أودّ التأكيد منذ السطر الأول أنني ضد الحصار المفروض على قطاع غزة منذ ثلاثة سنوات أي منذ الانقلاب العسكري الذي قامت به حركة حماس، وطردت السلطة الفلسطينية الرسمية والشرعية، لأن هذا الانقلاب قامت به حركة سساسية فلسطينية رغم حصولها على غالبية الأصوات في انتخابات 2006، وبالتالي فلا يجوز معاقبة شعب بكامله بسبب عمل قامت به هذه الحركة. ومن المعروف طوال السنوات الثلاث الماضية فإن الحصار مفروض في الغالب من الجانب الإسرائيلي، رغم أن حركة حماس بعد انقلابها وسيطرتها العسكرية على القطاع، حققت غالبية الأهداف الإسرائيلية التي كانت مطلبا إسرائيليا في زمن وجود السلطة الفلسطينية الشرعية في القطاع. والدليل على ذلك ما يلي:

أولا: لم تطلق حماس رصاصة ضد الدولة الإسرائيلية منذ انقلابها، وتقوم بمنع أي فصيل أو شخص من إطلاق الرصاص أو الصواريخ الديكورية. ويكفي تصريح اسماعيل هنية رئيس الحركة قبل شهور قليلة عندما ناشد جميع الفلسطينيين بعدم إطلاق الرصاص على إسرائيل كي لا يعطوها مبررا لاجتياح ثان للقطاع، وأكّد هنية أنّ من يقوم بذلك يرتكب خيانة وطنية.

ثانيا: إنّ حماس رغم تذبذب وضبابية خطابها السياسي ليست ضد الاعتراف بدولة إسرائيل، بدليل أنه منذ زمن الشيخ أحمد ياسين والحركة تنادي وتطالب بهدنة طويلة الأمد مع إسرائيل، وكرّر هنية والزهار ذلك أكثر من مرة محددين أحيانا الهدنة بستين عاما. فيا ترى هدنة ستين عاما ستكون مع من؟ مع دولة قائمة على الأرض ومعترف بها أم مع دولة خيالية في الأذهان فقط؟. ثم وما نوع العلاقات التي ستتم وتتطور طوال الستين عاما؟. كما أنّ خالد مشعل أكّد أكثر من مرة لوسائل إعلام أمريكية تحديدا أن حماس مستعدة للقبول بدولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967، وهذا يعني اعترافا علنيا رسميا بدولة إسرائيل.

ثالثا: رغم إدعاء حماس أنها حركة إسلامية، تهتدي بالشرع الإسلامي، إلا أنها ارتكبت موبقات شيطانية غير مسبوقة في زمن السلطة الفلسطينية، ويكفي التذكير بطردها الجماعي لأعضاء وكوادر حركة فتح بعد انقلابها العسكري، مما ألجأ العشرات منهم للهروب لدولة إسرائيل، وتصوروا حجم المأسآة أنّ دولة الاحتلال في لحظة ما تصبح لفلسطيني أرحم من فلسطيني آخر!!!. وكانت آخر جرائمها الشيطانية تدميرها لمسجد ابن تيمية في مدينة رفح بالصواريخ والمدفعية على رؤوس وأجساد جماعة إسلامية يرأسها الشيخ الدكتورعبد اللطيف بن خالد آل موسى (ابو النور المقدسي) يوم السادس عشر من أغسطس 2009، حيث دمّرت مدفعية حماس المسجد بالكامل على الشيخ ومناصريه، وقتل الشيخ نفسه ومعه حوالي عشرين من أتباعه، وكان بيان حماس حول هذه الجريمة، جريمة أخرى إذ أعلنت في بيانها أن الشيخ المغدور كان يسعى لإقامة الخلافة الإسلامية وأنه يرأس تيارا سلفيا جهاديا!!. وهل يجيز الشرع الإسلامي تدمير مسجد حتى لو احتمى فيه يهودي؟.

رابعا: مجموعة الإجراءات والقوانين الرجعية الطالبانية التي بدأت تفرضها حماس بدءا من فرض الزي الشرعي على طابات المدارس والمحاميات بما فيهن المسيحيات منهن. وكانت آخر القوانين الطالبانية الحماسية فرض رسوم على سكان القطاع تدفع للحركة تشمل من يذهب إلى البحر للتنزه على الشاطىء مقابل شيكل إسرائيلي واحد، وثلاثة شيكلات أخرى إن كان معه سيارة، ومن سيزور مريضا في مستشفى سيدفع شيكلين، وضرائب وأتاوات حماسية أخرى.

