الانتخابات البرلمانية الأردنية الأخيرة التي جرت يوم الثلاثاء التاسع من نوفمبر 2010، أنتجت مجلس النواب الأردني السادس عشر في تاريخ المملكة الأردنية، وهو المجلس المكون من 120 نائبا، تمّ انتخابهم وفق قانون الانتخابات القائم على أساس (الصوت الواحد)، أي أن يعطي الناخب صوته لمرشح واحد في دائرته الانتخابية المسجل فيها مسبقا وغالبا حسب مكان سكنه الدائم. هذه الانتخابات أيا كانت بعض السلبيات البسيطة التي يمكن طرحها على بعض جوانب مراحل اجرائها، إلا أنه يمكن الجزم ببعض الحقائق الناتجة عن متابعة دقيقة لتلك المراحل.
أولا: النسبة العالية من الشفاقية والنزاهة التي تعاملت بها الجهات المختصة في كل مراحل الاعداد التي سبقت الانتخابات. فحوار الحكومة واتصالاتها مع الحركة الإسلامية التي أعلنت مقاطعتها للانتخابات، ظلّ متواصلا حتى اللحظة الأخيرة لاقناعها بالمشاركة، وكذلك النظر في ألاف الطعون حول بعض الناخبين خاصة حول أحقيتهم في التواجد في دوائر معينة وغير ذلك. رغم أنه عمليا إذا أرادت الحكومة برلمانا أقلّ ضجيجا ومشاكسة فمن مصلحتها عدم دخول الإسلاميين له. ولكن الحكومة أيا كان موقفها من هؤلاء الإسلاميين، تدرك أن وجودهم في المجلس يعطي تنوعا وثراء للحوار والرقابة في الوقت الذي تسعى الأردن لمزيد من التنوع الديمقراطي، مما يجعل الكثير من المراقبين يعتبرون التجربة البرلمانية الكويتية والأردنية من أفضل وأعمق التجارب العربية في هذا الميدان. وقد أشادت مراكز عالمية راقبت مسيرة هذه الدورة بنسبة النزاهة العالية ومنها quot;المعهد الجمهوري الدولي للانتخاباتquot; و quot;المعهد الديمقراطي الوطني الأمريكيquot;.
والدليل الساطع على نسبة النزاهة والشفافية هذه، هي أن الجهات المختصة أعلنت أنّ نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 53 % فقط. وفي حالة النية للتزوير وبيان التأييد الجماهيري الكاسح لهذه الانتخابات، كان بإمكان هذه الجهات تمشيا مع الطريقة العربية (99، 99 %) أن ترفع نسبة المشاركة على الأقل إلى سبعين بالمائة، وهي متوسط النسبة السائدة غالبا في انتخابات أعرق الديمقراطيات الغربية. فيما يتعلق بالمشهد الأردني ndash; وهذه ملاحظة عربية عموما ndash; أنّ العديد ممن طعنوا في النزاهة هذه، كانوا من المرشحين الذين خسروا الانتخابات. رغم أنّ المنطق الذي يسعى لمزيد من تأصيل الحراك الديمقراطي، يقتضي أن يدرسوا: لماذا فشلوا؟. هل بسبب عدم ثقة الناخبين فيهم؟ أم بسبب عدم تكتل العشيرة وراءهم، في ضوء أنّ نسبة من المرشحين فازوا باسم عشائرهم وقبائلهم، وهذه ميزة راسخة في المجتمع الأردني لها سلبياتها وايجابياتها، وتحتاج لوقت طويل وممارسة تثقيفية عميقة كي نخرج من إطار العشيرة الخاص إلى نطاق الوطن العام.
ثانيا: تتميز نتائج الدورة السادسة عشرة هذه، بنسبة الوجوه الجديدة في مجلس الأمة الجديد، إذ بلغ عدد الأشخاص الذين فازوا بعضوية المجلس للمرة الأولى 80 نائبا من بين العدد الإجمالي لنواب المجلس البالغ 120 عضوا، أي حوالي سبعين بالمائة، بينما كانت المجالس السابقة تحظى بنسبة عالية من النواب شبه الدائمين دورة وراء دورة بما فيهم رئيس المجلس. النواب الجدد بهذه النسبة العالية، يفترض أن يكونوا عند حسن ظنّ ناخبيهم لتطوير الأداء البرلماني الذي يسعى لقوانين وإصلاحات تهم الوطن بشكل عام، وليس أبناء الدائرة الانتخابية التي انتخبته وأوصلته للمجلس، كي يضمنوا ثقة الناخبين في دورات قادمة.
لاحظت سابقا من خلال زيارتي لمكاتب بعض النواب الأردنيين في دورات سابقة، أنه قبل فتح أبواب المكتب الذي يكون غالبا في دائرته الانتخابية، يكون عدد المنتظرين وصول النائب قد بلغ طابورا طويلا، وكلهم يطلبون خدمات شخصية أو عائلية، وغالبا إما البحث عن وظائف أو اعفاءات طبية.
