لايدخل هذا المقال في باب المجاملات الشخصية، بل يهدف لتسليط الضوء على هذه الخطوة التي قام بها الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، من خلال زيارته الرسمية للمملكة النرويجية يوم الأربعاء الموافق السادس والعشرين من مايو 2010، تخللتها لقاءات رسمية مع مسؤولين نرويجيين من بينهم وزير الخارجية النرويجي quot;يوناس جار ستورةquot; يوم الخميس السابع والعشرين من مايو 2010، توجت بمؤتمر صحفي مشترك مهم: أعلن فيه الأمير سلمان بوضوح وجرأة (إنّ المملكة العربية السعودية تريد أن يعود إلى الشعب الفلسطيني حقوقه بموجب قرارات الشرعية الدولية، وتريد الاستقرار للجميع، وأن يعطى كل صاحب حق حقه). بينما أعلن وزير الخارجية النرويجي (عن سعادته وبلاده لهذه الزيارة التي تطرقت إلى الموضوعات الاقتصادية والسياسية والثقافية، معربا عن أمله في أن تسهم هذه الزيارة في تعزيز تعاون بلاده مع المملكة السعودية في جميع المجالات). ونوّه في تصريح للتلفزيون السعودي ووكالة الأنباء السعودية إلى (أننا في مرحلة تطوير وتعزيز العلاقات بين البلدين في جميع المجالات...وأنّ البلدين عضوان فاعلان في المجتمع الدولي، ولهما إسهامات في تبني مشاريع الأمن والسلم الدوليين)، مؤكدا على (التنسيق المشترك خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية).
هل هذه الزيارة مهمة؟
نعم وأهميتها تنبع من عدة حيثيات أهمها:
أولا: إنها زيارة من شخصية سعودية معروفة بعلاقاتها الدولية المؤثرة، رغم المفارقة التي تبدو غريبة، وهي أنّ الأمير سلمان بن عبد العزيز هو أمير منطقة الرياض، وهذا يعني في العرف المتداول عربيا ودوليا، أنّ مهمته محصورة في الشؤون المحلية الخاصة بمنطقة الرياض، أي ما يوازي في التعريفات العربية والدولية مهمة (المحافظ) أو (رئيس المحافظة)، ورغم ذلك فمسؤولياته وعلاقاته وسمعته الدولية تطغى على هذه المهمة المحلية سعوديا، من خلال العديد من الزيارات العربية والدولية التي يقوم بها، مما يعطي الدلالة على أهميته الشخصية في السياسة والعلاقات السعودية العربية والدولية. وهذا ما أكّده سفير المملكة في النرويج والسويد الدكتور عبد الرحمن الجديع الذي صرّح تعقيبا على هذه الزيارة قائلا: quot; إنّ زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض إلى مملكة النرويج، تأتي في سياق جهود سموه المتواصلة في تنمية وتطوير العلاقات الخارجية للمملكة مع مختلف دول العالم. كما تأتي تعبيرا عن اهتمام قيادتي المملكة والنرويج بتعزيز العلاقات بين بلديهما في المجالات كافة. إنّ علاقات المملكة مع النرويج ستكتسب زخما جديدا نظرا لمكانة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز، ودوره الكبير والقيادي والمؤثر على الصعد كافة المحلية والإقليمية والدوليةquot;. وهذا ما يؤكد المفارقة التي أشرت إليها بأن دور سموه يتعدى كثيرا صلاحياته المحلية سعوديا.
ثانيا: إنه لدى مملكة النرويج أيضا نفس الرؤية والتطلع لتطوير العلاقات بين مملكتين أساسيتين في مجال الطاقة والنفط، فالنرويج تعتبر ثالث دولة في العالم لتصدير الغاز وخامس دولة في تصدير النفط. كما أنّ المملكة النرويجية من الدول النشطة في السياسة العالمية خارج نطاق مسؤوليات دول الأتحاد الأوربي، وبالتالي من الممكن أن تكون في العديد من القضايا العربية أقرب لوجهة النظر العربية. كما أنها من الدول ذات الصلة الوطيدة بعملية السلام في الشرق الأوسط، حيث هي التي رعت الاتصالات الفلسطينية الإسرائيلية التي أوصلت لتوقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 . كما أنها ترأس الآن لجنة الاتصال الخاصة بمساعدة الشعب الفلسطيني، وهذا الدور مهم الآن خاصة في الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. ويلاحظ أن زيارة الأمير سلمان وصلت لغالبية الجهات المسؤولة صاحبة القرار في المملكة النرويجية، فقد شملت زيارته اجتماعات ولقاءات مع الملك النرويجي هارالد الخامس، ورئيس الوزراء ينس ستولتنبرج و وزير الخارجية النرويجي يوناس جار ستورة والبرلمان النرويجي مع رئيسه غين ماري أريكسن، وكذلك محافظ أوسلو فابين ستانغ. وهذه الزيارات لم تتوفر للعديد من المسؤليين الدوليين الذين سبق أن زاروا المملكة النرويجية، مما يدلّ على الأهمية التي تعلقها النرويج على مستقبل العلاقات بين الدولتين بعد هذه الزيارة.
