التصريح الذي أدلى به حسن خليل المعاون السياسي للسيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله، يوم العشرين من نوفمبر 2010 بعد زيارته لحليف الحزب العماد ميشيل عون رئيس التيار الوطني الحر، تصريح خطير بكل معاني الخطورة السرّية والعلنية، لأنه يعبّر عن نوايا وخطط مبيتة لدى الحزب وحلفائه، إذ لم تسر كل مجريات الساحة اللبنانية وفق ما يريدون. ففي تصريحه ردا على أسئلة الصحفيين حول التداعيات المحتملة للقرار الظني المرتقب عن المحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005، عبّر عن أمله في نجاح ما سمّاه ( الجهد العربي خصوصا السوري السعودي) في وقف صدور القرار الظني، وإلا (بتقديري إذا لم يحصل هذا الأمر يمكن أن يذهب لبنان إلى المجهول).

هناك العديد من الملاحظات حول المحكمة الدولية المعنية بالتحقيق في اغتيال الحريري ومنها:

1. تداخل عملها مع أجندات سياسية مختلفة، مما أفقدها مسبقا نسبة من حياديتها المتوقعة من هكذا محكمة، بدليل استقالة أكثر من مسؤول ممن كانت لهم صلاحيات عليا فيها.

2. هناك العديد من الشخصيات اللبنانية التي تمّ اغتيالها قبل رفيق الحريري، مثل كمال جنبلاط وبشير الجميل وسليم اللوزي، وبعد الحريري تمّ اغتيال العديد منهم عماد مغنية،جبران تويني، سمير قصير وآخرون، ولم يتم تشكيل محكمة دولية للتحقيق في اغتيال هذه الشخصيات المهمة، فلماذا التحرك الدولي لاغتيال الحريري فقط؟.

3. وهناك العديد من الشخصيات الفلسطينية والعربية التي تمّ اغتيالها مثل الرئيس ياسر عرفات، الشيخ أحمد ياسين، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، محمد المبحوح، يحيى عياش،المهدي بن بركة وآخرون، ولم يطالب أحد بتشكيل محاكم دولية للتحقيق في اغتيالهم. فهل اغتيال عن اغتيال بيفرق؟.

4. قضية ما يعرف ب quot;شهود الزورquot; لا بد من حسمها لبنانيا، لأن حزب الله معه الحق كل الحق في الاصرار على هذه المسألة، لأنّ هؤلاء الشهود قد ضللوا مسار التحقيق في قضية اغتيال الحريري، بدليل تبرئة سورية من قبل سعد الحريري شخصيا، ثم الإفراج عن الضباط الأربعة بعد سجن أربعة سنوات. والعدالة لا تتجزأ، فكما أنه من الضروري الكشف عن قتلة الحريري، فمن الضروري معاقبة شهود الزور هؤلاء لأن هدفهم كان التستر على قتلة الحريري الحقيقيين، أو تلفيق أدلة كاذبة للحصول على امتيازات شخصية.

ورغم ذلك يبقى السؤال المهم هو:

لماذا..ومن يخاف المحكمة الدولية؟

كرّرالسيد حسن نصر الله ووسائل إعلام حزب الله مرارا امتلاك الحزب الوثائق المسجلة والمصورة التي تثبت مسؤولية إسرائيل عن عملية اغتيال الحريري، لذلك فلا يفهم كثير من اللبنانيين والعرب، لماذا تتركز معارضة المحكمة الدولية عند حزب الله فقط، طالما هو يمتلك هذه الأدلة القاطعة المؤكدة، لأنه مهما كانت المحكمة مسيسة، وتنصاع لرغبات دول أخرى عظمى أم غير عظمى، فلا يمكنها أن تتجاهل أدلة حزب الله في حال تقديمها ومساعدة المحكمة في إثبات هذه الأدلة، لأنه في عصر العولمة الإعلامية، ما عاد ممكنا إخفاء أية حقيقة بدليل عشرات ألاف الوثائق السرّية التي كشفها موقع ويكليكس. فلماذا يعارض حزب الله وحده المحكمة الدولية إذا كان بريئا من اغتيال الحريري، ويملك أدلة ثابتة حسب إعلان قياداته تدين إسرائيل؟. فهل المعارضة للمحكمة الدولية مبرر في هذه الحالة؟. إنّ المنطق عندئذ لا يحتمل سوى هدفين: إما الخوف من إدانة المحكمة لعناصر من حزب الله، أو أنّ ما يقوله الحزب عن أدلة تثبت تورط إسرائيل غير مقنعة وليست صحيحة، لأنه من غير الممكن أن يكون هدف الحزب من معارضة المحكمة هو عدم إدانة إسرائيل، وبالتالي لو كان ما يملكه الحزب مقنعا لما عارض وحده المحكمة بهذا الشكل العنيف الذي يهدد من خلاله الأمن والاستقرار اللبناني بأجمعه.

