نحن بانتظار الإعلان عن تفاصيل جديدة للعملية الأميركية التي انتهت بمقتل بن لادن. وإلى ذلك الحين، فمن المفيد متابعة بعض ما قراناه من ردود فعل عربية وإسلامية حتى الآن.
إن اتجاهات معظم ردود الفعل على مقتل زعيم الإرهابيين هذا وتاجر الموت والكراهية تؤكد من جديد على تأصل عقلية كراهية الغرب والانبهار بأعدائه حتى ولو كان ضحاياهم من المسلمين بالمئات؛ كما تؤكد ثانية على أن عقلية المؤامرة هي أشبه بالغريزة في الفكر العربي والثقافة السياسية العربية والإسلامية.
بن لادن كان حامل عقلية سادية تستلذ القتل وهدم سعادة الآخرين، وتكره الحياة -[إلا لنفسه وأسرته]. كان رمزا لكراهية الآخر، والوحشية، والشر، وإن التعاطف معه، صراحة أو بقناع وأكثر من قناع، لا ينسجم لا مع القيم الدينية ولا مع الأخلاق وحس الضمير، ولا مع طلب العدالة، ولا مع التحضر. وإذا كانت العقلية العربية تستسيغ تمجيد قادة عرب ومسلمين فتحوا بلدان الآخرين بالحديد والسيوف، وحولوا الكنائس مساجد، واستباحوا الأعراض، وتاجروا بنساء الآخرين، ودمروا كبريات المكتبات -حتى في دول عربية كمصر-، فكيف نستغرب منها التعاطف، الصريح أو المضمر، مع مجرم ملطخ اليدين بدماء الآلاف من البشر، من مسلمين وغير مسلمين؟!
هناك من يدعون أنهم ضد أساليب بن لادن ولكنهم مع قضيته؛ لكن أية قضية؟! فلسطين، وهو الذي لم ينفذ أية عملية ضد إسرائيل؟ أية رسالة خيرة كان يحملها ليتعاطف معها البعض ومنهم الإخوان المسلمون؟
إننا لا نعرف بتفاصيل العملية الأميركية، وربما سوف ينشر كامل هذه التفاصيل قريبا، ولكن هذا لا يبيح التشكيك في مقتل بن لادن ما لم ير المتشككون جثته، كما يعلنون. وكانت صحيفة الحياة نفسها قد نقلت في عدد 3 منه خبرا عن quot;مجاهدين أفغانquot; قالوا إنهم اتصلوا بإخوانهم في باكستان فأكدوا لهم نبأ مصرع الرجل. والطريف أن لبنانيا من حزب الله في عاصمة غربية قال لأستاذ جامعي عربي منذ أيام إن صدام حي وإن من قتل هو شبيهه، وأن ولديه لم يقتلا بل هما اليوم في فلوريدا، تنفيذا لاتفاق مسبق بين صًدام وأميركا! و خريج جامعي عربي قال للأستاذ نفسه إن تسوماني اليابان فعلة أميركية! وكانت روايات عربية وإسلامية عديدة قد زعمت عام 2005 بأن تسونامي، الذي ضرب جنوب شرقي آسيا في ذلك الوقت، كان بفعل تجارب نووية أميركية وإسرائيلية وهندية. وفي 3 فبراير من العام نفسه، ادعت الصحفية السعودية سهيلة حماد بأن الأميركيين يقولون :quot; خلال الثلاثين سنة القادمة، سوف نبيد الإسلامquot;، وإن من أهدافهم للتدمير السعودية ومصر وإيران وسوريا والسودان. الصحفية كانت من حين لحين تقول إنها لا تؤمن بنظرية المؤامرة وquot;لكنها الحقيقة والله العظيمquot;. ولا أدري هل هي اليوم تفسر الانتفاضات العربية المتتالية بتنفيذ لخطة quot;الإبادة الأميركية للإسلام وبلدان الإسلام!!!؟ وفي العام نفسه، ادعى صحفيون سوريون وسعوديون بأن الجنود الأميركيين كانوا يسرقون أعضاء من أجساد العراقيين. وأحد قادة حراس الثورة الإيرانيين، يحيى رحيم صفافي، قال للفتاة التلفزيونية الإيرانية في 16 فبراير 2005، بأن الجنود الأميركيين في الفلوجة كانوا يبيعون أعضاء الأموات العراقيين. أما الصحفي السوري حسن يوسف، فكتب في 16 فبراير من العام نفسه أن quot;الكيان الصهيونيquot; وراء اغتيال الحريري. والصحفي المصري سيد نصار قال للقناة المصرية الثانية في 6 فبراير أن الانتخابات العراقية كانت إنتاجا مسرحيا قام به صانعو الأفلام الأميركية.. وهكذا وهكذا، والقائمة طويلة لو أردنا استعراض ما نعرف ونتذكر من حكايات quot;المؤامرةquot;؛ ولعل أكبرها الزعم الشائع بان 11 سبتمبر كان صنيعة المخابرات الأميركية مع أن ابن لادن ظهر فورا لتبني الجريمة، وظهر في العام التالي أيضا للاحتفال بذكراها الأولى. هنا قالوا إن الصورتين مزيفتان!
الكتاب والمثقفون العرب المنصفون والموضوعيون رحبوا من القلب بمصرع رمز الجريمة والشر، ولكن هؤلاء هم، مع الأسف، أقلية وشبه محاصرين. وها، مثلا، إن بعض فقهاء التعصب السعوديين يواصلون ملاحقة الكتاب السعوديين اللبراليين ويشهرون بهم ويحرضون ضدهم.
