فتح نظام الأسد، في quot; يوم النكبةquot;، الحدود [الحالية] مع إسرائيل من جهة الجولان المحتلة ليتدفق المئات من الشباب الفلسطيني في المخيمات وراء حدود سوريا، ولتكون النتيجة إراقة دماء فلسطينية جديدة.

النفاق واللعبة السوريان هنا جد مفضوحين. فبينما يواصل النظام حملته الوحشية الدموية على الشعب السوري، فإنه يلجأ إلى اللعبة المزمنة التي تحترفها الأنظمة لعربية، وأعني المتاجرة باسم فلسطين، وبعنوان quot; تحرير القدسquot;، في حين كان النظام حريصا، منذ احتلال الجولان، على منع أي اختراق للحدود، وكان يقمع بشدة كل من يحاول إطلاق رصاصة واحدة باتجاه إسرائيل. وكان النظام السوري، حتى هذا الوقت كله، يفاوض إسرائيل بالواسطة، ويفوض دولة وسيطة بعد أخرى، في لعبة ترضي غلاة اليمين الإسرائيلي، المطمئنين من الجانب السوري.

إن فتح الحدود اليوم دليل آخر على مدى تخبط النظام السوري وعمق أزمته الداخلية، التي يحاول اليوم ترحيلها لاسترضاء الشارع بدغدغة المشاعر القومية وبأمل تخفيف الضغط الشعبي عليه المطالب بالحرية والتغيير.

ومع المناورة السورية، التي كلفت مزيدا من الدم الفلسطيني، دفعت إيران، [مع سوريا]، بحزب الله لاختراق الحدود مع إسرائيل وبالعنوان نفسه:quot; تحرير القدسquot;. وكانت النتيجة دموية أيضا رغم ادعاء إسرائيل بأن الرصاصات القاتلة للفلسطينيين جاءت من الجانب اللبناني، بحجة أن الجيش الإسرائيلي لا يضرب إلا في القدم! إن نظام خميني، الذي يستعمل الوحشية في التعامل مع الشعب الإيراني، والذي يرسل السلاح والمرتزقة المسلحين للمشاركة في قمع السوريين، هو الآخر يريد استغلال المناسبة للمتاجرة بالقضية الفلسطينية وصرف النظر عن مأساة الشعب الإيراني، وعن الخطر النووي الإيراني، وعن تدخل نظام الفقيه في شؤون المنطقة.

هذان النظامان، اللذان وصفتهما بالنظامين الأكثر خطرا في المنطقة، لا يأبهان بالدم الفلسطيني؛ وكيف يأبهان وهما لا يأبهان بدماء شعبيهما بالذات!

إن القضية الفلسطينية لا تحل بزج المئات من الشباب الفلسطيني الأعزل لمواجهة النار الإسرائيلية، التي تبرر شراستها باختراق الحدود؛ بل إن إسرائيل تستغل أمثال هذه التحركات والبيانات العربية والفلسطينية في هذه المناسبة لتقول للمجتمع الدولي إن الفلسطينيين والعرب لا يعترفون بوجود دولة إسرائيل، فتتعكز على هذه الحجة لتبرير الاستمرار في التعنت والاستيطان. وهذا يفسر تصريحا لنتنياهو بأنه سيطلب أمام الأمم المتحدة أن يعترف العرب والفلسطينيون جهارا بوجود دولة إسرائيل، المعترف بها دوليا، لكي يقدم هو تنازلات، على حد زعمه، وكما قرأنا في الصحف.

إن طريق الدبلوماسية، دوليا، وبالمفاوضات المباشرة، هو وحده طريق تطمين حقوق الشعب الفلسطيني العادلة واسترجاع الأراضي المحتلة. فالحروب المتتالية أدت لخسران المزيد من الأراضي وزيادة أعداد اللاجئين الفلسطينيين، الذين يحنون للعودة والعيش بأمان. وأعتقد أن القيادة الفلسطينية الفتحاوية لا تفكر في غير الأساليب السلمية المتعددة الميادين، ولا أدري مدى جدية حماس حين تدعي أنها ستكون quot; معتدلةquot;!!

إن بالإمكان إحراج إسرائيل، وكسب المزيد من العطف الدولي، بأساليب أخرى غير اختراق الحدود والتضحية بالدم الفلسطيني.

لقد عانت الشعوب العربية الكثير جدا من مزايدات الأنظمة بهذه القضية العادلة، وفي مقدمتها الشعب المصري، الذي خسر في العهد الناصري ومغامراته كل مكاسب الحرية التي كان يتمتع بها في العهد الملكي. وكم من انقلابات ودكتاتوريات أقيمت في العالم العربي باسم quot; القضية المركزيةquot;، التي كثر المتاجرون بها على حساب المأساة الفلسطينية وقضية الديمقراطية والتنمية في البلدان العربية.

وقد لاحظنا أن القوات المسلحة المصرية حالت بين المتظاهرين المطالبين بquot; تحرير القدسquot; والعبور لسيناء للزحف باتجاه الحدود مع إسرائيل. وقد أحسنت الحكومة المصرية صنعا. ولكن الملاحظة هي أن قوى مؤثرة على الشارع المصري [ الإسلاميين بوجه خاص] تريد تحويل هموم الشعب والاستحقاق الديمقراطي باسم فلسطين أيضا، مع أن انتفاضة ميدان التحرير لم تشهد أي شعار بهذا الشأن، ولم تنظم خلال أكثر من ثلاثة شهور مظاهرة أمام السفارة الإسرائيلية والمطالبة بغلقها. لكن هذا ما يحدث الآن، في دلالة على أن قوى سياسية ودينية، [وربما أيضا بعض من في السلطة؟؟!!] يحاولون تغيير مسار الثورة باتجاه نوع من الصدام السياسي مع إسرائيل- هذا بينما مصر اليوم في أمس الحاجة للبناء واسترجاع موسم السياحة وتدعيم الاقتصاد وإعادة النظر في التعليم والبحث عن فرص عمل، ألخ؛ وليس زج مصر في منزلقات خارجية خطرة، وفي هذا الوقت بالذات، وهي التي قدمت، أكثر من غيرها، تضحيات بشرية، ومادية، وسياسية، ودبلوماسية من أجل القضية الفلسطينية .

أما النظام السوري، الذي فتح الحدود للتخفيف من الغضب الشعبي، فلا نعتقد أن هذه المناورة سوف تنجيه من حتمية التغيير نحو الحرية والديمقراطية والعدالة.