دأب شباب الثورة المصرية على تسمية جمعهم بأسماء تختزل مطالبهم، لقد خرجوا اليوم تحت شعار جمعة الشهداء، أما زملاؤهم في سوريا فسموها جمعة ارحل، في حين أن المغرب كان على موعد مع استفتاء على الدستور، الذي ينتظر أن يحسم بين فريقين: الفريق الاول سيصوت بنعم للدستور، والفريق الثاني سيقاطع الاستفتاء، ومهما قيل عن هذا السلوك، سلوك المقاطعة، فيبقى موقفا ووجهة نظر لها سندها وحججها. والموقف النهائي كما يبدو محسوما لصالح هذا المشروع، بما أن الفريق المعارض فضل خيار المقاطعة على التصويت ب quot;لاquot;.
وتفيد آخر الأخبار أن حوالي 98 صوتوا ب quot;تعم لفائدة مشروع الدستور الجديد، حسب وزارة الداخلية، وتبقى هذه النتائج مؤقتة، بحكم أن المجلس الدستوري هو الجهة المخولة للإعلان عن النتائج النهائية.
طيلة العشر الايام من الحملة وقعت مناوشات بين الفريقين، كادت أن تفسد الجو الطبيعي /الإنساني ألا وهو الاختلاف وحرية التعبير عن الرأي.
بنظرنا كلا الموقفين يجب أن يتجاورا، تأسيسا للتقاليد الديمقراطية، وقطعا مع ثقافة الرأي الوحيد، والسعي إلى طمس كل رأي يعارض رأي السلطة.
الدولة المغربية ومعها أكثر الاحزاب السياسية تعتبر حدث الاستفتاء حدثا تاريخيا، وانعطافة فاصلة بين عهدين؛ عهد السلطوية التي مثلها الملك (الاب) وعهد الانفتاح والانتقال الديمقراطي التي يمثلها حاليا(لابن) الملك. هذا الأخير الذي دفن دستور والده الى غير رجعة، بحسب وجهة نظر الفريق الأول.
الى حدود كتابة هذه السطور لم يحدث ما يعكر هذا الاستفتاء/العرس الديمقراطي، من عنف وتدخل للإدارة، وهذا أكبر ربح للشعب أن يمر حراكه السياسي - بعد أجواء مشحونة من النقاش والحوارات- بسلام محتكما الى صناديق الاقتراع بدلا من السلاح والعنف، أو توظيف ما يعرف quot;بالبلطجيةquot; لدى المصريين أو quot;الشبيحةquot; لدى سوريا مع فارق كبير لأن الشبيحة بوليس، أو quot;الشمكارةquot;كما لدى المغاربة، فالشعوب ترتقي بوعيها السياسي، لا سيما حينما تجد نفسها لم تربح شيئا من الاحتراب الداخلي، ومن الصراعات التي لاحد لها.
يمكن القول ّأن الاسثتناء المغربي الحقيقي هو تبني قيم ومبادىء الديمقراطية بدون خسائر بشرية ولا مادية، بأسلوب متدرج؛ فكلما نضج المجتمع سياسيا وتطور، يزداد توقه للديمقراطية والحرية.
والسؤال الآن، ماذا بعد الاستفتاء؟ وهوالسؤال / التحدي المطروح على أطراف متعددة أولها: الدولة، هل ستكون في مستوى هذه اللحظة التاريخية؛ أو بمعنى آخر هل تمتلك إرادة سياسية لتطبيق ما جاء في هذه الوثيقة؟
ثانيها: الطبقة السياسية التي يجمع المحللون في ظل الدستور الجديدّ، أنها تحتاج الى تأهيل وكفاءة ونزاهة عالية لتمثل نصوصه.
