لقد انقسم العرب كشعوب، و خاصة ما يمكن تسميته طلائعهم الثقافية والسياسية والحزبية في موقفهم من ثورتي الشعبين الليبي والسوري تحديدا، إلى فريقين حسب التوصيفات التي سادت في الشهور العشرة الماضية: وطنيون ثوريون و خونة عملاء للناتو. و حسب تكوينة البشر النفسية كل فريق يعتبر موقفه هو الصحيح وموقف الآخر هو الخطأ. وإذا كان كل من يخالفك في الرأي هو عميل وخائن، فهذا يعني كنتيجة أنّ الفريقين خونة وعملاء من وجهة نظر كل فريق نحو الآخر. و حسب متابعاتي فلم أجد طريقة الاتهامات بالعمالة والتخوين والتجسس سائدة إلا لدي الكتاب والمثقفين والسياسيين العرب، وسأضرب مثالين فقط من الثقافات الأخرى:
1 . في الحياة الثقافية الأمريكية العامة، ما يكتب ضد الإدارات الأمريكية الحاكمة خاصة إدارتي بوش الأب والإبن، لو اجتمع كافة القوميين العرب لما كتبوا ربع ما سطّره الكتاب الأمريكيون ضد هاتين الإدارتين، ويكفي أن نذكر ما كتبه وأخرجه من أفلام الأمريكي المشهور (مايكل مور) الحائز على جائزة الأوسكار، خاصة فيلميه (أنا و روجر) و (فرنهايت 11 ndash; 9). ورغم ذلك لم يتهمه أحد في الإعلام الأمريكي بأنه عميل للقاعدة مثلا، بل ناقشه البعض وردّوا على أفكاره، ودار نقاش واسع بينهم دون أن يوجه واحد منهم للآخر تهمة العمالة أو الخيانة. أو الكاتب الأمريكي (ويليام بلوم) في كتابه (الدولة المارقة) الذي لا يجرؤ كاتب عربي أو مسلم أن يكتب واحد بالمائة من جرأته وشجاعته في نقد السياسات الأمريكية الخارجية، ورغم ذلك لم يتهمه أحد من الأمريكيين بالعمالة وخيانة وطنه ولم تعتقله أجهزة الأمن أو تحقق معه.
2 . في الثقافة والحياة العامة النرويجية من الموضوعات المهمة ذات الاهتمام والانقسام الشعبي حولها، هو انضمام المملكة النرويجية للإتحاد ألأوربي، فالشعب ومثقفوه وسياسيوه منقسمون بين مؤيد للإنضمام ورافض له. والمدهش أنّ بعض المظاهرات المشتركة للفريقين تجري في نفس اللحظة والمكان، فريق يرفع يافطات عليها (لا للإنضمام للإتحاد الأوربي) و الآخر (نعم للإنضمام للإتحاد الأوربي)، وينتهي وقت المظاهرة الذي حدّده البوليس لهم، فينفضّوا بهدوء متوجهين للمقاهي والبارات من الفريقين يشربون القهوة والبيرة، رافعين الكؤوس لبعض مع ضحكة وكلمة (إسكول) التي تقابل في نفس الموقف العربي كلمة (في صحتك). تصوروا ماذا سيحدث في مظاهرة عربية لفريقين متناقضين حول موضوع واحد؟.
الخلاف حول الموقف من النظام السوري مثالا
أتمنى لو يحتكم الجميع معارضو نظام الرئيس بشار الأسد ومناصروه ضمن المنطق الموضوعي السابق، للإجابة على أسئلة مهمة من منطلق الاحتكام للضمير الإنساني والوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب السوري منذ الخامس عشر من مارس الماضي بعيدا عن تهم العمالة والخيانة والتجسس والمؤامرة الكونية. هل من المعقول والأخلاقي السكوت على هذا القتل اليومي الذي يوقع يوميا ما لا يقل عن عشرين قتيلا؟. ما هو ذنب المطرب إبراهيم القاشوش كي تقطع حنجرته ويقتل وترمى جثته في نهر العاصي؟. ما هو ذنب الفنان العالمي علي فرزات كي تكسر أصابعه ومحاولة قتله؟. وماذا فعل الشاب غياث مطر كي يقتل؟. و قبل اندلاع الثورة السورية ماذا فعلت الشابة طل الملوحي كي تعتقل وتختفي آثارها حتى اليوم؟. وماذا فعل الصحفي الفلسطيني مهيب النواتي الذي وصل إلى دمشق في التاسع والعشرين من ديسمبر 2010 ويختفي حتى اليوم ؟ وبالطبع نفس السؤال عن مئات المعتقلين خاصة اللبنانيين والفلسطينين والأردنيين منذ ما يزيد على ثلاثين عاما؟.هل من المعقول والمنطقي أنّ كل مئات ألاف السوريين الذين يتظاهرون يوميا في غالبية المدن السورية خونة وعملاء؟. هل قصف المدن والمساجد بالمدافع والدبابات له ما يبرره، والكل سوريون وعرب لم يسمعوا قذيفة واحدة منذ عام 1973 اتجاه الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري المحتل منذ عام 1967 أو مزارع شبعا التي يختلف على ملكيتها هل هي سورية أم لبنانية؟.
