التحليلات الموضوعية البعيدة عن الإثارة والتنافس التحاصصي، تؤكد أهمية الصفقة التي وقعتها حركة حماس بإشراف الحكومة المصرية وأسفرت عن تحرير 1027 أسيرا فلسطينيا، مقابل الجندي المدلل الأسير الإسرائيلي الفرنسي جلعاد شاليط، وذلك بعد تعنت إسرائيلي وصبر وصمود حمساوي دام قرابة خمس سنوات. ندرك حزن وألم العائلات التي لم تشمل الصفقة أبناءهم الأسرى والسجناء في سجون الاحتلال، وفي الوقت ذاته فرح وسرور العائلات التي تمّ إطلاق سراح أبنائها. إنّها أقصى ما تمكنت حماس من الوصول له بعد مباحثات قاسية وتعنت احتلالي لا مثيل له، ولو كان بقدرة حماس أو غيرها من المنظمات تحرير وإطلاق سراح كل الأسرى، هل كانت ستتردد؟. لذلك فلنشعر مع أحزان البعض ونعيش أفراح البعض، أمّا التشكيك في نوايا حماس وقصدها استبعاد بعض الأسرى من الصفقة فهو مجرد مزايدات لا معنى لها ولا تنسجم مع الحقيقة المعاشة. وأقولها بشجاعة وصراحة رغم نقدي الكثير لبعض ممارسات حماس بعد انقلابها العسكري وسيطرتها المنفردة على قطاع غزة في الرابع عشر من يونيو عام 2007 ، أنّها كحركة سياسية تشكر على هذه الصفقة وتثمّن جهودها وصبرها الشجاع.
وصفقات إقليمية قادمة..فانتظروا!!!
ربما لا يكون هناك علاقة بين صفقة شاليط التي أنجزتها حركة حماس وصفقات قادمة، إلا أنّ المؤشرات توحي بصوت عال أنّ الصفقة القادمة ستكون أيضا حمساوية، لأنّ صفقة شاليط أو شلوط لا فرق، أثبتت وجود حماس فلسطينيا و عربيا و إسرائيليا كقوة لا يمكن تجاهلها. أما الصفقة أو الخطوة المتوقعة التي تكثر التحليلات والتكهنات والمعلومات عنها، فهي العودة لعلاقة قريبة من الطبيعية مع الحكومة الأردنية، بعد قطيعة دامت منذ عام 1999 عندما أبعد الأردن أربعة من قيادة الحركة من ضمنهم خالد مشعل رئيس الحركة، واستضافتهم دولة قطر في ذلك الوقت، وأعقب ذلك قطيعة أردنية حمساوية، وفتور في العلاقات حينا وتأزم حينا آخر بين الأردن وقطر. هذا رغم أنّه يسجّل للراحل الملك حسين، هو من أنقذ حياة خالد مشعل بعد محاولة الاغتيال التي قامت بها الموساد في الخامس والعشرين من سبتمبر عام 1997 في العاصمة الأردنية عمّان، بأوامر مباشرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو آنذاك، عن طريق رش السمّ في أذنيه، وتم اعتقال عملاء الموساد، واصرّ الملك حسين على نتنياهو أن يرسل فورا الدواء المضاد لذلك السمّ الخفي، والإفراج عن الشيخ أحمد ياسين، وإلا سيلغي اتفاقية وادي عربة ويستمر سجن عملاء الموساد المقبوض عليهم، فرضخ نتنياهو وأرسل المضاد للسم حيث تمّ انقاذ حياة خالد مشعل، وزاره الملك حسين للإطمئنان على صحته وشفائه، و تمّ إرسال الشيخ أحمد ياسين للعلاج في المدينة الطبية الأردنية وزاره الملك حسين أيضا قبل عودته لقطاع غزة.
وبعد عامين تأزمت العلاقات الحمساوية الأردنية على خلفيات كثيرة منها نشاطها المتزايد في الساحة الأردنية من خلال غطاء جماعة الإخوان المسلمين وحزبها (جبهة العمل الإسلامي)، وخلفية قانونية تمنع المواطن الأردني أن يكون عضوا في حزب أو جماعة غير أردنية، وحماس في هذا السياق تعتبر نفسها حركة فلسطينية، فتمّ إبعاد القادة الأربعة عام 1999 إلى قطر بتنسيق مع السلطات القطرية، وقد عاد منهم في يونيو 2001 الناطق الرسمي باسم الحركة إبراهيم غوشة على متن طائرة قطرية بدون علم أو تنسيق مسبق مع السلطات الأردنية، وتمّ احتجازه والطائرة القطرية عدة أيام في مطار عمّان، مما أدّى لأزمة قطرية أردنية، انتهت المشكلة بدخوله الأردن بعد إعلانه تخليه عن أي موقع تنظيمي داخل حركة حماس، ومن يومها لم يمارس في الأردن أي عمل أو يصدّر أي تصريح باسم حماس، إذ يعيش كمواطن أردني عادي جدا بدون أية نشاطات سياسية أو تنظيمية لأي جهة فلسطينية أو أردنية.
