مرة أخرى، هو عن سكان معسكر أشرف في العراق. والخبر الأخير هو عقد اتفاقية عراقية مع إيران لتبادل quot; المطلوبينquot;- ونعرف أن ليس في إيران من هم مطلوبون للحكومة العراقية الحالية، وحتى لو كان هناك مطلوبون، كبعض كوادر القاعدة، فهم تحت رعاية ولاية الفقيه يستغلهم لتخريب أمن العراقيين، كما حدث مع الزرقاوي وعشرات آخرين. فquot;المطلوبونquot; المقصود بهم هم سكان أشرف لا غير.
بعد المذبحة المالكية الأخيرة لسكان المعسكر، والعدد الهائل من القتلى والجرحى بالرصاص أو سحقا بالمدرعات، تتالى الأخبار عن قرب تسليم الحكومة العراقية لعدد كبير من سكان أشرف للمقصلة الخمينية، وتشريد الآخرين من نساء وأطفال ومسنين.
قضية لاجئي أشرف فريدة ومعقدة. وكانوا تحت حماية القوات الأميركية بعد نزع سلاحهم كاملا، وتعهدت الحكومة العراقية، بعد تسلم الإشراف على المعسكر، بضمان حمايتهم والمواثيق الدولية. وبرغم تحذيرات وفد الأمم المتحدة وعدد من الحكومات الغربية والمنظمات الإنسانية، فلا شيء، كما يبدو، سيثني المالكي وكل شركائه في الحكم، من ضرب التعهدات عرض الحائط لترضية الشهية الإيرانية المنفتحة دوما للقتل [ لحد عام 2001 فقط بلغ عدد عمليات الإعدام في إيران أكثر من 150000، وإيران لا تزال في مقدمة الدول التي تمارس الإعدام، حتى ان التظاهر صار عقوبته الإعدام.]
يقال إن من حق الحكومة أن تتصرف بهؤلاء اللاجئين من منطلق السيادة. ولكن السيادة لا تعني انتهاك التعهدات الثنائية والدولية والتحلل من القانون الدولي والإعلان الدولي لحقوق الإنسان. ويقال إن من حق الحكومة أن تشتت هؤلاء بين مدن العراق وقراه، وكانت قد حاولت أن ترسلهم لبعض محافظات الجنوب ولكن مجلس المحافظة عارض. ونقول إن قضية هؤلاء فريدة، فهم ليسوا لاجئين من دول مختلفة وجاءوا في فترات متباعدة ولا يعرف أحدهم الآخر لكي يسكن كل منهم، بلا مشاكل وعواقب إنسانية، في مدينة ما، بل هم كتلة لاجئين كان لهم ولا يزال مصير واحد، سواء دولة الأصل أو سبب اللجوء، أو مشاركة المصير الواحد.
بالنسبة للحكومة العراقية وإيران يبدو أن الوضع الراهن في المنطقة هو الأنسب لتنفيذ الرغبة الإيرانية القديمة في نحر سكان أشرف وإبادتهم. فالعالم مشغول بالفوران الجاري في سوريا وليبيا واليمن واستمرار فوران مصر وتونس، وبقاء مشكلة البحرين والمطالب العادلة للمعارضة المعتدلة التي غطى عليها القمع الحكومي والمزايدات السياسية للأقلية في المعارضة التي مارست العنف بدورها وحولت المستشفيات لثكنات. وبينما يستمر نظام الفقيه في اللطم باسم مصلحة ومصير شيعة البحرين وإطلاق عربدات التهديد، فإنه يواصل قمع جماهير شعبه، دون تفريق بين شيعي وسني وفارسي وكردي وآذري وعربي، وهو اليوم يشتهي شرب دماء سكان أشرف وهم شيعة أيضا. وبينما يذرف دموع التماسيح على شيعة البحرين، [ وهو لا يفكر إلا في أن البحرين إيرانية وإلا في وجود الأسطول الأميركي]، فإنه وأتباعه في حزب الله وحماس لا يعبرون عن ذرة رحمة لضحايا نظام الأسد المتساقطين بالمدرعات بل هم يواصلون إعلان دعم هذا النظام الدموي الذي لا يريد التعلم من التجارب التي تمر أمامه.
إن من المؤسف أن أطراف الحكومة العراقية كلها مشتركة في خطة الغدر الإيرانية، مع تفاوت في الحماس. وأما quot; العراقيةquot;، فلم نسمع لها صوتا في الموضوع هذه الأيام برغم كثرة التصريحات والمقابلات. وهناك من يواصل القول إن سكان أشرف ساهموا في قمع انتفاضة 1991 العراقية. قول يتكرر ، ولكن:

1 ndash; لماذا لم تثر الحكومة العراقية هذا الموضوع مع الجانب الأميركي عند تسلم المعسكر وإعطاء الوعود باحترام حماية سكانه؟! لماذا لم تطالب بترحيلهم لبلد يختارونه بينما أعطت وعودا بحمايتهم؟! ونعرف أيضا، وكما كتبنا، كيف نسبت الحكومة- بعد تسلم المعسكر- اتهامات باطلة لسكانه، بينما هم محاصرون ومقطوع عنهم الطعام والدواء. وبلغ من بعض الاتهامات أن عرّض الحكومة لسخرية العالم مثل اتهام المالكي لهم بتزوير نتائج الانتخابات. ولكن كيف، بالله عليكم!!
2 ndash; لو كانت هذه المشاركة قد وقعت فعلا ويراد اليوم فتح موضوعها، فالأولى فتح موضوع الانتفاضة كله وبكل جوانبه: هل بضعة آلاف ه كانوا قادرين على سحق انتفاضة اجتاحت 14 محافظة وكادت تسقط نظام صدام، بينما كان لذلك النظام فيالق وفيالق من الجيش والحرس الجمهوري وفدائيي صدام واستخدام المروحيات العسكرية التي كانت تنقض لتبيد المئات والمئات في كل مرة؟

لابد وأن يفتح يوما موضوع الانتفاضة ليكتب التاريخ الصحيح لها وليس تاريخ quot; المنتصرينquot; الذي يطمس ما يريدون ويبرز ما هو غير موجود. لقد حوسب أركان النظام المقبور على جرائم تلك الأيام، وبقي فتح دور من ساعدوا، بممارساتهم وشعاراتهم الطائفية وسماحهم بدخول قوات حراس الثورة وفيلق القدس، بإعطاء المبررات لسحق تلك الانتفاضة الشعبية التي بدأت عفويا ولكن استغلتها التنظيمات الموالية لإيران وراحت ترفع شعارات مثل quot;ماكو ولي إلا عليquot;. وكان بوش الأب هو الذي حرض الشعب العراقي على الثورة، ثم تراجع عند بروز التدخل الإيراني والهوس الطائفي الذي أرعب طائفة كبيرة من سكان العراق والمنطقة. نعم، التاريخ الصحيح سوف يكتب يوما ما، أما الآن فأمامنا مشكلة ملموسة، مشكلة تعرض سكان أشرف لتسليمهم للجلاد الإيراني. ومع أن أصواتا عراقية واعية، ولكن قليلة، قد ارتفعت تنديدا، فإنها غير كافية، ولابد من حملة عراقية ودولية لإنقاذ المحاصرين العزل من المذبحة الحتمية. وأقول: أيا كان تاريخ هؤلاء، فإن قضيتهم اليوم هي قضية إنسانية ولا يحق لأصحاب الضمائر الحية التهرب من واجبهم إزاءها.