عزيز الحاج
بعد المغرب، يبادر الأردن أيضا مسيرة الإصلاحات المتدرجة.
الممكلة الأردنية دولة صغيرة، ولكنها مهمة عربيا ودوليا. إنها ذات ثروة كبيرة من الكفاءات العلمية والبشرية، ولكنها غير غنية الموارد مثل كثير من دول المنطقة. وللأردن مشاكل كثيرة ومزمنة، سواء اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، ناهيكم عن علاقته المباشرة بقضايا الصراع الفلسطيني ndash; الإسرائيلي. فالوضع الأردني صعب، ومعقد، وهو يتأثر بما يجري حوله: من العراق، فسوريا وبقية أنحاء المنطقة.
إن ما أعلن عنه مؤخرا من جملة إصلاحات دستورية وسياسية لا يكفي لحل جميع مشاكل البلاد، ولكنه خطوة إيجابية ومهمة في الطريق الطويل والمتعرج والصعب نحو التغيير المطلوب وحل مشاكل البلاد في مختلف المجالات.
لقد عبرت مرارا عن ترجيحي لطريق الإصلاحات الإيجابية السلمية والمتدرجة، كلما كان ذلك ممكنا، أي كلما كان الحكام مرنين وعلى استعداد للإصغاء لمطالب الشعب وصوت الحكمة وليس مجابهة مطالبه المشروعة بطلقات الدبابات. وكما نعرف، فإن للأردن عاهلا ومسئولين من هذا الطراز، وبرغم أنه لا يمكن اعتبار الأردن ديمقراطيا نموذجيا، فإن فيه مساحة طيبة من الحريات، ومؤسسات دستورية، وبرلمانا، وحرية صحافة، ومؤسسات تعليمية وجامعية متميزة- ناهيكم عن السياسة الخارجية الأردنية المعتدلة في الحقلين الإقليمي والدولي، وهذا مهم جدا.
الملكية الأردنية لم تصبح بعد ملكية دستورية على نمط الملكيات الغربية، ولكن النظام الأردني ليس دكتاتوريا أو استبداديا دمويا، وإن تطبيق ما أعلن عنه من رزمة إصلاحات، واستكمالها- فيما بعد- برزم أخرى كفيلان بوضع الأردن في المسار الصحيح ndash; المسار المؤدي لدولة الديمقراطية، والتقدم الاقتصادي والتقني والعلمي، والعدالة الاجتماعية، والعمل، واستئصال أية ظاهرة فساد.
إن تهاوي بعض الأنظمة العربية، وآخرها القذافي، هو بشارة مفرحة، وكان حتمية تاريخية، وإن كنا لا نعرف بعد كيف سوف تنتهي الأمور، وأية أنظمة بديلة سوف تقام. ودعم الانتفاضات الشعبية الجارية، ومنها الانتفاضة السورية واجب وطني وإنساني، وكذلك هو واجب التحذير من أية احتمالات سلبية محتملة مع تمنيات المستقبل السعيد.
أما ما جرى في المغرب والأردن، فإنهما مبادرتان للإصلاح من أعلى، لا تدعيان نهاية الشوط بل مجرد بدايته، ولكنها بداية حسنة، ولا ينبغي تثبيطهما بالتوبيخ والنقد القاسي بحجة أنهما لم تلبيا كل المطالب دفعة واحدة. إن المهم هو أن هناك نية جادة لتفهم الظروف الداخلية والعربية والدولية الجديدة، وما تتطلبه من إصلاحات بالمزيد من الانفراج السياسي ومكافحة الفساد وحل مشكلة الضائقة المعيشية وإجراء الإصلاحات الاقتصادية، مع ضمان الاستقرار الذي يشجع الاستثمارات الأجنبية والسياحة، ويضمن أمن المواطنين والبلاد.
لقد أثبتت تجارب العراق ودول كثيرة أخرى أن بعض المعارضين لسياسات حكومية خاطئة، ممن يرفعون راية الديمقراطية، يكشفون أنفسهم عن أعداء للديمقراطية وحقوق المواطنة وللنزاهة، ما ان تسنح لهم فرصة الصعود للسلطة. وفي مقدمة هؤلاء هم إسلاميون من المذهبين. ولنا في العراق مثال لا نحسد عليه مع الأسف!! وها نحن نرى سلوك ومناورات إخوان مصر وبقية الإسلاميين هناك، فبعد فترة قصيرة من الكلام عن الدولة المدنية، عادوا لكشف أوراقهم، فإذا هي لا مدنية ولا ديمقراطية بل شعارات الدولة الإسلامية. وراحوا يهاجمون القوى العلمانية، ويوجهون إليها الاتهامات، واليوم يريدون quot;ضبطquot; السياحة بمقاييس quot; إسلاميةquot;. وهذه هي البداية لا غير بينما هم لا يزالون بعيدين عن السلطة. فكيف لو شكلوا أكثرية برلمانية، وشاركوا في السلطة؟ ترى أية قوانين وquot;حدودquot; سوف يدعون لها ويعملون على فرضها!!
كما نعرف أن إخوان الأردن وإسلامييه الآخرين قد مارسوا سياسة العرقلة والمشاكسة ومناورات المزايدة باستمرار، وبالتالي، فإن موقفهم السلبي من رزمة الإصلاحات لا يصلح حجة للحكم عليها سلبا. نعم إنها غير كافية، وهناك مطالب كثيرة تجب تلبيتها، ولكنها البداية الطيبة، البداية الجديرة بالترحيب والتشجيع، مع مراقبة التنفيذ، ومع نقد أي تقاعس أو خلل عند التنفيذ.