أثرت الكتب المقدسة على الثقافة العالمية الانسانية، ومن ضمنها الثقافة الاسلامية؛ يتجلى ذلك من خلال كتب التفسير التي اعتمدت المرويات ذات الطابع الحكائي؛ حيث اختلط فيها شيئا من الصواب بكثير من الاسرائليات، حتى أضحى من العسير أن يسلم بها العقل الانساني.
ماجاء-على سبيل المثال- في تفسير قصة آدم وحواء من محتويات تتناقض والنص القرآني، في حين تتطابق مع ما ورد في الكتاب المقدس، يطرح السؤال التالي: هل حقا ثمة فرق بين الثقافة الاسلامية والثقافة الكتابية-نسبة الى أهل الكتاب-؟
أما أهمية هذه القصة التي سنتحدث عنها، فترجع في كونها تؤسس للدعائم العقائدية للإنسان في جميع الأديان، وبالأخص التوحيدية منها. فضلا عن أبعادها الاجتماعية في علاقة الرجل بالمرأة، الذي سنركز عليه، بالإعتماد على ماورد في العهد القديم، وما جاء من تفسير للقصة في كتاب جامع البيان لابن جرير الطبري(ت310ه).
قصة آدم وحواء كما وردت في سفر التكوين:
quot;...وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي علمها الرب الاله، فقالت أحقا قال الرب لا تأكلا من شجرة الجنة؟ فقالت المرأة للحية: من ثمر شجر الجنة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي وسط في الجنة. لقد قال الاله: لا تأكلا منه ولاتمساه لئلا تموتا، فقالت الحية للمرأة لن تموتا بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه، تتفتح أعينكما وتكونا عارفين الخير والشر فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر، فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضا فأكل. فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانين. فخاطا أوراق ثبن وصنعا لأنفسهما مأزرا، وسمعا صوت الرب الاله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار. فأختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة. فنادى الرب الإله آدم فقال له: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت؛ لأنني عريان فاختبأت. فقال: من أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها؟ فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت. فقال الرب الإله للمرأة: ما هذا الذي فعلت؟ فقالت المرأة: الحية غرتني فأكلت. فقال الرب الإله للحية: لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية. على بطنك تسعين وترابا تأكلين كل أيام حياتك، وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها، هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقب. وقال للمرأة: تكثيرا أكثر أتعاب حبلك بالوجع تلدين أولادا، وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك. وقال لآدم: لأنك سمعت لقول امرأتك، وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلا: لا تأكل منها ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك، وشوكا وحسكا تنبت لك وتأكل عشب الحقل بعرق وجهك تأكل خبزا حتى تعود الى الارض التي أخذت منها لأنك من تراب وإلى تراب تعود (سفرالتكوين الاصحاح الثالث مقطع -1-20-).
قصة السقوط على لسان حواء:
روت حواء على لسانها قصة أكلها من الشجرة وخروجها هي وآدم من الجنة، وقد وردت تفاصيل ذلك في كتاب: (التوارة، كتابات مابين العهدين، التوراة المنحول3 مخطوطات قمران، البحر الميت)
قالت حواء: اسمعوا أنتم جمعيا يا أبنائي وأبناء أبنائي، سأكتشف لكم كيف خدعنا العدو فعندما كنا نحرس الجنة، فكلم الشيطان الحية، بشأنى طرد آدم من الجنة، فأغرى الشيطان حواء على لسان الحية، بالأكل من الشجرة بلا خوف، وستصبح مثل إله تعرف الخير والشر، وستحصل على مجد عظيم، وطلب منها أن تقسم له على أن تعطي لزوجها - الأكل من الشجرة التي حرمت عليهما- وعندما جاء والدكم قلت له عبارات غدارة جعلتنا نهبط من مجد عظيم، وكانت حواء سرعان ما أغوته فأكل فانفتحت عيناه وعرف عريه، فقال لي أيتها المرأة الشريرة من الذي ارتكبته بحقنا فقد أفقدتني مجد الله، ثم نزل حكم الله بحق آدم وحواء والحية، وقد وردت العقوبات بالترتيب المعاكس للذي في سفر التكوين الاصحاح الثالث. فكانت عقوبة آدم: التألم من الحرارة والبرد وتمرد الحيوانات عليه. وبالنسبة لحواء: آلام كثيرة منها الولادة بمشقة، بالنسبة للحية: طعامها من تراب والمشي على البطن والعداوة بينها وبين المرأة والناس وقالت حواء، فتوسل أبوكم آدم للملائكة، فقدم ثلاث توسلات قبل أن ينفي إلى الأرض (سفر التكوين22-24) .
-أن يغفر له وأن يبقى في الواقع في الجنة، وهو ما يرفضه له.
-أن يأكل من ثمرة الحياة وهو ما لا يسمح له في الوقت الراهن إنما يوعد به لوقت آت.
