الخبر الذي أذاعه مساء الأحد الأول من مايو 2011 الرئيس الأمريكي باراك أوباما، مؤكدا قتل الإرهابي العالمي أسامة بن لادن في مدينة أبوت باد الباكستانية على بعد خمسين كيلومترا من العاصمة إسلام أباد، بعد تحريات وملاحقات دامت ما لا يقل عن عشرة سنوات، أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية بامتياز مخجل ومسيء للإسلام والمسلمين، هو من أهم الأخبار طوال السنوات العشر الماضية. وفعلا فإن القوة الأمريكية الشجاعة التي نفّذت هذه العملية بمساعدة الجيش الباكستاني المسلم، تستحق الشكر والتقدير الذي قدّمه لها الرئيس أوباما، ونفس الشكر للرئيس الباكستاني الذي شارك جيشه المسلم في قتل هذا الإرهابي.
لماذا يستحق هذا الإرهابي القتل الذي حصل؟
أولا: لأنّه قام بالعملية الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر 2001 ضد برجي التجارة العالميين في مدينة نيويورك الأمريكية، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن أربعة ألاف إنسان بريء من مختلف الجنسيات، بينهم مئات من المسلمين. فما هو ذنب هؤلاء الأبرياء كي يخطط هذا الإرهابي لقتلهم؟. وما هو حكم القرآن والإسلام في هذا النوع من القتل؟. يقول الله تعالى ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا). فما بالكم بمن قتل ما لا يقل عن أربعة ألاف نفسا؟. هل كل هؤلاء ألالاف مذنبين ومخطئين كي يقتلهم الإرهابي بن لادن ومجموعة القتلة الذين أرسلهم لينفذوا عملية القتل الوحشية؟ ولذلك كانت عقوبة القاتل في الإسلام بجنس فعله، فكما حرم آخرين من الحياة يستحق أن يحرم منها. قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ).
ثانيا: تشويهه لصورة الإسلام والمسلمين عندما أعلن رسميا ومرارا بالصوت والصورة مسؤوليته وتنظيمه القاعدة الإرهابي، المسؤولية الكاملة عن هذه العملية الإجرامية، وإطلاقه عليها اسم ( غزوة نيويورك ) على غرار غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم. واستمر سنويا هو ومساعده الإرهابي أيمن الظواهري يحتفلون بذكراها المشينة، مطلقين على الإرهابيين الذين نفّذوها اسم ( الأبطال المجاهدون). وليس هذه العملية فقط، فقد استمر تنظيمه الإرهابي يرتكب القتل والذبح في العديد من الأقطار الإلعربية والإسلامية مثل العراق وباكستان وأفغانستان والصومال ، والعديد من الدول الأوربية مثل بريطانيا وفرنسا وغيرها، ويعترفون بذلك علنا بالصوت والصورة، مبررين أعمالهم هذه دوما بآيات من القرآن الكريم وأحاديث الرسول الكريم وسيرة حياته. فهل هناك من يملك القوة للإساءة للإسلام وتشويه صورة المسلمين أكثر من هذا الإرهابي وتنظيمه القاعدة ؟
ثالثا: تفرغ مساعده الإرهابي أيمن الظواهري لبث الفرقة بين المسلمين عبر تصريحاته وبياناته التي لا أعتقد أنّ حدثا عربيا أو إسلاميا أو عالميا، لم يصدر بيانا أو فيديو مصور حوله. وكافة التنظيمات بما فيها الإسلامية مثل حماس وحزب الله وكذلك السلطة الفلسطينية ،لم يسلموا من نقده وهجومه، وأصبح يتصرف فعلا كأنه حكيم العالم أجمع بقدرات تفوق قدرات الأنبياء والصحابة والمرسلين.
رابعا: قيام الإرهابي ابن لادن شخصيا بتخطيط وتنفيذ عملية اغتيال أستاذه مؤسس تنظيم القاعدة الشيخ الدكتور عبد الله عزام في الرابع والعشرين من نوفمبر 1989 مع ولديه محمد وإبراهيم ، بعد استفحال الخلافات بينهما، خاصة بعد قرار الشيخ عبد الله عزام أن يكون دور ابن لادن في التنظيم لا يتعدى الدعم المالي، وإحالة مسؤولية مكتب الخدمات لشخص آخر يدعى أبو حذيفة. وهناك من يؤكد أنّ ابن لادن توقف عن التبرع بالمال للتنظيم منذ عام 1986 ، وأنّه قد بدأ الانفصال عن الشيخ عبد الله عزام تنافسا على القيادة منذ عام 1987 وكان معسكر القاعدة الذي أنشأه بن لادن قد تخصص في منافسة مكتب الخدمات الذي كان قد أنشأه ويديرة الدكتور عبد الله عزام. ومن المهم التمعن في أنّ هذه المنافسة لا يملك ابن لادن بصددها سوى المال، فهو لا يمكن فكريا أن يوضع في أي مستوى تنافسي مع الدكتور عبد الله عزام، وهو أي ابن لادن لا يحمل حتى شهادة الدراسة الثانوية، وهذا ما أكدته أم محمد زوجة الدكتور عبد الله عزام. وقد حدثت القطيعة شبه النهائية بينهما بعد انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان في فبراير 1989 ، إذ تصاعدت الخلافات علنيا، ولمّا كان الدكتور عبد الله عزام ما يزال هو ( أمير الجهاد بين العرب )، حشد ابن لادن أنصاره بقوة وسطوة المال، فأجرى انتخابات بين من كان يطلق عليهم ( الأفغان العرب )، واختاروه أميرا للجماعات الإسلامية في أفغانستان، وكانت هذه الخطوة هي القطيعة النهائية بينه وبين الدكتور عزام، التي أدّت لاغتياله بعد شهور قليلة في نوفمبر 1989.
