لقد أبرزنا بشكل مقتضب قصة quot;الخطيئة الأولى أو مسألة السقوط وآثارها على الثقافة الكتابية(المسيحية واليهودية) في هذه المقالة سنبرز تسرب وامتداد الفهم الكتابي للقصة في كتب التفسير الاسلامي التي اعتمدت المرويات الاسرائلية ذات الطابع الحكائي والاسطوري.

روايات قصة آدم و حواء في تفسير بن جرير الطبري310ه:
quot;...فحكى عن وهب بن منبه في ذلك ما: حدثنا به الحسن بن يحيي، قال: سمعت وهب بن منبه يقول: لما اسكن الله آدم وذريته quot;أو زوجتهquot; _ الشك من أبي جعفر وهو في أصل كتابه: quot;وذريتهquot; _ و نهاه عن الشجرة، وكانت شجرة غصونها متشعبة بعضها في بعض، و كان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم و هي الثمرة التي نهى الله آدم عنها و زوجته، فلما أراد إبليس أن يستزلهما دخل في جوف الحية. و كانت للحية أربع قوائم كأنها بختية من أحسن دابة خلقها الله فلما دخلت الحية الجنة خرج من جوفها إبليس فأخذ من الشجرة ما أطيب ريحها و أطيب طعمها و أحسن لونها فأخذت حواء فأكلت منها ثم ذهبت بها إلى آدم، فقالت: انظر إلى هذه الشجرة، ما أطيب ريحها، و أطيب طعمها و أحسن لونها فأكل منها آدم فبدت لهما سوآتهما فدخل آدم في جوف الشجرة فناداه ربه يا آدم أين أنت؟ قال أنا هنا يا رب، قال استحيي منك يا رب، قال ملعونة الأرض التي خلقت منها لعنة يتحول ثمرها شوكا، قال: ولم يكن في الجنة ولا في الأرض شجرة كان أفضل من الطلح و السّدر؟ ثم قال: يا حواء أنت التي غررت عبدي، فانك لا تحملين حملا إلا حملته كرها، فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت مرارا، وقال للحية: أنت التي دخل الملعون في جوفك، حتى غر عبدي، ملعونة أنت لعنة تتحول قوائمك في بطنك، ولا يكن لك رزق الا التراب، أنت عدوة بني آدم وهم أعداؤك حيث لقيت أحدا منهم أخذت بعقبه، وحيث لقيك شدخ رأسك.
قال عمر: قيل لوهب: وما كانت الملائكة تأكل؟ قال: يفعل الله ما يشاء.
- قال: فأتى الشيطان حواء فبدأ بها فقال: أنهيتكما عن شيء؟ قالت نعم، عن هذه الشجرة، فقال: quot; ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين quot; قال: فبدأت حواء فأكلت منها، ثم أمرت آدم فأكل منها و قال: كانت شجرة من أكل منها أحدث، قال: و لا ينبغي أن يكون في الجنة حدث. قال quot; فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه، قال فأخرج آدم من الجنة.
- وعن ابن إسحاق قال: حدثت أن أول ما ابتدأ هما به من كيده اياهما أنه ناح عليهما نياحة أحزنتهما حين سمعاها، فقالا له: ما يبكيك؟ قال: أبكي عليكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة و الكرامة، فوقع ذلك في أنفسهما. ثم أتاهما فوسوس إليهما. و قال الطبري: و حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد: وسوس الشيطان الى حواء في الشجرة حتى أتى بها إليها، ثم حسنها في عين آدم. قال: فدعاها آدم لحاجته. قالت: لا، إلا أن تأتي ههنا، فلما أتى قالت: لا، إلا أن تأكل من هذه الشجرة، قال: فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما.