ثالثا: أهمية التعاون والاستفادة من الإمكانيات النرويجية في مجال الطاقة والتغيرات المناخية، خاصة أنه من المعروف نرويجيا أنها تتعامل مع ثاني أكسيد الكربون بتقنية ربما لا توجد في دولة أخرى، حيث يتم فصل ثاني أكسيد الكربون وتدفئته تحت البحر، كما أنّ النرويج من الدول الرائدة في تكنولوجيا تصدير الطاقة، و لديها خبرات عميقة في ميدان الطاقة الشمسية. ومن المهم أيضا في ميدان التعليم التذكر بأن نسبة الأمية في النرويج هي صفر، أي لا يوجد أي مواطن نرويجي مهما كان عمره أميّا، وهناك برامج ومدارس خاصة لمواصلة كبار السن تعليمهم، لذلك ليس غريبا في هذا البلد المتميز أن تجد مواطنا عمره يفوق الخمسين، وعاد لمقاعد الدراسة ليكمّل المدرسة الثانوية التي حالت ظروف معينه لديه عن إكمالها في السن المناسب لذلك.
رابعا: تتطلع المملكة النرويجية لاستقطاب طلاب سعوديين وعرب للدراسة في جامعاتها، خاصة أنّ أغلب جامعاتها لديها برامج كاملة باللغة الانجليزية للطلاب الأجانب، وهي تجربة ستكون جديدة للطلاب العرب الذين في الغالب يتوجهون إلى بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، ومما يسهّل طريقة وجودهم ومعيشتهم أن غالبية الشعب النرويجي صغارا وكبارا يجيدون اللغة الإنجليزية. ودراسة الطلاب العرب في المملكة النرويجية ستعطيهم فرصة لاكتساب خبرات في ميادين كثيرة من أهمها حقوق الإنسان والتعامل بين المسؤول والمواطن وحجم الضمانات التي تقدم للمواطن في مختلف ميادين الحياة خاصة الصحة والعلاج التي هي مجانا للمواطن من حبة الأسبرين إلى أعقد عملية جراحية، تكلف في دول أخرى عشرات ألآف الدولارات.
اهتمام نرويجي فائق
إنّ الاهتمام النرويجي بزيارة الأمير سلمان بن عبد العزيز، والاهتمام السعودي أيضا من خلال الشخصيات المرافقة لسموه، يعطي الأمل والتطلع لعلاقات قوية مميزة مع دولة اسكيندينافية اهتماماتها الإنسانية لا يمكن التعبير عنها، وهذا ما جعل السفير النرويجي في الرياض كارل فيبي يذكّر بأهمية هذه العلاقات، خاصة مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود الخاصة بالحوار بين الأديان والثقافات، التي حسب تعبير السفير (جاءت في وقتها..في الوقت الراهن توجد نزاعات كثيرة في مناطق متعددة من العالم بسبب الخلافات الدينية، ونحن نعتقد أنّ هذه المبادرة مهمة جدا، لا سيما أنّ الحوار هو الوسيلة الوحيدة التي بواسطتها يمكن حل جميع الإشكالات). تندرج هذه الزيارة ضمن الدبلوماسية العربية النشطة التي نأمل أن تستمر في كافة الصعد، فالدبلوماسية اليوم هي الطريق لأغلب الانجازات خاصة عند ايصال صورة كل طرف للآخر، كي يعرف كيف يتعامل معه، ويستفيد كل طرف من خبرات الآخر. ومن المهم التذكر أنّ العرب والمسلمين يمارسون شعائرهم الدينية في النرويج بحرية ربما لا تتوفر في بعض الدول الإسلامية، بدليل أنه من الطبيعي اليومي أن تشاهد المساجد بمآذنها المرتفعة، وألاف المسلمات المحجبات والمنقبات في العمل والشوارع دون أية تفرقة أو تمييز، فالمهم هو احترام القانون الذي يطبق على الجميع بمهنية عالية.
زيارة ناجحة بكل المقاييس توجت بلقاء حافل مع الدبلوماسيين والصحفيين والعديد من الفعاليات في حفل عشاء أقامه السفير السعودي في النرويج والسويد الدكتور عبد الرحمن الجديع على شرف الأمير سلمان في قاعة ميرور بفندق جراند، مساء الأحد الثامن والعشرين من مايو 2010.والأيام القادمة ستشهد افتتاح سفارة سعودية في النرويج كما اتفق الطرفان السعودي والنرويجي، علما أنّ العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بدأت عام 1961،وافتتحت أول سفارة نرويجية في جدة عام 1966 قبل أن تنتقل للعاصمة الرياض عام 1984 .
[email protected]
التعليقات