خامسا: التفجيرات التي طالت ما لا يقل عن ثلاثين مقهى انترنت، وقتل متعمد للعديد من الشخصيات الفلسطينية منهم الشاعر علي أبو شاور، وقتل شخص من حراسة الرئيس محمود عباس وإلقاء جثته من الطابق الثامن عشر لإحدى بنايات مدينة غزة. ولا يمكن نسيان العديد من الاعتداءات على المدارس والكنائس المسيحية، واغتيال الشاب رامي خضر عياد (31 عاما) سكرتير جمعية الكتاب المقدس المسيحية التابعة للكنيسة المعمدانية، دون أن تفتح حكومة حماس تحقيقا في الجريمة أو تعتقل من قاموا بها رغم ارتكابها في أغسطس من عام 2007.

سادسا: تجارة الأنفاق التي تتم بعلم وتخطيط ورعاية الحركة مستغلة الحصار بحجة إدخال المواد التموينية والأدوية لسكان القطاع، وهي في الواقع حسب تأكيدات ومعلومات أهل القطاع أنها أصبحت تجارة حماسية بدليل أنها تتقاضى حوالي خمسين ألف دولار من أي شخص يريد فتح نفق، ثم تفرض رسوما تبلغ 14 % من ثمن البضائع المهربة عبر الأنفاق. والدليل على ذلك أنّ النائب جميل المجدلاوي عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، صرّح في الرابع من يناير 2010 قائلاquot; (إنّ أثرياء الأنفاق في غزة وأمراء الأجهزة الأمنية في رام الله، هم المستفيدون من استمرار حالة الانقسام الفلسطيني).

سابعا: استغلال التهريب عبر الأنفاق لزيادة أثرياء حماس، وفي الوقت ذاته استغلالها لتوتير العلاقة مع مصر بحجة أنّ مصر تفرض حصارا على القطاع، وهنا تمارس حماس ازدواجية مفضوحة، فهي تريد أن تكون السيادة المصرية رهن المصالح الضيقة للحركة، بدليل أن حماس ترفض منذ ما لايقل عن أربعة سنوات التوقيع على ورقة المصالحة المصرية التي وافقت عليها كل الفصائل الفلسطينية. وهنا أؤكد أنه لا اعتراض حقيقي لحماس على الورقة المصرية، لكنّ الحركة مرهونة بأجندة النظامين السوري والإيراني اللذين لا يريدان أية مصالحة فلسطينية من خلال الورقة المصرية. كذلك لا يمكن للحركة فكّ ارتباطها بحركة الإخوان المسلمين في مصر، الذين يسعون أيضا لتوتير العلاقة دوما مع الحكومة المصرية خاصة في زمن صاحب مدرسة الطزطزة (مهدي عاكف) الذي صرّح علنا (طز في مصر). بالله عليكم هل هذا خطاب إسلامي يطلق على مصر التي يقطنها ثمانون مليونا من المصريين، من بينهم أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أي سوف تشملهم الطزطزة أيضا؟!
ومن المنطقي التأكيد بأن الضجة التي أثارتها حماس ضد الحكومة المصرية بخصوص منع الأنفاق، كانت مفتعلة لصالح مصالح الحركة وليس الشعب الفلسطيني، ولصالح الارتباط الحمساوي بأجندات إقليمية كما ذكرت، لأنه قبل الانقلاب الحمساوي لم تكن هناك مشكلة أنفاق أو معابر، وكان معبر رفح مفتوحا ليلا نهارا طوال أيام السنّة، ومصر والسلطة الفلسطينية مرتبطتان باتفاقية دولية مع الاتحاد ألأوربي تنظم الحركة عبر المعابر مع الطرف الإسرائيلي. فلماذا المزايدة على الموقف المصري فقط، خاصة أنّ هذه الأنفاق لا تستعمل لتهريب السلاح لمقاومة الاحتلال، بل لتهريب البضائع بعد الانقلاب الحمساوي، إذن لماذا الانقلاب أساسا طالما حماس وعباس لا يريدان المقاومة المسلحة؟. إذن هو صراع على السلطة والكراسي والمال كما أكدّ النائب جميل المجدلاوي.

