من جديد، ومنذ ما سمي بالربيع المصري quot; الثوري، يتساقط أقباط ضحايا لعقلية الكراهية والتمييز والغوغائية الدينية. هذه المرة هي حملة دموية وإعلامية شرسة، وعشرات القتلى والجرحى، ومنهم من قتلوا دهسا بالمدرعات العسكرية!
حكام مصر الجدد هم الذين أطلقوا سراح المئات من المتطرفين السلفيين، وإخوانيين مطلوبين للعدالة، وعددا آخر من دعاة الكراهية والعنف. وهم سمحوا لأمثالهم بالعودة، ومنهم متهمون بالقتل. وحكام مصر، وكالنظام السابق، صمتوا صمت أهل الكهف تجاه كل عدوان على كنيسة وعلى الأقباط وبيوتهم، وتجاه الهجمات على سفارتين ومراكز أمنية؛ وهم، واستمرارا للسياسات السابقة، لا يبحثون عن حلول عملية ووطنية وإنسانية لمشكلة بناء الكنائس، فيما بناء المساجد على قدم وساق وكأن الوطن ملك المسلمين وحدهم.
وكالعادة، فإن حكومة مصر،[ التي نزل رئيسها للميدان بحثا عن الشرعية وأعاد تشكيل الوزارة حسب رغبات الميدان]، راح يتحدث عن quot; المؤامرةquot; الخارجية في محاولة لصرف النظر عن جذور المشكلة أسبابها العميقة، وعن مسئولية المتطرفين الإسلاميين والمخدوعين بهم من بسطاء الناس، كما مسؤولية الإدارات الحكومية، ونظم التعليم والإعلام ومفرداتهما.
إن جذور المشكلة القبطية هي في ثقافة كراهية غير المسلم المهيمنة على الشارع، والمتسللة حتى للقوات المسلحة، التي لم نرها تضرب بالنار سلفيين يهاجمون كنيسة ويحرقون بيوتا، بل وجهت النيران لأقباط متظاهرين سلميا. أجل، هذه هي الحقيقة: إنها عقلية كراهية الآخر غير المسلم، وميول التمييز العنصري والديني المعشعشة في عقول ونفوس الكثيرين. إنها الثقافة المعادية للديمقراطية وحقوق الإنسان التي يُغسَل بها دماغ المصري المسلم وهو صغير في البيت، والمدرسة، والزقاق، والشارع؛ وهي الثقافة التي قلنا إن أية ثورة ديمقراطية وأي بناء ديمقراطي لا يتمان بها، بل هي نقيضهما تماما مهما راج الحديث الطنان عن الربيع، وعن الثورة، وعن الديمقراطية- وهو ما تناولناه في المقال السابق، الذي اعترض عليه البعض، وأيده آخرون.
نعرف أن المجلس العسكري نفسه في محنة مواجهة جملة من التحديات والمخاطر الكبرى، وأمام حزمة من التشابكات والمزايدات والمنافسات السياسية، وتدخل رجال الدين حتى غدت خطب ميدان التحرير هي مرجعية سياسية لمن ينتسبون للانتفاضة. كما أن ليس كل رجال المجلس يتمعتعون بالتجربة السياسية المناسبة للوضع المعقد الجديد، وهي التجربة التي كان يمتلكها أمثال عمر سليمان مثلا.
نعتقد أن أمام المجلس العسكري والحكومة مهمات وواجبات أن يسمحا بتشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة حول المجزرة الجديدة، وأن يقدما للقضاء العسكري حالا كل من ثبتت عليه تهمة ضرب المتظاهرين بالنار بلا مسوغ، ومحاسبة من بثوا الأخبار الملفقة من التلفزيون المصري، والضرب بقوة على أيدي السلفيين وكل المتطرفين. وأما الحلول الجذرية، فهي في إصلاح التربية والتعليم، وتنوير المصريين بالقيم الديمقراطية وقيم حقوق الإنسان، وبالتراث المصري الحديث نفسه، الذي رفع، منذ عقود كثيرة، شعار quot; الوطن للجميع والدين للهquot;.