موقف سعد الحريري وتبرئة سورية

ما يزيد الموقف تأشيرا نحو حزب الله، هو ما أعلنه سعد الحريري منذ شهور قليلة عن قناعته ببراءة سورية من دم والده، وفي الوقت ذاته ما تمّ تسريبه حول تلميح سعد الحريري لحزب الله بأنّ القرار الظني سوف يدين عناصر من الحزب، وجرى إثر ذلك تداول سيناريوهات منها أن يعترف الحزب بذلك، ويعلن أنها عناصر غير منضبطة تصرفت بدون أوامر من قيادة الحزب، ويتم محاكمتها داخل لبنان. ورغم تبرئة سعد الحريري للنظام السوري، إلا أنّ ملفات تحقيق المحكمة الدولية ستتعرض للشخصيات السورية التي تمّ اغتيالها بعد اغتيال الحريري، ومنها العميد محمد سليمان الذي اغتيل في دمشق في أغسطس 2008، بعد ستة شهور تقريبا من اغتيال عماد مغنية المسؤول العسكري لحزب الله في منطقة المخابرات السورية (كفر سوسة) في فبراير 2008، ومن بعدهم وزير الداخلية السوري اللواء غازي كنعان الذي اغتيل في مكتبه في دمشق في يناير 2009 ثم الإعلان أنه انتحر.

والملاحظة المهمة لدى ضباط تحقيقات المحكمة الدولية هي: لماذا أغتيل عماد مغنية في دمشق، وبعده بستة شهور يتم اغتيال العميد السوري محمد سليمان الذي كان مسؤولا عن ملف عماد مغنية لدى المخابرات السورية؟. وما لم يتم نشره والتركيز عليه ما تمّ وسط هذين الاغتيالين في أبريل 2008 وهواغتيال مدير مكتب خالد مشعل المدعو (هشام أبو لبدة) وعائلته بالكامل وهم في سيارته على طريق دمشق حمص، دون أن تنشر حركة حماس أي خبر عن الحادث أو تفتح تحقيقا فيه، كما سكت حزب الله نهائيا على اغتيال عماد مغنية في دمشق، ولم يهدد بقطع أيدي كل من تورط في اغتياله، بينما يهدد في وجه المحكمة الدولية بقطع كل يد تمتد للمقاومة، وكأن المحكمة الدولية لديها جيش جرّار سيأتي لبنان لنزع وتدمير سلاح المقاومة الذي لم تتمكن إسرائيل بكامل قوتها من نزعه وتدميره.

نعم فلتقطع كل يد تمتدّ لسلاح المقاومة

أعتقد أنّ أي وطني ذو ضمير إنساني، يرفض المساس بسلاح المقاومة أيا كانت هويتها، فيتنامية أم لبنانية أم فلسطينية، لأنّ مقاومة الاحتلال-أي احتلال- مشروعة. ولكن هل مقاومة الاحتلال تعطي غطاءا لمقاوم إذا ارتكب جريمة؟ سواء ارتكبها بتصرف شخصي أم بأمر من قيادته؟. أعتقد أنّ المنطق الأخلاقي يدين المقاوم إذا ارتكب جريمة أكثر من إدانته للشخص العادي، بدليل ان حركة حماس في غزة والسلطة الفلسطينية في رام الله، سبق أن حكمتا بالإعدام على أكثر من شخص من عناصرها لارتكابه جريمة التجسس لصالح جيش الاحتلال الإسرائيلي، أي أن مقاومته السابقة لم تغفر له جريمته فتمت معاقبته عليها.