- وحُدِّثت عن عمار، قال : حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: وحدثني أبو العالية أن منَ الإبل مَا كان أوّلها من الجن، قال: فأبيحت له الجنة كلها إلا الشجرة، وقيل لهما: quot; لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين quot; . قال : فأتى الشيطان حواء فبدأ بها، فقال: أنُهيتما عن شيء ؟ قالت: نعم! عن هذه الشجرة فقال: ( مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ) [سورة الأعراف : 20] قال: فبدأت حواء فأكلت منها، ثم أمرت آدم فأكل منها. قال: وكانت شجرةً من أكل منها أحدث. قال: ولا ينبغي أن يكون في الجنة حَدَث. قال: quot; فأزالهما الشيطان عَنها فأخرجهما مما كانا فيه quot; قال: فأخرج آدم من الجنة.
- حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد: وسوس الشيطان إلى حواء في الشجرة حتى أتى بها إليها، ثم حسَّنها في عين آدم. قال: فدعاها آدم لحاجته، قالت: لا! إلا أن تأتي ههنا. فلما أتى قالت: لا! إلا أن تأكل من هذه الشجرة. قال : فأكلا منها فبدَت لهما سَوآتهما. قال : وذهب آدم هاربًا في الجنة ، فناداه ربه: يا آدم أمنِّي تفرّ ؟ قال: لا يا رب، ولكن حياءً منك. قال: يا آدم أنَّى أُتِيت؟ قال: من قِبَل حواء أي رب. فقال الله: فإن لها عليَّ أن أدميها في كل شهر مرة، كما أدميت هذه الشجرة، وأن أجعلها سفيهةً فقد كنت خلقتها حَليمة، وأن أجعلها تحمل كرهًا وتضع كرهًا، فقد كنت جعلتها تحمل يُسرًا وتَضع يُسرًا. قال ابن زيد: ولولا البلية التي أصابت حوّاء. لكان نساء الدنيا لا يَحضن ، ولَكُنَّ حليماتٍ، وكن يحملن يُسرًا ويضعن يسُرًا.
وقد رويت على نحو هذه القصة الكثير من الروايات المتشابهة، للاستزادة ينظر تفسير جامع البيان للطبري 310ه/ م1/ط1988 دار الفكر، لبنان ص235 وما بعدها.
ويرجع اختيارهذا التفسير بإعتباره أول التفاسير، والمصدر الأول والأبرز للتفسير بالمأثور.
مناقشة الرويات التفسيرية لقصة آدم وحواء( الآية 36 من سورة البقرة)
انطلاقا من المرويات والآثار التي أوردها الطبري في معرض تأويله للآية من سورة البقرة36
نلاحظ أن بعض الروايات تحمل مسؤولية طرد آدم من الجنة وبعضها لأدم وأخرى تبرز أن خروجهما يعود إليهما بعد أن أغواهما الشيطان، فأكلا من الشجرة المحظورة. كما نلاحظ حضور الحية في المرويات فهي الوسيلة التي استعان بها الشيطان للإيقاع بحواء ومن ثم آدم وأحيانا نجد في نصوص أخرى حواء تتحالف مع الحية بإيعاز من الشيطان للإيقاع بآدم في الحرام للأكل من الشجرة المحرمة.
ويلاحظ التناقض في سرد الوقائع بين ما ورد في سفر التكوين على لسان آدم من أن المرأة التي جعلها الله معه هي التي أعطته من الشجرة فأكل منها وبينما جاء في رواية وهب بن منبه إذ يقول على لسان الاله مرةquot; يا حواء أنت التي غررت عبديquot; ومرة أخرى يقةل الله للحية أنت التي دخل الملعون في بطنك حتى غر عبدي، وهذا القول الأخير ينفي بوضوح إغواء حواء لآدم بأكله من الشجرة المحظورة من جهة.

القصة في النص القرآني:
وردت في القرآن الآيات التي تضمنت قصة آدم وحواء في السور التالية في سورة البقرة الايات 35 إلى 37 وفي سورة الأعراف الآيات19 إلى 24 وفي سورة طه الآيات 115إلى123.
