باتريك سيل، كما هو معروف، كاتب سيرة الرئيس السوري المتوفى، حافظ الأسد، وداعية متحمس لنظامه، وكاتب محترف في الصحافة السورية، واليوم كاتب مواظب في صحيفة quot;الحياة، واسعة الانتشار.
السيد سيل لم يفتح فمه عن الوضع السوري منذ اندلاع المظاهرات والاعتصامات، ولم يجد كلمة يكتبها تعاطفا مع ضحايا النظام الأسدي، ولنقد- مجرد نقد- البطش السوري الدموي المستمر بالمدفعية والدبابات. وطبعا هو لا يكتب عن إرسال إيران مرتزقة من جيش المهدي، وعناصر من حزب الله، ومن فيلق quot;القدسquot; للمشاركة في قمع المواطنين السوريين العزل، وإرسال إيران أسلحة محرمة لنظام بشار الأسد لمواجهة مطالبة الشعب السوري بالحرية والإصلاحات الديمقراطية.
ولكن هذا الكاتب المحترم هو نفسه يكتب مقالا مطنطنا في الحياةquot; عن مقتل المجرم الأكبر بن لادن، معتبرا ملاحقته وقتله- كما فعل الكوماندوز الأميركيون- quot; شريعة غابquot;. ولم ينس اتهام السياسة الأميركية بأنها هي التي quot;تساهم في مفاقمة التوترات المحلية، لاسيما بين العرب وإيرانquot;، في تبرير واضح لسياسات إيران التدخلية، المسئولة هي عن توتير العلاقات مع العرب، ومع الخليج خاصة؛ ولكن ذنوب إيران مغتفرة عند باتريك سيل مادامت حليفة النظام السوري ، وتدعم بطشه ضد الشعب السوري.
يقول الكاتب مثلا إنه كان ممكنا أن تحاصر القوات الأميركية منزل بن لادن وتطلب من القوات الباكستانية إلقاء القبض عليه. ولكن الكاتب ينسى شكوك الأميركيين والغرب عامة في وجود تواطؤ بين أجنحة من الجيش والمخابرات الباكستانية وبين القاعدة، وهي شكوك مبررة ومعروفة منذ سنوات طوال. فكيف إذن يمكن الاطمئنان إلى أن القوات الباكستانية سوف تقوم بالواجب- علما بأن تواطؤ بعض الأجهزة الباكستانية لا يعني بالضرورة تواطؤ الحكومة ورئيس الجمهورية، بل المرجح أن وجود بن لادن سنوات في باكستان كان من وراء ظهر الرئيس الباكستاني، الذي اغتالت القاعدة الراحلة زوجته بينزير بوتر.
باتريك سيل يكرر حملاته المعروفة، هو وكتاب من أقصى اليسار الغربي من أمثال نعوم شومسكي، أو وسائل إعلام كالغارديان [ زميلة الجزيرة وراعية قراصنة ويكيليسكس لمجرد أن حربتهم موجهة ضد أميركا] على الولايات المتحدة بسبب حرب العراق وحرب أفغانستان، ملتقيا في ذلك مع الإسلاميين وآخرين في العالم العربي في إلقاء المسؤولية على أميركا وليس على بن لادن والملا عمر وصدام. ونتذكر المظاهرات الصاخبة ضد حرب العراق قبيل شنها، وخلالها، وبعدها بمشاركة اليسار الغربي والإسلاميين والقوميين في الدول العربية، ولكل حساباته ومنطلقاته. ولا أريد التوقف هنا، فهو موضوع تناولته سابقا في مقالات كثيرة، سواء في إيلاف أو مواقع أخرى، أو في صحف مطبوعة، عراقية وعربية.
ويسأل الكاتب ماذا لو قرر أعضاء في حزب صدام تعقب وقتل توني بلير وجورج بوش، وهل هذا يعد إرهابا أو عدالة؟ يا للمغالطة الفجة والمكشوفة. لو تسنى لهؤلاء قتل من هم أقل أهمية من بلير أو بوش لما قصروا! وسيكون عملهم جريمة تضاف لجرائم النظام البائد، وعملية انتقام مجرمين لمن تسبب في موت مليوني عراقي وغزو الكويت. فهؤلاء يتحرقون للبطش بأي أميركي ولو كان مدنيا. وكان القرضاوي قد أصدر من quot;الجزيرةquot; فتوى بقتل كل أميركي موجود في العراق، مدنيا كان أو عسكريا. ولابد أن سيل يعرف أن معظم القوى المعارضة العراقية وأكثرية العراقيين قد رحبت، في حينه، بالحرب على صدام، وأن من قتلوا بسبب الحرب هم عدد لا يقارن بالأعداد الهائلة الذين اغتالتهم فلول صدام وأجهزة إيران والمليشيات الموالية لها والقاعدة؛ والقاعدة وحدها قتلت من العراقيين الأبرياء[ وهي تقتل لحد يومنا هذا] ما لا يقل عددهم عن المائة ألف. وإيران، التي يبرر سيل مواقفها وسياساتها، هي التي تعاونت وتتعاون مع القاعدة في العراق ضد أبناء العراق. [ سبق أن كتبت مرارا عن وجوب التمييز بين قرار الحرب لإسقاط صدام والوضع العراقي المتدهور الراهن. فلن أكرر هنا ما سبق التوقف عنده مرارا.]
