رغم أن قضية بقاء قسم من القوات الأميركية، بعد تاريخ انسحابها نهاية العام، يشغل مختلف الدوائر السياسية العراقية وكل الرأي العام في العراق، فإن الملاحظ أن عددا من

الحلقة الأولى

الأطراف الوطنية تمتنع، لحسابات المزايدات السياسية، عن إبداء رأي صريح في هذا الموضوع الحساس.
طبعا، لا أحد يحب بقاء قوات أجنبية على أرض بلاده، إلا إذا كانت هناك ضرورات استثنائية، سواء لمواجهة أخطار محلية داهمة أو أخطار خارجية، يحتاج فيها البلد للعون الخارجي للنجاح في صدها.
مقتدى الصدر عبر صراحة ووضوح عن موقفه الرافض، الذي هو موقف إيراني صرف. حزب الدعوة أصدر بيانا ضد أي نوع من بقاء قوات أميركية. العراقيةquot; ليس لها موقف علني واضح، وهو ما لا يزيد في رصيدها السياسي. حكومة إقليم كردستان أعلنت أكثر من مرة عن ضرورة بقاء قسم من تلك القوات. وبحسب استطلاعات صحفية غربية نشرتها صحف عربية، فإن شرائح غير قليلة من المواطنين تخشى الغياب الكامل للقوات الأميركية، سواء خوف المزيد من الانفلات الأمني أو من أن تسد إيران الفراغ كاملا، أو خوفا من حرب طائفية جديدة. وحسب تقارير صحفية ميدانية، فإن بعض من كانوا يعارضون بقوة وجودا عسكريا أميركيا باتوا من الميالين لذلك.
فلنعد قليلا للوراء، لعام 2008، عندما كانت المفاوضات جارية بين المالكي وإدارة بوش حول موضوع الانسحاب. المالكي كان يصر على جدول زمني واضح، ويريد الانسحاب في أقصر فترة زمنية. ونذكر تصريحاته خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية عام 2008 في quot;دير شبيغلquot;، والتي أعلن فيها عن تأييده الضمني [ لا السافر] لموقف المرشح أوباما بتحديد 16 شهرا [ أي في ربيع 2010 ] للانسحاب الكامل. وعندما فهمت إدارة بوش من تصريحاته دعما للمرشح الديمقراطي، قيل إن هناك التباسا في الترجمة!! ومع ذلك فإن ما جاء في النسخة الرسمية العراقية من التصريحات هو التالي:
quot; رغبتنا في ضوء تطور الواقع الأمني والقدرات العراقية أن تكون [ مغادرة القوات الأميركية] في أقصر فترة زمنية. كلام أوباما أنه إذا استلم الحكم فإنه يسحب القوات حلال 16 شهرا. نحن نعتقد بأن هذه مدة تزيد أو تنقص قليلا قد تكون صالحة إلى أن ينتهي فيها وجود القوات في العراق- أي كان السيد المالكي يقدر أن المدة قد تكون شوية أقصر من 16 شهرا! وكان لب المشكلة في المعاهدة، التي كان يجري حولها التفاوض بين المالكي والطرف الأميركي، هو إصراره على جدول زمني للانسحاب فيما إدارة بوش كانت ترى أن الانسحاب أمر حتمي ولكن يجب تحديد زمنه فيما بعد، وفقا للوضع العراقي الميداني والسياسي. وفي حينه لاحظ الأستاذ غالب حسن الشابندر [ مقال إيلاف في 18 يوليو 2008 ] أن موقف المالكي لم يكن متفقا عليه داخل الحكومة، مضيفا quot;السيد المالكي، سواء كان في طلبه مستجيبا لضغط المرجعية الدينية أو مستجيبا لرغبة طاغية في داخله لمعاجلة من سوف يكتب عنه التاريخ القريب أو مستجيبا لحسه الوطني، يتواجه مع كثير من المشاكل التي ربما تعترض النزول في طلبه من مستوى النظرية إلى مستوى الواقع.quot;
وقد اضطرت إدارة الأميركية السابقة إلى ترضية رغية المالكي في الجدول الزمني، وهو لنهاية العام الحالي.
واليوم؟ هل انتهت الحاجات الأمنية والدفاعية السيادية لبقاء عدد من القوات الأميركية يمكن الركون لها، ليس في التدريب وحسب، كما يتردد اليوم، وإنما أيضا في مشاركة القوات العراقية لمكافحة الأخطار الأمنية الداخلية والخارجية؟ لا أعتقد، خصوصا وإن القوات العراقية مخترقة تماما، لاسيما بسبب الفساد وتسلل المليشيات الطائفية، والخطر القاعدي متواصل، والحدود العراقية مخترقة.
المالكي لا يريد إعلان موقفه بصراحة مع أن عليه قبل سواه أن بفعل ذلك بحكم مسئولياته المتراكمة، امنيا وسياسيا!! وهذا موقف سياسي مناور لإحراج لآخرين، ولكيلا quot;يحرق نفسهquot; كما يتوهم. ومهما يكن، فإن هذا quot;التغامضquot; لا يليق بمن له هذه المسئوليات الكبرى.
هكذا أرى الوضع العراقي الراهن بكل الأخطار الداهمة. المالكي يريد دون أن يسفر، والجانب الأميركي يريد. لكن تبقى أمام الأميركيين مشكلة كبرى، وهو الدور الإيراني الرافض علنا، كما ترفض بقايا بعث صدام ومؤدلجون يكرهون مبدأ تواجد أي نفر أميركي.
إن دارة أوباما، التي كان رئيسها، وهو مرشح، يطلب الانسحاب الكامل في ربيع 2010، هي نفسها اليوم ترى ضرورة الإبقاء على قسم من القوات. كذلك هناك تقارير متواترة عن أن هذا هو أيضا، كما قلنا، موقف المالكي ولكن بحدود أقل برغم بيان حزبه الرافض، والذي ربما كان مناورة سياسية من باب توزيع الأدوار. ومشكلة إدارة أوباما أنها لابد من أن تسعي للتوصل لصيغة اتفاق ضمني حول المشكلة مع إيران التي هي التي تهيمن على مقاليد العملية السياسية العراقية. وهناك اتفاق أميركي وإيراني على بقاء المالكي، والجنرال مولن راح يأسف لعدم وجود quot;خط ساخنquot; مع إيران؟؟ فماذا يقصد بذلك؟ هل سوف تقدم أميركا لإيران ثمنا غاليا جدا لقاء الموافقة على بقاء أعداد قليلة باسم التدريب ولكنها غير كافية للمشاركة في صد هجمات المليشيات التابعة لإيران أو المشاركة في عمليات أمنية مع القوات العراقية؟؟ هل بثمن التغاضي مؤقتا عن الخطر النووي الإيراني وعن دورها التخريبي في المنطقة؟؟ هذا ليس غريبا عن المواقف المتذبذبة والمتناقضة لأوباما في مختلف المجالات الخاصة بالسياسة الخارجية، لاسيما ما يخص المنطقة.
أسئلة سوف تجيب عنها الأيام القادمة.