يقر الكثير من الفاعلين السياسيين أن دستور 2011 حوى إيجابيات جمة، وتوجه الأنظار الآن، صوب مرحلة تفعيل نصوصه على أرض الواقع، الشيء الذي يجعل طرح أسئلة دقيقة لأطراف نظنها الفيصل في رسم مستقبل الدولة المغربية في غاية الأهمية، أولها المؤسسة الملكية، وثانيها المؤسسة الحزبية، وثالثها quot;مؤسسةquot; الاحتجاج السلمي المتمثل في شباب 20 فبراير.
السؤال الأول: هل تمتلك المؤسسة الملكية الإرادة السياسية لتفعيل نصوص الدستور، وتطبيقه على أرض الواقع؛ أي تحويله من الكتابة في الأوراق إلى صلب الحياة التي نحياها؟ وهل ستساهم في تسريع وتيرة الإصلاحات والقطع النهائي مع العهد القديم بممارساته وثقافته ورموزه؟
السؤال الثاني: هل تمتلك المؤسسة الحزبية في الظرفية الحالية من المؤهلات والكفاءات والنخب الحزبية القادرة على المساهمة الفعالة في الانتقال الديمقراطي؟
السؤال الثالث: ما سميناه تجاوزا مؤسسة 20 فبراير، ما هو أفق ومسار نضالها في ظل الإقرار الرسمي بهذا الدستور الذي ترفضه -هي والقوى المساندة لها- جملة وتفصيلا؟
1
تقوم الأنظمة الديمقراطية على وجود أحزاب، ولذلك قيل، quot;لا ديمقراطية بدون أحزابquot; .
تشكل في جل البلدان العربية لدى المواطن موقفا سلبيا من العمل الحزبي، نظرا لعدة اعتبارات ذاتية وموضوعية، تتمثل في غياب الديمقراطية الداخلية، عدم إفراز نخب جديدة، عدم تجديد طروحاتها السياسية ورؤاها النظرية، فأصبح الانتماء لها مرتبط بتأمين للمصالح الشخصية؛ من الرغبة في الإستوزار، ونيل الحظوة واستغلال النفوذ، فباتت بمثابة شركات أو محلات تجارية توزع التزكيات على من يدفع أكثر للمتحكمين في الجسد الحزبي، بالطبع، ليس هناك إعتبارا للمبادئ، ولا استحضارا للوظائف المناط بها دستوريا، هذه المظاهر السلبية انعكست على أداء الكيانات الحزبية الباهت، وكذا تخلفها عن تأطير المواطنين، ومنح قادتها سلطات واسعة، مكرسة صورة الزعيم التاريخي الملهم، الذي يعطي من شاء، ويمنع من شاء بغير حساب، حتى أصبح أبنائهم المرشحون الوحيدون لخلافة آباءهم، والتفت حول هياكل الحزب عائلتهم وأقاربهم وأصهارهم، فأصبحنا أمام كيانات حزبية لا طعم لها ولا لون.
أمام هذا الوضع المرير، نمت ظاهرة الانشقاقات الحزبية، وتم نزع الثقة من العمل الحزبي، ولم يعد المواطن يراهن على لعبها دورا طلائعيا في التغيير، فأضحت علاقة اغترابية بين المواطن والأحزاب، وانتقلت تلك العلاقة إلى جهاز الدولة، والنتيجة كانت النفور من العمل الحزبي وليس السياسي بشكله العام، الذي تجسد في ضعف نسبة المشاركة في الانتخابات، وقد بررت بعض الأوساط الحزبية هذا الواقع، بكون النظام والسلطة عملت على إضعافها، وتقليص هامش تحركها.
جاء دستور2011 في إحدى نصوصه مؤكدا على دور الأحزاب في النظام السياسي المغربي، مقرا بالتعددية الحزبية، ومحددا لوظائفها، وزاد عليها منح المعارضة دورا رقابيا، وتمثيليتها في اللجان البرلمانية.
بالرغم حدوث متغييرات في بينية المجتمع، ظلت الصورة السلبية عن المؤسسة الحزبية عالقة في الأذهان، وظلت كتابات عدة توجه سهام النقد لها، محملة إياها كل ما آل إليه الوضع السياسي من انسداد وإخفاق.
لقد أوتيت المؤسسة الحزبية، من كونها لم تواكب المتغيرات الحاصلة محليا وإقليميا ودوليا، في طرح إطار فكري سياسي جديد، تدرك على إثره على الأقل طبيعة ما يجري لذلك لم تتحكم فيه، مما جعل كثيرا من المواطنين يبحثون عن بدائل لتصريف مواقفهم السياسية.
2
لاشك أن انبثاق حركة الاحتجاج السلمي السياسي الأخيرة، التي طالت بلدان عربية عدة، ومنها المغرب، كانت نتيجة عوامل عديدة؛ من بطء وتيرة التنمية، تفاقم الفساد وتجذره في بنية الدولة، ومشاكل اجتماعية لا حصر لها، وتحجيم الحريات الفردية، واتساع الهوة بين الطبقات الاجتماعية...