إن قتل بن لادن كان مصدر ارتياح، ولا أقول شماتة، لكل محبي الحياة والديمقراطية في العالم، وإن كان ذلك لا يعني اختفاء خطر القاعدة وقوة بطشها التي قتلت من المسلمين آلافا مؤلفة، كما قتلت من الغربيين quot; الكفارquot;.
إن أمثال سيل وشومسكي والغارديان، المشبعين بهوس العداء لأميركا، ليسوا مصادر يمكن الاستشهاد بمصداقيتهم وأحكامهم؛ وبين قويسين نذكّر بالمعلومة الكاذبة التي أطلقتها الغادريان عن ثروة مبارك [ 70 مليار]، هي وquot;الجزيرةquot; وتبين أن المعلومة كاذبة لفقتها صحيفة جزائرية عام 2007 خلال حرب الكرة بين مصر والجزائر. نعم اعتذرت الغارديان دون الجزيرة، وهذا جيد، ولكن بعد فوات الأوان. والتذكير بهذه القصة لا يعني تبرئة عائلة مبارك من الفساد، ولكنه عن مدى مصداقية الغارديان. ونترك موضوع فساد أل مبارك للتحقيق القضائي المصري وليس للإشاعات والشبهات.
ويتحدث باتريك سيل عن القضية الفلسطينية وكأنها كانت من وراء ظهور بن لادن. هذه المغالطة لا تجدي الكاتب لأن بن لادن لم ينفذ عملية واحدة ضد إسرائيل،مثلما لم تنطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل من النظام الأثير عن الكاتب- سوريا. وإذا كانت إسرائيل تتحمل مسؤولية كبرى عن عرقلة قضية الصراع الإسرائيلي ndash; الفلسطيني بسبب غطرسة نتننياهو وحكومته ، فإن للفلسطينيين أنفسهم، وخاصة حماس، دورهم أيضا. وقد وصلت جهود الإدارة الأميركية السابقة إلى اتفاق أنابوليس بين الطرفين، ثم تغير الموقف كما هو معروف- آملين أن تفلح الجهود أخيرا في استرجاع الأرضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية.
لقد بين العديد من الكتاب العرب الموضوعيين، على مدى سنوات، في مقالاتهم ودراساتهم، كما بينا في مقالات عديدة، بأن قضية القاعدة وبن لادن هي قضية الأيديولوجيا quot;الجهاديةquot; المسيسة، الهادفة لتطهير العالم من quot;الكفارquot; غير المسلمين، وكذلك من الأنظمة المدانة عند القاعدة في العالم الإسلامي، وبناء دولة الخلافة الإسلامية العالمية بقيادة القاعدة؛ الدولة التي تستثني المسلمين العلمانيين والديمقراطيين وكل مسلم لا يجاري هذه الأيديولوجيا الظلامية المجرمة، وأساليب حامليها الموجهة لنشر الرعب والقتل الجماعي. والقاعدة تعكزت ليس فقط على القضية الفلسطينية، بل لها في كل يوم تبرير سياسي جديد لجرائمها، وحتى حظر النقاب في فرنسا واستهدافها في المحل الثاني بعد أميركا- علما بأن النقاب بدعة وعادة جاء بها المماليك وليست حجابا إسلاميا كما كان الحجاب في عهد الرسول- فضلا عن أن البرقع والنقاب مشكلة أمنية أيضا، وسبق لإرهابيين أن تبرقعوا في السعودية للهروب من رجال الأمن.
إن بإمكان القاعدة ابتكار مختلف الحجج واستغلال قضايا سياسية واجتماعية كثيرة لتبرير عدوانها المستمر على حرية البشر وحياتهم.
إن نقد الأخطاء في السياسة الأميركية هو من حقنا جميعا ومن واجبنا، ولكن بشرط أن ننتقد ما هو خطأ حقا، لا لمجرد هوس النقد والإدانة، هذا الهوس المعروف عن اليسار الغربي والإسلاميين وشريحة واسعة من المثقفين العرب. وقد انتقدوا أميركا في التسعينات بسبب البوسنة وعدم تدخل أميركا، ولكنهم زادوا النقد حين تدخلت وكان تدخلها في البوسنة وكوسوفو لصالح المسلمين. كما انتقدوا أميركا لمساندتها لحكام مستبدين، ولكن ما أن أزيح نظام طالبان ثم نظام صدام حتى اشتعل هؤلاء إدانة صاخبة وليومنا هذا. إذن، ماذا يريدون حقا!؟
ملاحظة أخيرة: لاحظت أن انتقاد العملية الأميركية انصبت أساسا على أميركا كدولة دون شخص أوباما. وهذا ملحوظ عند أكثر التعليقات العربية. ترى هل كانت القضية تكون بنفس الروح لو قتل بن لادن في عهد بوش الابن، المتهم عند بعض الكتاب بأن quot;جرائمهquot; quot;أضعاف quot; جرائم بن لادن، دون أن يبينوا أيار-مايو- 2011 كيف!!