنّ هذا الحزب قد خدع ملايين العرب والمسلمين بتستره تحت غطاء مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وما إن اندلعت مظاهرات الشعبين الإيراني والسوري حتى كشف هذا الحزب عن وجهه الحقيقي المرتبط أوتوماتيكيا بنظام الملالي في طهران. وكرّرنا نشرها عدة مرات، تلك الفقرات والتصريحات لكبار مسؤولي الحزب الذين يدعون لإقامة جمهورية إسلامية في لبنان مرجعيتها الفقهية في قم بإيران. السؤال المحرج الذي جعل حسن نصر الله يلوذ بالصمت طويلا هو: يا سيبد حسن نصر الله، كيف يقبل ضميرك المقاوم السكوت على هذا القتل اليومي لشعب يطالب بالحرية والديمقراطية والكرامة؟. ألم تكرر في خطاباتك حرصك على كرامة الشعوب، ورغم ذلك قمت باجتياح بيروت في مايو 2008، وارتكبت فيها قتلا وتدميرا خاصة للمنشآت الإعلامية المخالفة لتوجهاتك، لا يختلف عن قتل وتدمير حليفك الأسد. يا سيد حسن نصر الله: لماذا التضامن العلني منك وحزبك مع ثورة الشعب المصري والتونسي والليبي والبحريني، وسكوتك سكوت الخرسان على ثورة الشعب السوري ومظاهرات الشعب الإيراني؟ هل الحرية والديمقراطية تليق بشعوب دون شعوب؟.
كم لامني العديد من الأصدقاء، عندما أصدرت في عام 2008 مع مجموعة من الكتاب العرب كتابا بعنوان (حزب الله، الوجه الآخر)، أي الكشف عن الوجه الآخر للحزب المرتبط بنظام الملالي. وقد اتصل العديد من هؤلاء الأصدقاء ليقولون لي: كم كنت ومن معك من الكتاب المشاركين في ذلك الكتاب، بعيدو النظر عندما كشفتم بالأدلة والوثائق ارتباطات الحزب بنظام ولي الفقيه، صابين جام غضبهم على موقف حزب الله من ثورة الشعب السوري ودعمه لنظام الطاغية الأسد. ومن يتابع تعليقات القراء العرب في مدوناتهم على الانترنت والفيس بوك سيرى حجم الحملة المضادة لمواقف الحزب هذه في غالبية الأقطار العربية. لذلك فموقف حزب الله من دعم نظام الأسد المتغطرس القاتل لا يليق بحزب يدّعي المقاومة والمحافظة على الكرامة، ويحمل اسم (الله)، فالله لا يقبل القتل وسفك الدماء، لذلك فهو اسم لحزب على غير مسمّى، فممارسات الحزب ومواقفه السياسية لا يليق بها هذا الإسم بل اسم نقيض تماما.

ثالثا: نظام علي عبد الله صالح المطلوب رحيله
لا داعي للتفصيل في موقف نظام علي عبد الله صالح الذي صوّت ضد قرار الجامعة العربية بتجميد عضوية نظام الأسد، فهو نظام يطالب الشعب اليمني منذ شهور برحيله وسقوطه، ويواجه هذا اللا علي اللاصالح الشعب اليمني بنفس أساليب الأسد. ولم يتعلم درسا من محاولة ثوار الشعب اليمني قتله في ذلك التفجير الذي شوّه وجهه، فهرب للسعودية للعلاج، ثم عاد مصرّا على غطرسته وفساد نظامه. لذلك فبنية النظامين الأسدي واليمني واحدة، هي غواية الكرسي والسلطة ونهب ثروة الشعب، لذلك فلا بد من البقاء في الحكم حتى الموت الذي يسبقه التوريث.

رابعا: النظامان الروسي والصيني
أعتقد أنّ هذين النظامين يدعمان الموقف الأسدي في المحافل الدولية غالبا نكاية بالمواقف الأوربية والأمريكية، وإن كان ملف الصين في ميدان حقوق الإنسان ليس مشرفا لحد كبير رغم قوتها الاقتصادية في العالم أجمع، فالاعتقالات السياسية في الصين لا تتوقف، ويكفي التذكير بمذبحة ميدان (تيانمين) عام 1989 عندما تظاهر ملايين الصينيين معتصمين في الميدان عدة أيام ضد الديكتاتورية والفساد والاستمرارية في السلطة لحزب واحد منذ ما يزيد على ستين عاما. ومن الملاحظ في الملف الروسي تدوير السلطة بين بوتين وميدييف رغم أنها تأتي عبر انتخابات. وأيضا لا يمكن نسيان القمع الروسي للأقلية المسلمة في الشيشان، فهو يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان. وإلا لماذا وافقت جمهورية روسيا بعد سقوط وتفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991 على استقلال خمسة عشر جمهورية، كانت منضوية تحت ذلك الاتحاد السوفييتي بالقمع والتسلط طوال ما يزيد على سبعين عاما؟. فلماذا الشعب الشيشاني المختلف عن الروس عرقا ولغة وديانة يبقى تحت القمع والتسلط الروسي؟.
هؤلاء هم فقط أصدقاء نظام الأسد اليوم، فهل يتعظ من ثورة الشعب السوري وتقلص عدد أصدقائه في العالم، وعدم وجودهم في الأقطار العربية ليرحل بما تبقى من كرامته إن بقي منها أية نسبة، ويعطي الشعب السوري الحق في الحرية والديمقراطية والكرامة؟.
[email protected]