ثالثها: مجموعات 20 فيراير والفصائل السياسية المساندة لها التي أجمعت على استمرارية النضال حتى تحقيق المطالب،
فكيف يمكن تدبير مرحلة ما بعد التصويت على الدستور بنعم؟
لا شك أن الحراك السياسي والاجتماعي الذي بدأ في 20 من فبراير في عدة مدن مغربية، الذي تجسد في احتجاجات سلمية، مصحوبة بشعارات ومطالب متنوعة، طبعا، المتأثر بما عرف وسمي بربيع الثورات العربية، تمخض عنه نقاش حاد، أفرز تيارين أو مدرستين، يمكن تسمية الاولى بمدرسة الواقعية السياسية التي قبلت بهذا الدستور كخطوة نحو التقدم لما هو أحسن، ومدرسة المثالية quot;السياسيةquot; التي رفضت الدستور جملة وتفصيلا؛ لأنه لا يحقق الملكية البرلمانية على الطراز البريطاني أو الاسباني أو البلجيكي.
هذا الحراك جعل المغاربة يفتحون لأول مرة مناقشة ورش الاصلاح الدستوري على الشعب دون خوف ووجل، إضافة أنه فجر أسئلة / تحديات على النخب وصناع القرار، تهم بخاصة مستقبل المملكة المغربية في ظل التحولات الجارية والمتسارعة في العالم برمته.
ولعل من بين الأسئلة الهامة مايلي:
هل الاشكال لدى المغاربة يتعلق بوثيقة دستورية، أم أن الاشكال أعمق وأعقد بكثير مما نتصور؟ بمعنى آخر هل الاشكال حول بنية الاستبداد والفساد والسلطوية والتخلف؟ أم حول قوانين ونظم وفصول من الدستور؟
لا أحد يجادل في أهمية هذه الوثيقة؛ كأسمى وثيقة بالبلاد، وكمحدد لتعاقد مكتوب ملزم بين طرفين (حاكم ومحكوم) لكن لا أحد يضمن أن تنقلنا محتوياته إلى انتقال ديمقراطي حقيقي، ولا أحد يتكهن بوجود إرادة سياسية ستفعل روح نصوصه على أرض الواقع.
نقول الاشكال أعقد في بلدنا؛ لأن المعركة ليست مع هذه الوثيقة، وإنما المعركة الحقيقة ndash;بنظرنا- مع التخلف؛ الذي يطال كافة مجالات الحياة، لقد تأخر المغرب نخبا ومؤسسات رسمية وغيرها، في تدشين ورش بناء المواطن المغربي؛ الذي يبدأ من إصلاح الفكر والثقافة والدين، وينتهي بالسياسة والاقتصاد، فضاعت فرصة البناء الحقيقي، في تيه الدولة وماتزال في quot;إيديولوجيا التنميةquot; مفادها أسبقية التنمية على الديمقراطية. لقد انطوت خطابات العهد الجديد؛ عهد محمد السادس على شعارات وأفكار وقيم غاية في الاهمية، بدءا من المفهوم الجديد للسلطة إلى الجهوية الموسعة، لكن ظلت البلاد تراوح مكانها، بل الأنكى من ذلك، كادت أن تحصل ردة سياسية2002 تعيدنا لسنوات سوداء.
لا أحد يجادل في أن التغيير حتمي وقادم، وهذا لا يبرر- طبعا ndash; التقاعس أو الانتظارأو الاكتفاء بالاصلاحات البطيئة، لذلك فالتدخل من أجل تسريع حركة التاريخ في اتجاه التغيير المأمول، وهو ما تساهم فيه حركة الاحتجاج السياسي السلمي، والذي من المفترض أن يستمر بموازاة نقاش عمومي، وحوارات مفيدة ترتقي بالوعي السياسي للمواطنين، في أفق التأسيس لمنطق جديد للنظر للسياسة.
ونختم بما جاء في حوار مع الاستاذ المالكي أستاذ القانون الدستوري بمراكش، في معرض حديثه عن الدستور الجديد، الذي أكد فيه على مشروطية الجغرافيا السياسية والاجتماعية في نفاذ قوة الدساتير وسلامة تطبيقها.
تقول الحكمة اليونانية: سئل حاكم حكيم quot;صولونquot; في اليونان القديمة عن أحسن الدساتير كان جوابه: quot; عن أي شعب وفي أي زمانquot;