تواصلا مع القراء الذين يسألونني عن أسباب اهتمامي بالشؤون الإيرانية، جاءت محاولة النظام الإيراني اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، التي كشفت عنها السلطات الأمريكية يوم الثلاثاء الحادي عشر من أكتوبر الحالي، واعتقلت الشخصين الإيرانيين اللذين كانا مكلفين القيام بهذه المهمة القذرة بأوامر من الحرس الثوري الإيراني، حفزتني هذه الحادثة المؤامرة للإجابة على تساؤلات القراء والزملاء الذين يسألونني عن اهتمامي هذا، ليس في مقالاتي فقط، ولكن في كتاب أصدرته مع مجموعة من الكتاب العرب في عام 2009 عن الدار المصرية للنشر والتوزيع في القاهرة بعنوان (الخطر الإيراني، وهم أم حقيقة؟).


كيف استقبلنا وصول الخميني للسلطة؟
أعترف بصراحة أنّ نسبة عالية من الشعوب العربية، وأنا كنت واحدا منهم، قد استقبلنا وصول الإمام الخميني للسلطة وإطاحته بنظام الشاه عام 1979 بفرح وحماس شديدين، خاصة أنّه دغدغ عواطف الجماهير العربية من خلال قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة إسرائيل و إغلاق سفارتها ورفع العلم الفلسطيني عليها، وقد كانت خطوة ذكية من الخميني لكسب تعاطف الجماهير العربية، وهو نفس الإسلوب و الشمّاعة التي كانت وما زالت غالبية الأنظمة العربية والإسلامية تستعملها سلبا أو إيجابا. واليوم بعد مرور ما يزيد على ثلاثين عاما من استلام الخميني وخلفائه للسلطة في إيران، نسأل بموضوعية: ماذا قدّم هذا النظام للقضية والشعب الفلسطيني غير الخطابات الجوفاء الغوغائية التي حشدت دعما لا مثيل له لدولة إسرائيل باعتراف مسؤوليها، ولا ننسى بعض الدولارات التي قدمها نظام ملالي الخميني لبعض الفصائل الفلسطينية التي يزور مسؤولوها طهران أكثر من زياراتهم لقطاع غزة والضفة الغربية، وبعضهم كان يقبل أيدي الخميني وهذا مثبت بالصور والفيديو.

وماذا حصل بعد ذلك؟
لم تمض شهور قليلة على استلامه السلطة حتى بدأ الإمام الخميني يكشف القناع عن توجهاته الحقيقية، وفي الغالب من ضمن خلفياتها إبعاده من قبل نظام صدام حسين من النجف عام 1975 بعد توقيعه اتفاقية الجزائر مع شاه إيران، فتوجه الخميني إلى باريس التي وصل طهران منها عقب الإطاحة بنظام الشاه. كانت تلك التوجهات الخمينية تتمحور حول مبدأين هما:ولاية الفقية و تصدير الثورة. وهما مبدآن مترابطان، فكي يقتنع الشعب بتصدير الثورة وتنفيذ أوامر الخميني بخصوصها بدون نقاش أو تفكير، كان لا بدّ من صناعة ( نظرية ولي الفقيه ) التي لا أساس لها قبل الخميني في أصول الفكر والمذهب الشيعي، إذ تنصّ حسب طرحه وفهمه على ( أنّ ولي الفقيه هو ممثل الله تعالى في الأرض في كافة شؤون الحياة، ومن يعصى أوامره فقد عصى تعاليم وأوامر الله تعالى ). وقد رفض العديد من أئمة المذهب الشيعي العرب هذه النظرية وأثبتوا أنها صناعة خمينية دخيلة على الفكر الشيعي، ومنهم السيد محمد حسين فضل الله ( رحمه الله ) الذي قال صراحة في إحدى مكاشفاته مع جريدة عكاظ السعودية يوم الحادي والعشرين من فبراير 2008 : ( ولاية الفقيه نظرية لا يراها أكثر فقهاء الشيعة ) أي لا يعترفون بها ولا إجماع عليها، ويقول أيضا ( اعتبر بعض الملالي اجتهاداتي خروجا عن المذهب، لذلك وقفوا ضد مرجعيتي ). بينما هؤلاء الملالي يؤيدون السيد حسن نصر الله الذي لا يمكن وضعه في أي مستوى من المستويات الفقهية للمرحوم محمد حسين فضل الله، يؤيدونه بالمال والسلاح وجنود الحرس الثوري، لأنّه يقول صراحة في أكثر من خطاب ومناسبة موثقة ومصورة : (إننا أبناء أمّة حزب الله التي نصر الله طليعتها في إيران، وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزيّة في العالم، نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة تتمثّل بالولي الفقيه الجامع للشرائط، وتتجسد حاضراً بالإمام المسدّد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني دام ظلّه مفجّر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة..raquo;، وقد أيّده في ذلك بصراحة أشد عن مبدأ تصدير الثورة الخميني، إبراهيم الأمين القيادي في الحزب ، في قوله عن التوجه الخميني نحو المنطقة العربية عام 1987 إذ قال حرفيا: laquo;نحن لا نقول إننا جزء من إيران؛ نحن إيران في لبنان، ولبنان في إيرانraquo;.