رابعا: قيامه بتخطيط وتنفيذ عملية اغتيال أحمد شاه مسعود زعيم التحالف الشمالي في أفغانستان في التاسع من سبتمبر 2001، يومين قبل العملية الإرهابية ضد برجي التجارة العالميين في نيويورك. وقد استخدم صحفيين عربيين لاغتيال ابن مسعود، قاما بتخبئة القنبلة في كاميرا الفيديو التي سيصورا بها المقابلة مع ابن مسعود، وقد بدأت التصوير فعلا، وعند سؤاله: ماذا أنت فاعل بإبن لادن إن تمكنت من السيطرة على كابول؟. وقبل أن يجيب فجّرا القنبلة فقتل ابن مسعود والصحفي حامل الكاميرا، أما الصحفي الثاني فقد فجّر نفسه بحزام ناسف كان على وسطه، والصحفي الثالث الذي بدأ بالتكبير فرحا قتله حراس ابن مسعود.
خامسا: معرفة ابن لادن أنّ بقاء الشيخ الدكتور عبد الله عزام على قيد الحياة، لن يوافق على العمليات الإرهابية التي كان ينوي ويخطط لها، وهذا ما أكدته أم محمد زوجة الدكتور في مقابلتها مع جريدة الشرق الأوسط اللندنية في الثامن والعشرين من أبريل 2006 ، عندما سألتها الجريدة:
لو كان عبد الله عزام على قيد الحياة اليوم، هل كان سيؤيد عمليات laquo;القاعدةraquo; وهجمات سبتمبر؟
فأجابت:
( لا أعتقد أن الشيخ عبد الله كان سيؤيد مثل هذا العمل، وفي حياته كانت إمكانيات المجاهدين أفضل، لكنهم لم يناقشوا مثل هذا الامر، وكانت التنقلات أسهل بين المطارات العالمية، لكنه كان يؤيد الحركات الجهادية الواضحة، أي القتال وجها لوجه ضد من يعتدي على حقوق المسلمين ويستبيح دماءهم، وأوطانهم مثلما حدث في افغانستان).
ملاحظة مهمة للتمعن والتفسير
أليس جديرا بالملاحظة والتأمل والبحث عن تفسير لموضوع مفاده، أنه رغم الانتقادات الشديدة التي وجهها الإرهابي أيمن الظواهري مساعد ابن لادن للسلطة الفلسطينية وحركة حماس، إلا أنّه طوال تاريخ قاعدتهما الإرهابية، لم تقم بأية عملية ضد الاحتلال الإسرائيلي لا في داخل إسرائيل أو خارجها؟. لماذا؟.
لذلك فإنّ أفضل الأخبار في شهر مايو لعام 2011 ،
سيكتب في التاريخ أنه خبر قتل الإرهابي ابن لادن الذي شوّه صورة الإسلام والمسلمين والعرب، وإن شاء الله واستطاعت القوات الأمريكية بمساعدة القوات الباكستانية المسلمة يأتي الدور على مساعده أيمن الظواهري. إنّه حدث يستحق التهنئة لكافة العرب والمسلمين وألاف الضحايا من جراء عملياته الإرهابية خاصة ما جرى في الحادي عشر من سبتمبر 2011 في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث يعيش ما لا يقل عن ثمانية مليون مسلم، يمارسون طقوسهم العبادية ويبنون مساجدهم ومدارسهم الإسلامية بحرية لا توجد في أغلب الدول العربية والإسلامية.
ولهذا كان بيان حكومة المملكة العربية السعودية التي سبق منذ سنوات أن سحبت الجنسية السعودية من هذا الإرهابي، بيانا شجاعا وحكيما، عندما quot; أعربت عن أملها بأن يشكل القضاء على زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن خطوة نحو دعم الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة الإرهاب وتفكيك خلاياه والقضاء على الفكر الضال الذي يقف وراءه quot; خاصة كما قال البيان: quot; إن الشعب السعودي من أكثر الشعوب التي استهدفها تنظيم القاعدة الإرهابي بجرائمه وإزهاقه للأرواح البريئة التي حرمها الله إلا بالحق وترويع الآمنين وزعزعة أمن واستقرار المجتمع quot;. وهذه نهاية كل الإرهابيين الذين حرّفوا معنى الإسلام والجهاد وكافة القيم الإنسانية.
التعليقات