تلك هي انجازات حماس في السنوات الثلاث من انقلابها العسكري، ويتحمل المعاناة فقط غالبية الشعب الفلسطيني في القطاع، أمّا أعضاء الحركة وكوادرها و وزرائها فهم يعيشون في أمان ورفاهية لا تقل عن الرفاهية المتوفرة للجندي الإسرائيلي المدلل جلعاد شاليط.

وعودة لأسطول الحرية،
أعتقد أن المنظمين لهذا الإسطول لم يدر في خلدهم أن يتواكب ذلك مع الذكرى الثالثة لانقلاب حماس، لكنها مهمة إنسانية من نشطاء من مختلف دول العالم، لا يعنيهم الخلاف الفلسطيني سياسيا، فهم معنيون بتقديم المساعدة الإنسانية لشعب محاصر أيا كان سبب الحصار والمتسبب فيه. لذلك ليس من المنطقي أو الأخلاقي أن تمنع السلطات الإسرائيلية وصوله لشواطىء غزة، رغم كل كوارث حماس التي ذكرتها، فهي كوارث لحقت بالشعب الفلسطيني وليس بدولة إسرائيل، وبعكس منعه من الوصول يتوجب على دولة إسرائيل أن تشكر حركة حماس على هذا الانقلاب والانقسام الفلسطيني، لأن الحركة منعت إطلاق الرصاص على إسرائيل، وأعطت إسرائيل مبررا للقول في المنتديات الدولية: لا يوجد طرف فلسطيني مؤهل لمباحثات السلام، فنتفاوض مع من؟ مع حماس في غزة أم مع عباس في رام الله؟. ويكفي التذكير بتصريح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي قبل شهور قليلة، عندما سئل: لماذا خفّض جيش الدفاع الإسرائيلي عملياته في قطاع غزة؟ ابتسم وقال: لأنّ حماس وفتح تقومان بالمهمة؟ وكيف ننسى الدلال والتدليع والتكريم الذي قدمته إسرائيل يوم السادس والعشرين من أبريل الماضي لعائلة وزير داخلية حكومة حماس فتحي حماد، عندما أقدمت على فتح معبر إيريز فجرا لإدخال عائلته كاملة: إبنته إلهام المريضة، ومعها والدتها زوجة الوزير رباب نظمي أحمد وشقيقتها أنغام، علما أنّ هاتين السيدتين هما شقيقات القائد في كتائب القسام محمد نصار المسؤول عن خطف الجنديين الإسرائيليين (آفي اسبورتس وإليان سعدون). وكما ذكر تقرير إيلاف ذلك اليوم التدليلي الغرامي فإن العائلة توجهت إلى مدينة المجدل أولا، حيث قدمت الإسعافات الأولية للإبنة (إلهام) ثم نقلت إلى الأردن في مروحية خاصة. فهل كل هذا تمّ بدون تنسيق مباشر بين اسماعيل هنية شخصيا والحكومة الإسرائيلية؟. لماذا لا يحظى بهذا الدلال والتكريم والتغنيج ألآف المرضى الفلسطينيين الذين يموت بعضهم وهم ينتظرون على الحواجز والمعابر؟.

وأخيرا أتساءل،
من يصدق من الفلسطينيين والعرب أنه تمرّ هذه الأيام ثلاث سنوات على انقلاب حماس وما أعقبه من انقسام فلسطيني (غزّاوي ضفّاوي)؟. ويتساءل البعض: متى سينتهي هذا الانقسام؟. من يعرف القيادات الفلسطينية منذ زمن عائلتي النشاشيبي والحسيني إلى زمن إمارة حماس في غزة ودويلة عباس في رام الله، يرى أنّ هذا الانقسام طويل الأمد لأنه صراع مصالح شخصية وتنظيمية وليس من أجل دولة فلسطينية مستقلة. فالطرفان شعارهما: لا لدولة ستنهي امتيازاتنا الشخصية والتنظيمية...وآمل أن أكون مخطئا في تقييمي و تتم المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية وتقوم الدولة المستقلة قبل نشر هذه المقالة.
[email protected]