شكرا لقراء إيلاف،
الذين يؤيدونني في أفكاري وقناعاتي والذين يخالفونني نسبيا أو بالمطلق، وهذا الشكر نابع من قناعاتي بأنّه لا أحد يستطيع الإدعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة، وبالتالي فإن الخلاف في الرأي ينبغي أن لا يفسد المودة بين الكاتب وقرائه، وكم هو حضاري وعقلاني أن يخالف أحد السادة المعلقين كافة آرائك الواردة في مقالتك وينقضها، ويكتب في نهاية تعليقه (وشكرا للقراء والكاتب). وانطلاقا من قاعدة الحوار المشترك هذه، أودّ أن أوضح خلفية موقفي الناقد بحدّة للنظام السوري، مما أنتج تعليقات لبعض السادة القراء مفادها أنّ لي موقف وعداوة شخصية من النظام السوري. وهنا سوف أسردّ مجموعة من الحقائق والأسئلة للنقاش بيني وبين القراء أملا في الوصول لقناعات مشتركة، وأرحب وأشكر كل من ينقض أية معلومة بحقيقة مغايرة.

بدايتي السورية
قبل عام 1982 زرت سوريا مرات قليلة خاصة في إجازة الصيف اثناء عملي مدرسا وصحفيا في الكويت. وبعد أن استقريت في بيروت بعد ترحال بين العديد من العواصم العربية، عشت حصار بيروت عام 1982 لمدة 88 يوما مع العديد من المقاتلين والكتاب والصحفيين الفلسطينيين. وبعد اتفاقية عرفات والمبعوث الأمريكي فيليب حبيب توزع الفلسطينيون على العديد من العواصم العربية، وكنت من ضمن الدفعة التي خرجت بحرا يوم الثلاثين من أغسطس عام 1982 إلى ميناء اللاذقية السوري، ليستقر بي المقام في سوريا حتى السابع عشر من يوليو 1990. فماذا شاهدت وعايشت طوال السنوات الثمانية تلك؟

فرق بين الشعب والنظام
في البداية أؤكدّ أنّ صفات وممارسات وسلوك نظام الأسدين ومسؤوليه كما عايشتها لا علاقة لها بأخلاق الشعب السوري الحضارية الكريمة، التي تأسرك ببساطتها وطيبة أهلها. فماذا شاهدت وعايشت في السنوات الثمانية تلك؟.

الفساد الذي لا مثيل له
حيث رسّخ ذلك النظام منظومة من الفساد شملت كافة نواحي الحياة السورية، بحيث أصبح من المستحيل خاصة إذا كنت غير سوري أن تنهي معاملة أو توقيع ورقة بدون رشوة، يطلبها منك الموظف صراحة وعلانية بدون خجل في كافة مكاتب وإدارات النظام بما فيها مطار دمشق. وهذا الفساد هو الذي وضع حسب كافة الدراسات ما لا يقل عن ستين بالمائة من ثروة واقتصاد الشعب السوري بيد أخوال الرئيس الأسد (آل مخلوف) الذين أطلقت عليهم المؤسسات الأمريكية والأوربية اسم (إمبراطورية آل مخلوف)، وهم الذين جاءوا إلى دمشق بعد انقلاب الأسد الأب وهم لا يملكون إلا القمصان التي تستر أكتافهم.

المتاجرة باسم القضية الفلسطينية
الصدمة الأولى التي عشتها في دمشق، هي أنّ هناك فرع رئيسي في المخابرات الأسدية اسمه (فرع فلسطين)، وأتذكر أن من أسمائه أيضا ما كان يعرف ب (الفرع 297) إن لم أنس الرقم الصحيح. لماذا فلسطين بالذات، وهناك 22 دولة عربية؟ لماذا لا يوجد فرع اسمه فرع مصر أو الكويت أو قطر أو..أو...لماذا فلسطين تحديدا؟ الصدمة الثانية هي عند إطلاعي على تعليمات هذا الفرع الموزعة على كل المنظمات الفلسطينية التي كان لها مكاتب في دمشق، وأهمّ تلك التعليمات:

1. يمنع منعا باتا إطلاق رصاصة على إسرائيل من الحدود السورية، ومن يريد محاربة إسرائيل فليذهب إلى جنوب لبنان ونحن نسهل وصوله. وهذا التسهيل كان عبر إصدار نمرة صفراء لسيارات المنظمات الفلسطينية، تجعل من صلاحية السيارة أن لا تقف ولا تفتش أمام الحواجز السورية واللبنانية التي هي أساسا تحت مراقبة المخابرات الأسدية. وبالطبع لم تستعمل هذه المنظمات النمرة الصفراء لإدخال السلاح لمحاربة إسرائيل، بل لتهريب وإدخال المهربات من السجاير والكحول وألأجهزة الكهربائية.

2. كل أمور المنظمات الفلسطينية والفلسطينيين غير السوريين، من مهمات فرع (الضابطة الفدائية) في منطقة العدوي. ولا يجوز لأي فلسطيني أن يغادر دمشق برا أو جوا إلا بإذن مسبق من مكتب الضابطة الفدائية التي كان يرأسها العميد عبد الرحمن قاسمو، وغالبا ما كان يتم الحصول على الإذن برشوة أيا كان حجمها.