-أن يحمل معه الطيوب الأمر الذي يسمح له به كما، وأن يأخذ حتى بذارا من أجل غذائه...quot;
وتختم حواء رواية السقوط بخاتمة على شكل وصية، تقول فيها: وهكذا إذن، يا أبنائي الأحياء فقد أخبرتكم بالظروف التي ضللنا بها أما بالنسبة لكم فاحرصوا ألا تهجروا الخير.
الآثار الناجمة عن الخطيئة الأولى في الثقافة اليهودية:
مما لاشك فيه، أن مضامين هذه القصة تنعكس على الحياة الدينية والسياسية والتشريعية والاجتماعية، وسنركز على ما يتعلق بالمرأة، ونقتصر على أثرين فقط، أثر بدني وأثر أدبي.
الأثر البدني:
-تركت اللعنة التي أصابت حواء وبناتها تأثيرا جسديا عليهن وتحديدا بعض خواص المرأة (الحمل والولادة..) فقد جعل النص هذه الخاصية الهامة المتميزة للمرأة صفة ذم لا صفة مدح. وقد ترتب عن هذا التصور/ الاعتقاد مايلي:
التعامل مع المرأة في فترة الحمل والولادة بمشقة وقسوة، وبالأخص إذا كانت حائض أونفساء؛ لأن ذلك جاء نتيجة الخطيئة الاولى.(ينظر الاصحاح 12)
الأثر الأدبي:
السيطرة المطلقة للرجل على المرأة: جاء في سفر التكوين(وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك) كما تنظر الشريعة اليهودية للمرأة بإعتبارها متاعا لبعلها؛ أي لسيدها اشتراها بما دفع فيها من مهر، وفي هذا ورد في التوراة على لسان ليئة وراحيل(ابنتا لابان) أن طالبتا تشكوان أباهما لزوجهما يعقوب: quot; باعنا وأكل ثمنناquot; تفاصيل قصة هذا الزواج تجدونها في سفر التكوين الاصحاح مقطع 15 وما بعده).
ومما يزيد في تكريس دونية المرأة في الشريعة اليهودية ما ذهب اليه رجال التوراة من تفسير خلق حواء من ضلع آدم اتجاها ينبىء عن ضآلة مرتبة المرأة عندهم فيقولون إن المولى لم يشأ أن يخلق المرأة من رأس آدم حتى لا ترفع رأسها بفخر، ولا من عينيه حتى لا تكون كثيرة الفضول، ولا أذنيه حتى لا تسترق السمع على الأبواب، ولا من فمه حتى لا تكون كثيرة الثرثرة، ولا من قلبه حتى لا تكون شديدة الإسراف، ولا من قدميه حتى لا تكون لا تعتاد الخروج من بيتها، فخلقها من جزء خفي من جسمه ليجعل منها مخلوقا وضيعا.
فصلوات بني إسرائيل quot; طائفة الربانيينquot; تتضمن وجوب حمد الرجل منهم وشكره لله في كل يوم على ثلاث نعم:
_ أن خلقه الله إسرائيليا.
_ ولم يخلقه امرأة.
_ ولم يجعله قطا غليظا.
وقد اجتهد بعض شراح العصر الحاضر من اليهود في تأويل بعض نصوص quot; المشنة quot; التي كانت تحط من قدر المرأة؛ فقالوا في وجوب شكر الرجل لله على نعمه الثلاثة بالنظر إلى ما خصه من ميزة الالتزام بتعاليم التوراة...(ينظر محمد شكري مسرور نظام الزواج في الشرائع اليهودية، ص59).
يتضح مما تقدم أن فكرة quot; الخطيئةquot; المنسوبة إلى quot;حواءquot; قد تدرجت في نفوس رجال اليهودية على مر الأيام حتى جعلوا منها السبب الذي أورث البشرية وزر هذه الخطيئة، لذلك استحقت حواء منهم اللعنة الأبدية، وجنحت السلطة الدينية عندهم الى إعتبار المرأة دون مرتبة الرجل، فجردوها من جميع حقوقها وحكموا عليها أن تكون تحت سلطة الرجل، في مختلف مراحل حياتها إلى أن تموت وسمحوا للرجل أن يطلق إمرأته متى شآء، ولأي سبب كان، وبالغوا في تحقيرها..
فإلى أي حد يصدق هذا القول : تحت عمامة أي شيخ يرقد حاخام صغير؛ أي كل فقيه ومفتي، وعالم دين مسلم، ينطق بأحكام توراتية، بحكم أن الجذر المرجعي الديني واحد.
سنرى كيف أعادت الرواية التفسيرية ماورد بالتوراة بشأن قصة حواء، ونسب الخطيئة إليها؛ أي تحميلها لوحدها مسؤولية إخراج آدم من الجنة، ذلك ما سنجلي بعض منه في المقالة المقبلة بحول الله.
التعليقات