والمعنى الإجمالي لهذه الآيات القرآنية: أن الله عز وجل أمر آدم وحواءيسكناالجنة، وقد أباح لهما أن يأكلا من أي نوع من ثمارها إلا من ثمار هذه الشجرة التي نهاهما عن الاكل منها ولكن الشيطان وسوس لهما بأن الله لم ينهاهما عنها إلا كراهية أن يصيرا ملكين أو أن يكونا من الخالدين في الجنة، وحلف لهما أنه ناصح لهما، ونسيا ما أمر الله عزوجل به، بعدم الاكل من الشجرة المحظورة، وما إن ذاقا منها، حتى بدت لهما سوآتهما، فخجلا، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، لكن سرعان ما تابا إلى الله.

استنتاجات:
الآيات لم ترد فيها كلمة حواء بالاسم.
الآيات لم تتناول التفاصيل والجزئيات كما عرضت في سفر التكوين والمرويات الاسلامية
الآيات لم تشر إلى ابتداء quot;حواءquot; بالإغراء والمعصية.
حواء فعلت مثل ما فعله آدم في الندم والتوبة وطلب المغفرة.
الشيطان تولى إغواء آدم حتى أكل من الشجرة بوسوسته.
الشيطان ليس شيئا مجسما أو يتخذ شكلا معينا.
آدم وحواء إرتكبا معصية وخطأ، وهو قابل للمحو والتوبة منه.
آدم وحواء لم يرتكبا خطيئة يتوارثها الأبناء عن الآباء.
كلاهما عقب بالهبوط من الجنة.
وفيما يلي نورد بعض الملاحظات القيمة التي سجلها الدكتور نصر حامد أبو زيد (ت2010) من كتابهquot; دوائر الخوف...quot; م.ع.ث/ ص21 وما بعدها بتصرف.
حول القصة التي أوردها الطبري:
-م1: أن الاله الذي تصوره ndash; رواية وهب بن منبه- هو إله التوراة وليس quot;اللهquot; المعروف في المعتقد الاسلامي، والقصة تبدو مؤامرة محبوكة لليقاع بآدم؛ مؤامرة يشترك فيها كل من إبليس وحواء والحية، ويبدو العقاب الذي وقعه الله على أطراف المؤامرة عقابا يتسم بالاستبدادية لقسوته من جهة، ولشموليته لأعقابهم ونسلهم كله، وهذا يتناقض مع صفات الله الواردة في القرآن.
-م2: أن آدم يبدو في القصة ضحية بريءة، ولكن صورة آدم تلك في حقيقتها تعكس مجتمعا يكون الرجل فيه هو مثال الخير والبراءة، في حين تمثل الأنثى الشر والخطيئة، فالقصة تشير إلى المجتمع أكثر مما تفسر النص القرآني.
-م3: تتعلق بعلاقات التساوي التي تحرص القصة على ذكرها، بين الجرم والعقاب في كل حالة، فقد عوقبت حواء بأن تدمي في كل شهرمرة عقابا على جرمها بالاكل من الشجرة؛ لأنها استخدمت الشهوة سلاحا لإغواء آدم، فكان عقابها فقدان العقل(الحلم) أو نقصانه على وجه أدق، وسيطرة السفاهة على تفكيرها وسلوكها.
-4م: تتعلق بتلك العلاقة التي تنشئها القصة بين quot;حواءquot; و quot;الحيةquot; وهي علاقة تكاد تحدد علاقة العداء بين آدم والحية في أنها علاقة مع الذكور دون الإناث، وإن كانت القصة لا تخوض في طبيعة تلك العلاقة تفصيلا؛ فإنها تستدعي إلى الذهن بقايا المعتقدات الاسطورية القديمة من جهة، وتشير إلى بقايا هذه المعتقدات في التفكير الشعبي المعاصر من جهة أخرى.
وهو ما سنبرز بعضا منه؛ - انعكاس وتأثير القصة على الثقافة الشعبية والمتخيل الجمعي- في المقالة القادمة، حيث لا ندعي الاحاطة بهذا الموضوع الذي يحتاج الى مزيد من البحث والتدقيق.