دلت كل التجارب السياسية في العالم، ومنها تجاربنا العراقية والعربية، على فشل محاولات وأساليب خنق الحرية، وعلى النهاية التعيسة والبائسة للحكومات والجماعات التي تمارس العنف لكبح الحرية وهوس الاستبداد.
إن عراقنا المستباح قد شهد، بعد سقوط النظام البعثي، كما شهد من قبل، مآسي بعد مآسي من عمليات الإرهاب والاغتيالات، ومن القمع وخنق الحريات. كما شهد، مثلما شهدت المنطقة، نهاية المستبدين وزعماء للإرهاب في آخر المطاف.
لقد أريقت مؤخرا دماء الكاتب والصحفي والمخرج المسرحي، والناشط السياسي، هادي المهدي في عملية اغتيال سافلة، غادرة بكاتم صوت. والقتل بالكواتم أصبح quot;مودةquot; بامتياز منذ حوالي العامين دون أن يكون هناك تحقيق جدي حكومي، أو قضاء جاد لمعرفة الجهات التي تقف خلف هذه الجرائم الدموية وإحالتها للقضاء. وهذا وضع لا يشرف الحكومة ولا البرلمان ولا القضاء. والشهيد هادي كان قد اعتقل، وعذب، وأهين بتهمة التظاهر والحث عليها، مع أن التظاهر حق دستوري وأحد حقوق الإنسان المعتمدة دوليا وعراقيا، ما لم يمارس المتظاهر أعمال عنف وتخريب، وهذا ما لم ينطبق على المظاهرات التي شارك فيها الفقيد.
إنه ليس بالإمكان اليوم معرفة الجهة التي دبرت القتل ونفذته، ومن السابق لأوانه فعل ذلك بلا قرائن وأدلة دامغة. وأيا كانت الجهة المسئولة، فمما لا شك فيه أن حكومة المالكي وشخصه يتحملان جزءا كبيرا من المسئولية نظرا لأن جرائم مماثلة كثيرة قد نفذت دون أن تقوم الجهات الأمنية المختصة بكشف القتلة وتقديمهم للقضاء. والسيد المالكي، الذي يدير حتى اليوم الوزارات والأجهزة الأمنية والقيادة العسكرية العامة يتحمل، بحكم مناصبه، مسئولية استثنائية لكي يتخذ كل التدابير الضرورية لكشف الحقيقة، وإعلام الرأي العام بذلك.
إن رئيس الحكومة العراقية قد وضع نفسه في موقف لا يحسد عليه عندما حرض في البداية ضد التظاهر والمتظاهرين، ووجه تهم البعثية لشبان مخلصين لشعبهم وينادون بالإصلاح سلميا، وعندما تسامح مع من يسمون أنفسهم بفرسان دولة القانون للعدوان على المتظاهرين أكثر من مرة، وعندما يسمح لمليشيات مقتدى الصدر وحزب الله والكتائب المتعددة بممارسة عمليات القصف والعربدة والتهديدات دون ردع، وكأن هناك دولا داخل الدولة الواحدة. وهذا وضع يسئ للمالكي نفسه، فضلا عن إساءته للعراق وأمن العراق وسيادته. وأعرف أن ردع هذه المليشيات ليس بالأمر البسيط، ونعرف كم يضلل الصدر من جماهير، والسند الإيراني القوي من وراء هذه المليشيات. ومع ذلك، فهناك واجب الدولة تجاه الشعب والقانون.
إن الحكومة والأجهزة الأمنية والقضائية مدعوة للإسراع بالعمل لكشف الحقيقة عن مقتل الشهيد هادي المهدي لينال المجرمون جزاءهم العادل، ولتستقر راضية مرضية روح هادي، وترتاح عائلته وأصدقاؤه ومحبوه.
لقد ذهبت دماء الكثيرين من أخيار العراق ومن أبرياء الشعب هدرا في هذا العراق المضطرب، المختطف، المستباح، وقد آن الأوان لكي تهيمن سيادة القانون، وتسود الحرية، وتنتصر حقوق الإنسان. وآن الأوان لتقص العدالة من القتلة، ابتداء من قتلة الشهيد عبد المجيد الخوئي، وانتهاء [ حتى يومنا] بقتلة الشهيد المهدي. إن الحكم مسئولية، والقضاء العادل والمستقل مسئولية، وهذا لمن يعرفون معنى المسئولية! وإذا كان اللجوء لمساعدة منظمات دولية مختصة للمشاركة في التحقيق ضروريا للشفافية، فليكن.
وبانتظار التحقيق العادل، النزيه ونتائجه، نحيي ذكرى الشهيد هادي المهدي! وتبا لقاتليه الجبناء!