ما الذي يغرينا كعرب في استيراد النموذج الخميني؟
تتطلع الشعوب العريبة بعد انطلاق ثوراتها الباحثة عن الحرية والديمقراطية والتعددية الحزبية والمساواة الاجتماعية، غلى خلق نماذج ديمقراطية حديثة على غرار الديمقراطيات الأوربية حيث كل السلطات بيد الشعب، والرئيس أو الملك يمكن محاسبته أو محاكمته لأقل مخالفة أو اختلاس، فهل تطلعات شعوبنا العربية تتحقق بأية نسبة في النموذج الخميني والخامئني من بعده؟. جوابي الموثق هو: لا..وألف لا...لماذا؟.
أولا: لأنّ ولاية الفقيه ذات الصناعة الخمينية تصادر أية تعددية سياسية أو حزبية، بدليل أنّه لا وجود لأية أحزاب في إيران الخمينية، فالحاكم هو ولي الفقيه وجماعاته من الحرس الثوري فقط.
ثانيا: المصادرة الدائمة لحرية الرأي والتعبير، بدليل القمع الدموي الدائم لمظاهرات الشعب الإيراني السلمية المطالبة بالديمقراطية، ويقودها أئمة معروفون في مستوى مير حسين موسوي ومهدي كروبي الذين يصرخون علنا عند قيادة تلك المظاهرات ( مستعدون لتقديم أرواحنا فداءا لديمقراطية الشعب الإيراني).
ثالثا: من يتخيل نسبة البطالة والفقر والأمية في دولة من أغنى دول العالم بالثروة النفطية؟. إذ تشير التقارير الإيرانية الرسمية إلى أنّ نسبة الفقراء في إيران تتعدى 43 %، وقد أكّد ذلك مسؤول إيراني سابق هو السيد حسين راغفر مستشار وزير الضمان الاجتماعي إذ قال في تصريحات صحفية لجريدة الوطن السعودية ( أنّ ظاهرة الفقر انتشرت في إيران في السنوات الأخيرة، وأنّ تلك الظاهرة بدأت تنتشر في جميع المحافظات الإيرانية). أمّا الباحثة الإيرانية فاطمة كودزري فتقول: quot; إنّ الخيرات الكبرى في إيران لا تتوزع بالعدالة على المواطنين، وأنّ الحكومة ورغم شعاراتها البراقة بالقضاء على الفساد واللصوص وقعت في فخ اللصوص. إنّ فقراءنا ينامون على كنوز الذهب لكن بطونهم غير ممتلئة بالخبز واللحم لأنّ تلك الكنوز قد أسيء استخدامها من قبل السياسيين quot;. هذا مع اعتراف المسؤولين صراحة أنّ الفقر والبطالة والإهمال نسبته أعلى بكثير في المحافظات السنّية.
ورغم كل الضجيج والمشاكسات حول البرنامج النووي فإيران الملالي لا تستكيع تكرير أكثر من نصف حاجتها من البنزين، أي أنّها تصدّر النفط الخام وتستورد حاجتها من البنزين المكرر، وحسب التصريحات الإيرانية الرسمية فإنّ البرنامج النووي الذي أعلن عن بدء تشغيله لن تزيد امكانية انتاجه عن 60 ميجا وات أي ما يغطي فقط 3% من حاجة إيران من الكهرباء. فهل كان هذا المستوى من الانتاج الكهربائي يستحق هذا الصراخ والضجيج الذي وضع إيران شعبا وحكومة في عزلة دولية تتفاقم سلبياتها على الاقتصاد والمواطن الإيراني؟
رابعا: مصادرة حقوق كافة القوميات غير الفارسية، ومنها عرب الأحواز المحتلة بلادهم من عام 1925 ، ويمنعون من استعمال لغتهم العربية، بينما دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ قيامها عام 1948 وهي تسمح للفسطينيين باستعمال لغتهم وثقافتهم العربية التي خرّجت لنا عباقرة أمثال محمود درويش وإميل حبيبي وسميح القاسم وتوفيق زياد وسلمان مصالحة وغيرهم كثيرون. وفي نفس السياق يمنع أهل السنّة من ممارسة عباداتهم على الطريقة السنّية أو فتح مساجد خاصة بهم أو تسمية أطفالهم بأسماء عربية، وتفرض عليهم عنوة أسماء فارسية.