لذلك أرى أنه من غير الوطني ولا النضالي أن يهدد حزب الله بأخذ لبنان إلى المجهول، إن صدر القرار الظني عن المحكمة الدولية. وهو تهديد جدّي غلّفه حسن نصر الله بسلاح المقاومة، بينما أعطاه معاونه السياسي محمد خليل اسمه الحقيقي (القرار الظني). وهذا ما هو مخيف لأن المجهول الذي يهدد به محمد خليل، ليس مجهولا في الساحة اللبنانية، إذ له له شاهدان عاشهما اللبنانيون وسط شلالات من الدم: الأول هو الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت حوالي ستة عشر عاما ( 1975 ndash; 1991 ). والثاني هو اجتياح حزب الله لبيروت في مايو 2008 وما تخلله من قتل وتدمير.

الملاحظة التي ينبغي الانتباه لها، أنّ هذه الحرب الأهلية اللبنانية توقفت بعد وساطة المملكة العربية السعودية، وتوقيع الأطراف اللبنانية المتحاربة اتفاق الطائف في أغسطس 1989، وهو الاتفاق الذي أوقف تلك الحرب، وأعاد لبنان إلى الحياة البرلمانية التي تراعي خصوصيات كافة مكونات النسيج الوطني اللبناني. واليوم في ظل هذا المجهول يراهن اللبنانيون خاصة حزب الله على نجاح الوساطة السعودية السورية في إغلاق الطريق نهائيا أمام هذا المجهول، وهذا ما يأمله اللبنانيون فقد كفاهم قتالا وتشرذما. ونأمل فعلا أن تنجح الوساطة السعودية السورية عبر اتفاق الطائف رقم 2 أو اتفاق دمشق رقم 1، فلا يهمّ أين يوقع الاتفاق، المهم تجنيب لبنان ذلك المجهول المعلوم، الذي إن سار إليه فسيكون عبر قياداته وأحزابه وشخصياته، فلا يوجد مجهول من الفضاء يمكن أن يؤدي ببلد لذلك دون أدوات داخلية من أبنائه.

والمفارقة المبكية في تكتلات اليوم اللبنانية التي يمكن الذهاب بلبنان عبرها إلى المجهول، هي أن هذه التكتلات ليست مبدئية بقدر ما هي مصلحية مؤقتة لدى البعض. فمثلا العماد ميشيل عون، حليف حزب الله القوي اليوم لدرجة أنّ بعض اللبنانيين يسميه (السيد ميشيل عون، تماشيا مع صفة السيد حسن نصر الله )، رفض العماد-السيد اتفاق الطائف في أغسطس 1989، ورفض انتخاب النواب العائدين من الطائف آنذاك رينية معوض رئيسا للجمهورية، لأن الاتفاق كان ينصّ على انتشار سوري في الأراضي اللبنانية، وتم اغتيال رينية معوض بعد أسبوعين من انتخابه رئيسا للجمهورية، وخلفه الياس الهراوي الذي رفض العماد أيضا الاعتراف به، وتمت الاطاحة بالعماد من خلال عملية عسكرية سورية لبنانية برّية وجوية، ألجأته للهرب إلى السفارة الفرنسية التي ظلّ مختبئا فيها غير آبه بعناصره الذين تركهم وراءه، إلى أن نقلته السفارة إلى باريس التي ظلّ فيها لاجئا لمدة 15 سنة، ليعود بعد خروج الجيش السوري من لبنان، طالبا رضى ومغفرة النظام السوري وحزب الله، فكان له هذا عبر زياراته لدمشق وطهران. لذلك يسأل اللبنانيون سؤالا يشبه فوازير رمضان: ( ما الفرق بين جنرال باريس أمس وجنرال بيروت اليوم؟). ورغم ذلك يبقى الأهم من كل هذه الأسئلة هو سؤال: من سيذهب بلبنان إلى المجهول؟.
[email protected]