ولماذا التشبث بالسلطة يا بشار؟
إنّ أي رئيس أو حاكم يخرج شعبه بمئات ألالاف منذ ثمانية شهور يهتفون يوميا برحيله وسقوط نظامه، من الحكمة والحرص على أمن واستقرار البلد أن يلبي رغبة الشعب ويترك الحكم طواعية، بينما الرئيس بشار الأسد بدلا من الاستجابة لمطالب الشعب، يواجههم بالمدافع والدبابات والقصف والسجون والاعتقالات. لماذا وهو من عاش في بريطانيا ويدّعي أنّه حريص على الديمقراطية؟ ألا يكفي الحريص على الديمقراطية حكم إحدى عشر سنّة ؟ طبعا دون أن نذكّره أنها نتيجة تزوير وتوريث لا تعترف به أية ديمقراطية في العالم منذ العصر الحجري وحتى اليوم، وفقط ديمقراطية المقبور بلا رحمة عميد الطغاة العرب اللامعمر القذافي الذي فهمها (ديمو كراسي) اي ديمومة بقائه في الكرسي، ورغم ذلك لقيّ المصير الذي يليق به في مصارف المجاري. لماذا يتشبث الرئيس بشار الأسد بالكرسي الذي تمت سرقته من الشعب السوري؟. هل يستطيع بموضوعية أي مؤيد للرئيس أن يقنعنا بأسباب وحيثيات التوريث والبقاء 11 عاما في السلطة بعد 30 عاما لوالده؟. هل خلت سوريا بشعبها ذي الثلاثة وعشرين مليونا من أية كفاءة سوى هذين الأسدين حافظ وبشار؟. ولنتذكر أن الرئيس حافظ الأسد بقي في الكرسي والسلطة 30 عاما ولم يتركها إلا بقرار ملك الموت عزرائيل في عام 2000، فإذا كان الرئيس بشار سيبقى في الكرسي منتظرا ذلك القرار، وكون الأعمار بيد الله، فمن الممكن أن يبقى رئيسا مفروضا على الشعب السوري حتى العام 2050 وبذلك يكون هو ووالده قد حكموا سوريا وطنا وشعبا وثروة مدة ليست طويلة فهي فقط قرابة ثمانين عاما. أنا حسب معايشتي الميدانية للوضع السوري في زمن الرئيس حافظ الأسد، لا يمكنني تفسير تشبث الرئيس بشار بالكرسي والحكم رغم ثورة الشعب السوري ضده منذ أكثر من ثمانية شهور إلا بالتفسيرات التالية:
1 . لقد اغتصب والده السلطة بطريقة غير ديمقراطية ولا شرعية عبر انقلاب عسكري عام 1970، وبدون هذه الطريقة ما كان ممكنا وصوله للرئاسة. وهذا ما كان في حالة بشار الإبن الذي تمّ تغيير الدستور على مقاسه ليرث والده في سابقة لم تحدث في أي نظام رئاسي قبل ذلك. والمثير للبكاء هو كيف يقبل بهذا التزوير وهو من عاش ودرس في بريطانيا وعرف التطبيقات البريطانية للديمقراطية بدءا من ملكة بريطانيا إلى رئيس وزرائها.
2 . طوال السنوات العشر لتوريثه ومن قبله استيلاء والده على السلطة لمدة ثلاثين عاما، تمكّنا طوال الأربعين عاما الماضية من تحويل سوريا البلاد والعباد إلى مزرعة خاصة مملوكة لهما ولعائلة أخواله (آل مخلوف)، وليته يتجرأ ويقول لنا وللشعب السوري، من أين هذه الثروة له ولعائلته منذ زمن والده ؟. لو وفّر والده كافة مرتباته الرسمية كضابط في الجيش وهو من بعد والده، هل ترقى هذه المرتبات الرسمية لأكثر من عشرة ملايين ليرة سورية أي حوالي مائتي ألف دولار فقط، فمن أين هذه المليارات له ولعائلة أخواله آل مخلوف الذين يسيطرون على غالبية الاقتصاد والثروة السورية؟. لذلك فالرحيل وسقوط نظامه لن ينتج عنه سوى المحاكمة وإعادة هذه المليارات لميزانية الشعب السوري، وبالتالي فالجواب هو الاستمرار في القتل والموت والقصف كي لا يصل لهذه النتيجة التي وصل لها قبله بعض الطغاة العرب، وله في زين الهاربين بن علي وحسني اللامبارك واللامعمر القذافي العبرة والدرس، لذلك فشعاره هو وعائلته ونظامه (أنا أو الموت للشعب السوري). وبالطبع نفس الأسئلة والخلاف بين العرب تمّ حول عميد الطغاة العرب معمر القذافي.