إن ما سمي في المغرب بحركة 20فبراير؛ أعاد الأمل للمواطن التواق لوضع أفضل لبلده، وقد كان من نتاج حراكها الخطاب الملكي 9مارس، ثم تلاه هذا الدستور بكل ما حمل من مستجدات، حيث عدت خطوة هذا الإصلاح الدستوري في الاتجاه الصحيح، رغم أن الشباب الفبرايري _الفيسبوكي لم تلبى كل مطالبه، لذلك كان موقفه مقاطعة الاستفتاء، لكنه لم يحدد استراتيجية نضاله بعد إقراره، فظلت متشبتة بما ورد في بيانها الأول، quot;المانيفستوquot; الذي قلص حركتها، فبدت هذه المجموعات الشبابية بين توجهين سياسين مساندين لها، لم يتنازلا قيد أنملة عن خياراتهما، منذ نشأتهما، الشيء الذي يتعارض مع شريحة من الشباب، تريد أن تخط تاريخا جديدا لها، وبلمسة خاصة بها، وبالطبع، أثرت هذه القوى المنخرطة في الاحتجاج إلى جانب الشباب في تحديد الشكل النضالي ومحتواه، فبتنا نلحظ الشباب يخوض في جزئيات وشكليات النضال اليومي على حساب النقاش الجاد والمؤسس لثقافة سياسية جديدة ترقى بأدائه نحو الأفضل، طبعا، وبالشكل المدروس غير المرتجل، وهذا الشرط -إلى حد ما- قد توفر لدى الثوار الشباب في مصر، من أمثلة ذلك؛ التدبير غير المدروس، الذي تجد فيه لمسات الهيئات المساندة، قرار التظاهر في الأحياء الشعبية، وهي فكرة يراد منها استمالة الطبقة المسحوقة لتنضم لحركة الاحتجاج، في أفق اكتمال شروط ثورة يقودها الكادحين والفقراء، وهي الفكرة التي أتت بنتائج سلبية، ناسين هؤلاء الشباب أن بداية الاحتجاج قادته فئات متعلمة، وهي لنقل تجاوزا الطبقة الوسطى المتعلمة.
إذا كانت المؤسسة الملكية نهجت استراتيجية التغيير ضمن الاستمرارية، فحركة الفبرايرين يجب أن تسلك نهج النضال المستمر بغية تسريع عملية التغيير، طبعا، لسنا بصدد تقديم مقترحات عمليةquot; لحركة 20 من فبرايرquot; وإن كنا نفضل أن تسبق المقترحات عملية نقدية صارمة، ومراجعة تقويمية للحصيلة النضالية (ل6 أشهر) ولأدائها في شكله ومحتواه.
3
يتضح أن المؤسسة الملكية قرأت التحولات والتطورات الإقليمية بحكمة وحنكة؛ حيث جمعت في ظرف قياسي شتات صورة مبعثرة، وأعادت تركيبها وفق استراتيجية محددة سلفا، وهو ما تجلى في خطاب 9مارس الذي وضع الخطوط العريضة للتعديلات الدستورية، ليتمخض عنه دستور جديد للبلاد.
بعد هذه الخطوة التي قام بها النظام المغربي، انصب الاهتمام على إنجاح محطة الاستفتاء، وهاجسه أن تكون نتيجة التصويت quot;بنعمquot; ونسبة المشاركة فيه عالية، لتعبر عن التفاف الشعب حول الملك من جهة، وتكشف الحجم القليل لحركة الرفض والمقاطعة من جهة أخرى، غير أن هذه الأخيرة كانت نشطة، وقد ساهم في التعاطف مع موقفها تصرفات السلطة في الحملة الاستفتائية.
في خضم النقاش الدستوري الذي انبعث بشكل مفاجئ من رماد، بعدما كان من التابوهات المحرمة، بدأ المواطنون - ولأول مرة في تاريخ المغرب -، يدركون أهمية هذه الوثيقة ودورها الحاسم في تحديد مصيرهم، نظرا لتضمنه تعديلات هامة، لاسيما ما تعلق بالسلطة التشريعية الذي أعاد لها هذا الدستور بصيغته الجديدة الاعتبار، وغيرها من دسترة بعض مؤسسات الحكامة الجيدة، والحقوق والحريات...
طرحت مشكلة النخب المؤهلة لتطبيق نصوصه، رغم أن حجم تأثير هذه الأخيرة في الأحداث كان باهتا، ولم يوقظ هذه النخب من سباتها إلا ربيع الثورات العربي، وهناك من يقر بأن نشاطها المكثف والمتراكم عبر سنوات، يعد من ثمار هذا الحراك السياسي والاجتماعي.
ثمة مؤشرات جعلت البعض من الفاعلين السياسيين والمتابعين للشأن العام يتوجسون خيفة من بقاء يد جهاز وزارة الداخلية على الاستحقاقات المقبلة، انطلاقا مما وقع في الحملة الاستفتائية على الدستور من تجاوزات، وما شابها من شوائب عديدة، ثم مؤشر نسبة المشاركة في الاستفتاء المعلن عنها رسميا المبالغ فيها، وكذلك مقترح برمجة موعد الانتخابات من لدن الداخلية في أقرب وقت، ربما قطعا على استمرارية حركة الاحتجاج والتظاهر المتنامي، وقد يفسر هذا السلوك بوجود أجهزة من داخل الدولة ضد التغيير، لأن مصالحها باتت مهددة في ظل هذا الدستور الجديد.
ويبقى حلم تحقيق الانتقال الديمقراطي الحقيقي، رهين بطريقة تدبير الانتخابات المقبلة، وهو الامتحان العسير الذي سيختبر الإرادة السياسية للمؤسسة الملكية في القطع النهائي مع العهد القديم بثقافته وممارساته ورموزه.
وكما بدأنا بطرح أسئلة للإستيعاب والفهم، نختم بالسؤال التالي:
هل المغرب في وضع ثوري دائم من حيث توافر الشروط الموضوعية؟
التعليقات