أعتقد أن النائب هو المسؤول عن شخصنة عضويته في مجلس الأمة، لأنه لو فكّر على مستوى الوطن، لعرف احتياجات الناخبين في دائرته، وحاول تنفيذها بشكل عام من خلال قرارات واجراءات برلمانية وحكومية. والدليل على ذلك أنه طوال عشرين عاما في المملكة النرويجية، لم أحتاج لمراجعة أي نائب من القائمة التي انتخبتها للبرلمان النرويجي لتحقيق غرض شخصي لي، لأن النائب هنا يعرف مصلحة المواطن واحتياجاته والنقص في الخدمات مثلا، فيسعى لتحقيقها عبر قوانين على مستوى المملكة النرويجية، لذلك تنعدم الواسطة والمحسوبية في هذه البلاد، حيث لا يستطيع ملك النرويج منحك دولارا واحدا، يحرمك منه القانون، وفي المقابل أيضا لا يستطيع ملك النرويج أن يحرمك من دولار واحد، يعطيه لك القانون. لذلك المؤمل أنّ هذه النسبة العالية من أعضاء مجلس الأمة الجدد أن يفكّروا طويلا، ويعملوا كثيرا، من أجل خلق ممارسات برلمانية جديدة تهم الوطن وليس المواطن في الدائرة الانتخابية. ليس مجديا الاستمرار في لوم الحكومات ونقدها فقط، لأن أي مجلس أمة إذا أجمع على قرار لمصلحة الوطن يستطيع تمريره رغم أنف أية حكومة. ومن أهمّ الموضوعات التي ينبغي تركيز المجلس الجديد عليها، هي ظاهرة العنف اليومي في المجتمع الأردني التي تصاعدت في السنتين الماضيتين بشكل مقلق، وقد رافقت بعض مظاهر العنف العملية الانتخابية أثناء سيرها وبعد إعلان نتائجها. بصراحة شديدة إنها ظاهرة مقلقة تحتاج لتركيز من كافة أوساط المجتمع الرسمية والحكومية والبرلمانية، لأنّ تصاعدها يسيء للتجربة الأردنية داخليا وخارجيا.
ثالثا: النسبة غير المسبوقة في عدد النساء اللواتي نجحن في الوصول لقبة المجلس الجديد، إذ بلغ عددهن 13 نائبة من خلال الكوتا النسائية، ومن خارجها كما نجحت النائبة ريم بدران. ومن خارجها يعني أنّ النائبة ترشحت من خلال دائرتها الانتخابية بشكل عام تنافس الرجال المرشحين، وليس منافسة فقط مع عدد نساء الكوتا في تلك الدائرة، وهذه شجاعة نسائية تنمّ عن ثقة بالنفس والقدرة لا تتوفر عند العديد من الرجال.
من الخاسر من مقاطعة الحركة الإسلامية للانتخابات؟
هذه المقاطعة لم تكن شاملة، إذ تمرّد على قرار المقاطعة سبعة مرشحين من الحركة الإسلامية بشكل مستقل، تمّ تجميد عضويتهم في حزب جبهة العمل الإسلامي، وربما تلحق بهم اجراءات تأديبية أخرى مثل الطرد من الحزب. ورغم ذلك فإن الخاسر الوحيد من المقاطعة هي الحركة الإسلامية، لأنها سوف تجلس في المرحلة القادمة في مقاعد المتفرجين على أداء المجلس الجديد، متفرغة لعملها الأساسي السابق، وهو إصدار البيانات التي لم تترك شأنا محليا أو عربيا أو إسلاميا أو عالميا، إلا وأصدرت فيه بيان شجب أو دعم. فيما عدا موضوع واحد لم يصدروا فيه بيان بعد، وهو تزوير السلطات الإيرانية الفاقع للانتخابات الإيرانية الأخيرة لضمان وصول ممثل الولي الفقيه أحمدي نجاد لرئاسة الوزراء. وهو تزوير انتقدته وفضحته بشكل علني قوى وشخصيات إيرانية عديدة في داخل إيران. هذا السكوت المخزي من الحركة التي تدّعي أنها إسلامية، يقابله اختيار وكلائها الشرعيين لقناة العالم التلفزيونية الإيرانية ليطعنوا في نزاهة الانتخابات الأردنية. ألم يفكّروا لحظة واحدة في إمكانية إن سمعهم مواطن إيراني أن يقول لهم: يا إلهي كم أنتم منافقون. تنتقدون انتخابات بلادكم في قناة نظامنا الديكتاتوري الاستبدادي، بينما تسكتون بشكل مخزي على تزويره انتخابات شعبنا الإيراني.
بينما لو شاركت الحركة التي تدّعي أنها إسلامية في الانتخابات، و أوصلت عددا من مرشحيها لقبة المجلس، لعملت من داخله لتحقيق أية نسبة من رؤاها الإصلاحية. لأن منطق (إما الحصول على الكل أو رفض الكل)، لا يليق بالعمل الهادف لتطوير الأداء الديمقراطي الذي لم تصل له أوربا نفسها في خطوة واحدة، بل عبر مراحل وبعد نضال طويل ومرير.
لذلك أميل إلى أنّ مقاطعتهم كانت ليس احتجاجا على قانون الصوت الواحد، الذي شاركوا في انتخابات سابقة بناءا عليه، ولكن بسبب إدراكهم لتراجع شعبيتهم بشكل ملحوظ نتيجة صراعاتهم وخلافاتهم االداخلية بين تياري (صقور/ مزايدين، وحمائم/معتدلين)، هذه الصراعات التي ما عادت سريّة بل سرّب بعضهم وثائقها السرّية للإعلام.
تحركات الساعات الأخيرة
هذه التحركات تجري بسرعة متناهية لتشكيل التحالفات الجديدة داخل المجلس الجديد وصولا لرئاسته، الذي تجمع كافة التخمينات بما فيها تقرير الزميل عامر الحنتولي، على أنها قد حسمت لرئيس الوزراء الأردني السابق فيصل عاكف الفايز. الأيام القليلة القادمة كفيلة بتوضيح طبيعة الأداء البرلماني والحراك الديمقراطي الجديد، الذي يأمل الأردنيون أن يكون أداءا مختلفا عما سبق، يحاول ترسيخ الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تجلب المزيد من الدعم العربي والدولي للنموذج الأردني في ظل التحديات العديدة التي تواجه الأردن في المرحلة القادمة، خاصة على ضوء تعثر مسيرة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
[email protected]
التعليقات