فقيه الكراهية والعنف، عمر بكري، المطرود من بريطانيا والموجود في لبنان والمحكوم عليه بالمؤبد، راح يعزي quot; الأمتين العربية والإسلاميةquot; بوفاة quot;قائد عظيمquot;، مؤكدا مدى تعاطفه مع فكر وأساليب بن لادن، ومبرهنا على مشروعية إدانته والحكم عليه.
الإخوان المسلمون في مصر ارتبكوا عند سماع النبأ. كان أول تعليق أنهم ضد استخدام العنف أيا كانت الجهة المستخدمة- قاصدين هنا أميركا. ثم عادوا لإدانة طريقة قتله، وسموه اغتيالا[ الفرق كبير]، وطالبوا أميركا بالانسحاب الفوري من العراق وأفغانستان.
في غزة، يعلن رئيس الوزراء أن بن لادن كان quot;مجاهدا عربيا ومسلما كبيراquot;. وأسأل، ما هو رأي الأخ أي مازن، وقد وقع للتو على اتفاق quot;مصالحةquot; مع حماس دون أن نعرف على أساس أي برنامج سياسي وخلفية فكرية!؟
كثيرون، ومنهم شيخ الأزهر ومفتي مصر، نددوا بإلقاء الجثة في البحر، والأكثرية شككوا في أنه دفن في البحر بعد مراسيم دينية إسلامية، وكأنه ليس في الجيش الأميركي مئات من المجندين الأميركيين المسلمين المتدينين. وقضية البحر هذه مرشحة لتصير قصة عنتر لتغطية ما اقترفه الرجل من جرائم بحق الأبرياء من مختلف الأجناس والأديان والأعمار، وفي بلدان عربية: [مصر، والسعودية، اليمن، العراق، المغرب، تونس ، أندنوسيا، ألخ] ، ودول أجنبية. ولم نجد أكثر هؤلاء المتباكين على تحريم دفن البحر من جاء بسيرة تلك الجرائم الوحشية الشنعاء التي لا علاقة لها بالمثل الإنسانية والقيم الدينية.
أما ما يصد أكثر من سواه، فهي تصريحات وزير الخارجية المصري- الذي يتحفنا من وقت لخر- بتصريحات تغازل إيران- حيث قال، لا فظ فوه، إنه ضد كل عنف، بما في ذلك quot;عنف الدولةquot;- قاصدا أميركا. وها هي الحكومة المصرية على وشك مطالبة أميركا بإطلاق سراح عمر عبد الرحمن، الرمز الإرهابي السجين، المتلبس بجريمة تفجير مركز التجارة عام 1993 . وكانت حكومة مصر قد أطلقت سراح عبود الزمر وغيره من أبطال التكفير والجهاد وقادة من الإخوان المسلمين، مثلما تشكلت لجنة لتعديل الدستور برئاسة إسلامي معروف وعضوية اثنين من الإخوان. وتعلن الحكومة أنها ستلبي كل طلبات سكان قنا، الذين انفجروا ضد محافظ قبطي؛ كما يعلن المجلس العسكري أنه سيطلب ظهور المرأة المسيحية كاميليا لترضية السلفيين الإسلاميين الهائجين، الذين لهم كل يوم مظاهرة ضد الكنيسة القبطية، وكل يوم اعتداء بلا ردع قانوني. ترى، هل يحق السؤال: مصر إلى أين؟!
أحد الكتاب، الذي حاول أن يكتب بموضوعية في صحيفة quot; الحياةquot;، أدان معظم ردود الفعل التي ذكرناها، باستثناء الرمي في البحر، ولكنه ندد أيضا، وبقوة، بفرحة الشعب الأميركي لسماع الخبر، معتبرا ذلك quot;تشفياquot; مدانا، وquot;غرورا واستعلاءquot;، ومعيدا إدانة الوجود الأميركي في العراق وأفغانستان، ومطالبا بتغيير السياسة الأميركية نحو العرب والمسلمين؟؟ وطبعا لم ينس- ككثيرين من الكتاب العرب - شتم جورج بوش، زعيم quot; الليكوديين والمحافظين الجددquot;، الذي تذكّر الفرحة الشعبية الأميركية بquot;غروره واستعلائهquot; على العرب والمسلمين! وشتم جورج بوش- [بحجة quot;تدمير العراقquot;] - هو بمثابة ملح الطعام في الغالبية العظمى من الكتابات العربية. ولعل ما كتب في تجريم بوش هو عشرات وعشرات أضعاف ما نشر في الإعلام العربي في إدانة عمليات بن لادن. وهذا من ذاك. ونرى، مرة أخرى، مدى صمت الإعلام العربي عن دوره هو، ودور العرب عموما، في التخلي عن عراق ما بعد صدام ـ بل والتحريض على العنف والإرهاب باسم quot;مقاومة المحتلquot;، وهي مواقف كانت عاملا من عوامل سهلت لإيران الهيمنة على العراق.
إن مقال هذا الكاتب الفاضل مثال آخر على أنه حتى بعض الكتاب الذين يحاولون الكتابة بموضوعية- [أقول بعض لا جميع] ndash; تقف كتاباتهم، عمليا، وفي الجوهر، ومهما كانت نواياهم حسنة، في صف من أوردنا ردود فعلهم. وعلى كل حال ، فإن الموضوع كله لا يزال مفتوحا للسجال.
التعليقات