وأخيرا محاولات التخريب في الأقطار العربية
ومن يستطيع نسيان احتلال الجزر الإماراتية الثلاثة من زمن الشاه عام 1971 ، ويستمر نظام الملالي منذ ما يزيد عن ثلاثين عاما في الاحتلال نفسه. فبماذا يختلف عربيا عن نظام الشاه؟. والتهديدات المستمرة للبحرين والكويت وكافة دول الخليج العربي. وكانت القشة التي قصمت ظهر الملالي هي المحاولة الأخيرة لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير. ويكفي تصريح الرئيس السابق للاستخبارات السعودية الأمير تركي الفيصل في مؤتمره الصحفي يوم الأربعاء الثاني عشر من أكتوبر، غذ قال: ( أنه ثمة ادلة دامغة على أنّ إيران تقف وراء مخطط قتل السفير السعودي في واشنطن ولا بد أن تدفع الثمن ..الأدلة المتوافرة دامغة.. وتظهر بوضوح مسؤولية إيرانية رسمية عن ذلك. سيتعين أن يدفع أحد في إيران الثمن، أيا كان مقامه....إن المخطط المفترض لقتل السفير شديد الجرم بما لا يوصف ). لذلك فهذا النموذج الإيراني المصنوع على يد الملالي لا يستحق أن يستورده العرب ويروج له بعضهم. لا نريد مزيدا من القمع والديكتاتورية والفقر والبطالة، ونضال الخطابات الفارغة الجوفاء. ولا نريد حاكما أيا كان اسمه يعتبر نفسه وكيلا لله في الأرض لا يمكن محاسبته أو نقده، بعد أن بدأت شعوبنا الإطاحة بطغاتها، لأنّ حاكما يدّعي أنّه وكيل لله في الأرض من الضعب مقاومته والإطاحة به. أي استبداد مدني يمكن مقاومته أمّا الاستبداد بإسم الدين والدين منه براء من الصعب مقاومته.

ورغم ذلك لا أطالب بالعداء مع إيران،
فقط فلتعط الشعب العربي الأحوازي حقه في الاستفتاء حول مصيره كما فعل الشاه عام 1970 مع الشعب البحريني الذي صوّت بالإجماع للاستقلال، فرضخ الشاه لإرادة الشعب البحريني. ولتنسحب إيران من الجزر الإماراتية الثلاثة المحتلة منذ عام 1971 ، وتكفّ عن محاولات التخريب والتهديد لأقطار الخليج العربي خاصة. أما بعد ذلك فالشأن الإيراني الداخلي فهو من مسؤولية الشعب الإيراني كما هي الشؤون العريبة الداخلية مسؤولية شعوبها .
[email protected]