لذلك فالتحية والشكر للكتاب المصريين الأحرار
الذين أصدروا في التاسع والعشرين من أكتوبر 2011 بيانا جريئا دعوا فيه إلى تجميد عضوية النظام السوري في الجامعة العربية، وكذلك تجميد عضوية اتحاد كتاب سوريا في اتحاد الكتاب العرب، بسبب الموقف المخزي لاتحاد كتاب سوريا من ثورة شعبه السوري وتأييده العلني الفاضح للقتل والقمع والقصف الذي يقوم به النظام السوري، وهذا ما لا يليق بالكتاب الذين يفترض أنهم ضمير شعبهم وليس بوق نظامهم. كما قام كتاب مصر الوطنيين الأحرار بوقفة تضامنية مع الشعب السوري يوم الثاني من نوفمبر تحت شعار (يوم التضامن مع الثورة السورية)، هذا بالإضافة لفعاليات أخرى عديدة يشارك فيها مثقفون وشعراء سوريون. فهل كل هؤلاء الكتاب المصريين عملاء للناتو أو جزء من المؤامرة الكونية التي اكتشفتها مشكورة السيدة كوليت خوري؟.
فإذا كان الكتاب والسياسيون والمثقفون العرب منقسمين في مواقفهم من الطغاة والمستبدين الديكتاتوريين السارقين لشعوبهم وأوطانهم، فعلى ماذا سيتفقون؟. ألا يفسّر هذا الانقسام من يسهم في صناعة الاستبداد والديكتاتورية في الأقطار العربية؟. وفي انتظار النقاش والرد والتحليل لما سبق بموضوعية وحقائق تنفي ما ورد أو تؤيده، بعيدا عن تهم الخيانة والجاسوسية، فلا أعتقد أنّ ميزانية الناتو قادرة على تغطية نفقات ورواتب ومكافآت ملايين العرب الذين هم عملاء من وجهة نظر ملايين آخرين مختلفين معهم.
ومن باب التوثيق للتاريخ أورد:
الأول: تمّ اعتقاله في حفرة قيل أنّها قذرة، يوم الثالث عشر من ديسمبر 2003، واستمرت محاكمته ثلاثة سنوات، وتمّ إعدامه شنقا يوم الثلاثين من ديسمبر 2006 صبيحة عيد الأضحى .
الثاني: تنازل عن الحكم قسرا، وهرب خارج بلاده مع زوجته يوم الرابع عشر من يناير 2011 .
الثالث: تنازل عن الحكم قسرا يوم الحادي عشر من فبراير 2011 وسلّم الحكم للمجلس العسكري، وما تزال محاكمته مع ولديه جارية.
الرابع: جرت محاولة قتله بقصف قصره يوم الجمعة الرابع من يونيو 2011، نتج عنه تشويه وجهه فغادر إلى المملكة السعودية للعلاج يوم السبت الخامس من حزيران 2011، وعاد إلى وطنه يوم الجمعة الثالث والعشرين من سبتمبر 2011 ينتظر مصيره الذي سيقرره الشعب الثائر ضده.
الخامس: تمّ العثور عليه هاربا مختفيا في أنبوب تصريف للمجاري بعد أن اغتصب السلطة في بلاده 42 عاما فقط، وتمّ إعدامه يوم الخميس العشرين من أكتوبر 2011 .
السادس:..............................................
السابع:...............................................
وللتذكير أيضا:
الرقم الأول ليس هو أول من يعدم صبيحة عيد الأضحى، فقد نال هذا الشرف قبله الجعد بن درهم الذي أعدمه والي العراق خالد بن عبد الله القسري بسيفه على منبر الجامع عام 124 هجري. وأعدم الفرنسيون بعد ثورتهم المشهورة ملكهم لويس السادس عشر وزوجته الامبراطورة إنطوانيت عام 1793، وأعدم الرومانيون ديكتاتورهم تشاوشيسكو وزوجته إيلينا رميا بالرصاص بعد محاكمة دامت لمدة ساعتين فقط، يوم الخامس والعشرين من ديسمبر 1989، وهو يوم عيد الميلاد (الكريسماس) عند المسيحيين، وله نفس أهمية يوم عيد الأضحى عند المسلمين. فالتاريخ يعيد نفسه مرة على شكل ثورة وأخرى على شكل إعدام طاغية.
[email protected]
التعليقات