هل أطلق نظام الممانعة رصاصة منذ عام 1973 ؟
لقد اكتسب نظام الأسد الأب ومن بعده الوارث الإبن صفة المقاومة والممانعة، فما هي مؤهلات ذلك؟. كيف يكون نظام ممانعة ومقاومة وهو لم يطلق رصاصة على الإحتلال الإسرائيلي منذ عام 1973 ؟ كيف يكون نظام مقاومة وهو لم ينظّم ويدعم حتى مقاومة سلمية وشعبية للإحتلال الإسرائيلي للجولان منذ عام 1967 ؟ وفي الوقت نفسه يجري مباحثات علنية مع إسرائيل في تركيا وغيرها من الدول، وهدف تلك المباحثات عودة الجولان المحتل. فلماذا عندما استعاد السادات كامل الأراضي المصرية المحتلة عبر اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 أصبح خائنا، بينما نظام الأسود ممانع وهو يقول علنا: لا سلام ولا صلح إلا بعد استعادة الجولان؟.

لماذا اعتقال قيادات المقاومة الفلسطينية؟
1. ماذا فعل الرفيق صلاح صلاح عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كي يتمّ اعتقاله عام 1986 تقريبا لمدة تزيد على سنتين؟. والله لم أعرف الرفيق صلاح صلاح بعد خروجه من السجن وزيارته في مكتب الجبهة الشعبية؟

2. ماذا فعل الأخ توفيق الطيراوي مدير المخابرات الفلسطينية السابق في الضفة الغربية ليتمّ اعتقاله عام 1983 لمدة زادت على ستة سنوات، خرج بعدها من السجن يعاني من أمراض عديدة؟

3. ماذا فعل ياسر عرفات وخليل الوزير ليتم طردهما من دمشق عام 1983 ، وإغلاق مكاتب حركة فتح في كافة أنحاء سوريا. ثم تدبير الانشقاق على فتح من قبل عملاء المخابرات الأسدية أبو موسى وأبو خالد العملة؟ ثم حصار ياسر عرفات ومقاتليه في مدينة طرابلس في شمال لبنان وقصفهم بالطائرات والمدفعية مما أدّى لسقوط المئات من القتلى ، ولم يخرج عرفات سالما إلا بحماية البحرية الفرنسية. وبعد ذلك دعم المنشقين عن فتح مع عميل المخابرات الأسدية أحمد جبريل لافتعال حرب المخيمات الفلسطينية في بيروت عامي 1986 و 1988 التي قتل فيها أولئك العملاء ما يزيد على 3000 فلسطيني، ثم تهجير جماعي لأعضاء وعائلات حركة فتح إلى الجنوب اللبناني.

4. ماذا فعل مئات السجناء والمفقودين الفلسطينيين والأردنيين واللبنانيين في سجون الأسدين منذ ما يزيد على أربعين عاما؟. وتوجد قوائم رسمية موثقة بأسمائهم لدى غالبية منظمات حقوق الإنسان في بلادهم والعالمية أيضا؟. وآخر هولاء المفقودين في سجون الأسد منذ الثامن والعشرين من ديسمبر 2010 الكاتب والصحفي الفلسطيني مهيب النواتي الذي وصل دمشق قادما من أوسلو للمرة الأولى في حياته فيختفي هناك حتى اليوم.

5. هل هناك من يستطيع نسيان مجازر هذا النظام من مذبحة حماة عام 1981 إلى المذابح الأخيرة في غالبية المدن السورية المطالبة بالحرية والديمقراطية؟

6. هل يستطيع أي محايد أو مؤيد للنظام أن يثبت مرور إسبوع في سوريا دون اعتقالات لنشطاء حقوق الإنسان وحرية التعبير؟.

7. هل هناك من يستطيع انكار قتل المئات من المتظاهرين في سوريا الشهور القليلة الماضية؟ هل كل هؤلاء المواطنيين بلطجية وسلفيين و إرهابيين؟.

7. ما هي جريمة مئات ألالاف من المواطنين السوريين من القومية الكردية حتى تسحب منهم الجنسية السورية، ولا يحملون أية أوراق ثبوتية؟ ما هي جريمة الشعب السوري من القومية الكردية حتى يحرموا من استعمال لغتهم القومية بينما الاحتلال الإسرالئيلي يسمح منذ عام 1948 للفسطينيين باستعمال لغتهم وثقافتهم العربية؟.
8. هل هناك ضمير أو عاقل يقبل مسخرة توريث بشار لوالده الأسد؟. من يستطيع أن يدافع عن فضيحة تغيير الدستور السوري خلال ساعتين ليصبح على مقاس وعمر بشار؟. أنا استغرب لدرجة الجنون من شخص يقول أنه درس الطب في بريطانيا ، حيث ملكة بريطانيا لا تستطيع إصدار قانون واحد، بينما هو يقبل هذا التزوير الفاضح ليخلف والده الذي استولى على السلطة أساسا بانقلاب عسكري على رفاقة البعثيين.

بعد كل هذه الحقائق والتساؤلات،
هل هناك من السادة القراء أو رموز النظام من يستطيع نقضها؟. لذلك فلا عداوة شخصية بيني وبين نظام الأسود في سوريا، بقدر ما هي عداوة هذا النظام للشعب السوري، وبالتالي فموقفي مع الشعب وضد تزوير الجقائق وضد الممانعة الكاذبة التي تمنع أية مقاومة من الحدود السورية.

وتكفي تصريحات رامي مخلوف،
التي فضحت النظام ، فهذا الرامي يحذّر إسرائيل من أنّ سقوط النظام الأسدي خطر عليها وتهديد لأمنها، وبنيامين نيتنياهو يطالب موسكو صراحة بوقف تصدير السلاح للنظام السوري، مخافة سقوطه ووقوع الأسلحة بعد ذلك بيد معادين لإسرائيل....بعد كل هذه الحقائق هل يستحق هذا النظام دعما و تعاطفا ودفاعا من أي مواطن سوري وعربي؟.
[email protected]