زيارتان لمشعل مهدتا الطريق،
الأولى إثر الموافقة الملكية الأردنية السريعة على طلبه المشاركة في جنازة والده المرحوم الشيخ عبد الرحيم عبد القادر مشعل، الذي كان يعيش في الأردن مواطنا أردنيا عاديا بدون أي نشاط سياسي، وقد وصل في التاسع والعشرين من أغسطس 2009 بشكل عاجل، حيث شارك في مراسم تشييع والده ظهر نفس اليوم، وأمّ المصلين في صلاة الجنازة التي تمت في مسجد الجامعة الأردنية، ثم تمّ دفنه في مقبرة صويلح القريبة من العاصمة. والزيارة الثانية لمشعل للعاصمة الأردنية عمّان كانت في نهاية سبتمبر الماضي لزيارة والدته المريضة، وقد تمت الزيارة بشكل طبيعي دون أن يرافقها أية اتصالات أو تصريحات سياسية لخالد مشعل.
مؤشرات جديدة،
توحي بارتفاع حرارة العلاقات الحمساوية مع الأردن، ومنها استقبال رئيس الوزراء الأردني الجديد الدكتور عون الخصاونة، وقبل تشكيله الحكومة التي صادق عليها الملك عبد الله الثاني يوم الرابع والعشرين من أكتوبر الحالي، لمحمد نزال القيادي في حركة حماس الذي نقل له تهنئة الحركة بتكليفه بتشكيل الحكومة الأردنية الجديدة، كما تلقى الخصاونة اتصالا هاتفيا للغرض ذاته من خالد مشعل. هذه الزيارة والاتصال الهاتفي ليس عفويان خاصة مع رئيس وزراء مكلّف لم يعلن تشكيلته الحكومية أثناء تلك الزيارة والاتصال.
مستقبل العلاقة إن عادت لها الحرارة والودية،
لن تخرج عن ضوابط وثوابت أردنية من غير الممكن تجاوزها و تدركها حركة حماس جيدا، لأنّها كانت خلفيات إبعاد قادتها الأربعة من الأردن عام 1999 إلى قطر على طائرة قطرية وبمرافقة وزير قطري. هذه الضوابط هي:
أولا: عدم الخلط التنظيمي بين حركة حماس كتنظيم فلسطيني يسيطر ويحكم جزءا من الأراضي الفلسيطينية وهو قطاع غزة، وبين جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم أردني له حزبه السياسي الرسمي المعترف به (جبهة العمل الإسلامي).
ثانيا: عدم القيام بأي عمل أو نشاط تنظيمي في أوساط الشعب الأردني بكافة مكوناته وأصوله، رغم الاعتراف المؤكد بالشعبية التي تحظى بها حماس في أوساط الشعب الأردني، وهي بالمؤكد تفوق الشعبية التي تحظى بها السلطة الفلسطينية.
أعتقد أنه بالمحافظة على هذين العاملين الأردنيين لن يكون هناك أية عقبة أمام تواجد قيادة الحركة في الأردن، وللعلم فهي نفس الضوابط التي حكمت عمل حماس أثناء تواجدها في قطر وسوريا. ولنسأل أسئلة مهمة بخصوص تواجد قيادة الحركة في سوريا طوال السنوات الماضية:
1. هل مارست عملا مسلحا ضد الاحتلال الإسرائيلي من الحدود السورية عبر الجولان السوري المحتل أيضا؟
2. هل حاولت توصيل أسلحة للقطاع عبر الحدود أو المياه والشواطىء السورية؟
3. هل قامت بتنظيم مواطنين سوريين في صفوفها كأعضاء في الحركة؟
4. هل تعدّى وجود قيادتها في سورية كونه مجرد مكان للإقامة والعيش والتواصل العادي مع تنظيمات فلسطينية موجودة على الأراضي السورية بموافقة المخابرات السورية أساسا؟
ضمن هذه الضوابط المتعارف عليها في أكثر الدول العربية،
أعتقد أنّه ليس بعيدا أن نشهد قريبا تواجد قيادة حماس في الأردن سواء لإقامة دائمة أو إقامات رسمية قصيرة أو طويلة حسب حاجتهم، خاصة أنّ الأردن الرسمي منذ سيطرة حماس على القطاع في يونيو 2007 سعى متعمدا على إحياء التواصل مع الحركة عبر القوافل الطبية والمساعدات الإنسانية والمستشفيات الميدانية لخدمة ومساعدة سكان القطاع في مواجهة الحصار الإسرائيلي الظالم الفاقد لأي مبرر. ويبدو التواصل الأردني الرسمي المتوقع مع الحركة قريبا ضروريا في ظل استمرار السيطرة المنفردة للحركة على القطاع، وهي السيطرة المتوقع استمرارها طويلا في ظل التعثر والفشل الدائمين للمصالحة الحمساوية الفتحاوية أو الحماسية العباسية، وبالتالي ليس من مصلحة الشعب الفلسطيني تجاهل الحركة التي تسيطر على القطاع الذي يسكنه قرابة مليون ونصف فلسطيني. ومن المهم التذكر أنّ غالبية قيادة حماس مواطنين أردنيين يحملون الجنسية الأردنية، فما المانع من وجودهم في الأردن ضمن الضوابط والمعطيات السابقة، خاصة إذا تذكّرنا أن الرفيق نايف حواتمه (أبو النوف) الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير مواطن أردني ويحمل الجنسية الأردنية، وعاد منذ سنوات للإقامة في وطنه الأردن وهو ما زال يحمل صفته التنظيمية كأمين عام للجبهة الديمقراطية.
هذه توقعاتي وتحليلاتي ضمن معطيات متداولة، والأيام القليلة القادمة ستحكم على صحتها أم هي مجرد تنبؤات لم تتحقق. والعلم عند الله وحكومة الدكتور عون الخصاونة.
[email protected]
التعليقات