قضية خلية التجسس الإيرانية التي تمّ كشفها في داخل دولة الكويت منذ أسابع قليلة، خطيرة بكل أبعاد ومعاني الكلمة والقضية. إذ أن المسألة تتعلق بتفكيك وكشف خلية من سبعة أشخاص على الأقل من بينهم عسكريون ومدنيون في وزارتي الداخلية والدفاع الإيرانيتين، وعناصر من جنسيات أخرى من بينها جنسيات عربية. واستنادا لما تناقلته الصحافة الكويتية قبل وقف النشر عن هذه القضية الخطيرة، فإن من بين المتهمين شخصين لبنانيين، وأنّ من مهمات الخلية التي قامت بها فعلا جمع المعلومات عن أهداف كويتية وأمريكية داخل الكويت لحساب جهاز الحرس الثوري الإيراني المعروف بإسم (الباسداران). وحسب تقرير quot;إيلافquot; يوم الرابع من مايو 2010 فإن من الذين تمّ إلقاء القبض عليهم شخص كويتي يعمل في جهاز عسكري كويتي، تمّ تطويق منزله واعتقاله، ومصادرة أكياس يعتقد أنّ بداخلها معدات وأغراض كانت تستعملها الخلية في أعمالها التجسسية، ومن ضمنها أجهزة اتصالات متطورة مع مسؤولهم في الحرس الثوري الإيراني. وأعقب ذلك عبر التنسيق الكويتي الرسمي مع أكثر من دولة عربية، اعتقال مواطن بحريني من قبل الأجهزة الأمنية البحرينية لورود اسمه في التحقيات الجارية مع أفراد الخلية المعتقلين في الكويت. وهذا يعني أنها ليست خلية محلية خاصة بالتجسس داخل دولة الكويت فقط، بل شبكة لها امتدادات في أكثر من دولة خاصة إذا ربطنا ذلك بخلية تجسس حزب الله اللبناني التي تمّ اعتقالها في مصر في منتصف العام 2009 ومن بينهم لبنانيون ومصريون وفلسطينيون، والمتهم الرئيسي في القضية اللبناني عضو حزب الله (محمد يوسف منصور) المعروف باسم (سامي شهاب) وقد اعترف حزب الله بعضوية هذا الشخص فيه، وقد صدر الحكم ضدهم قبل أسابيع أيضا، مما أثار هيجانا في داخل قيادة الحزب، أدت بحسن نصرالله أن يعلن أن الحزب سوف يتابع الأحكام التي صدرت ضد أعضائه بكافة الطرق القانونية والدبلوماسية، مما يعني صراحة تجاوزه لكافة مؤسسات الدولة اللبنانية، فالمتهمون ممن صدرت أحكاما قضائية ضدهم هم مواطنون لبنانيون مما يعني أن متابعة أمرهم من اختصاص الدولة اللبنانية، إلا أن حسن نصرالله وحزبه يتجاوز الدولة اللبنانية، فهو ليس حزبا داخل دولة بل دولة داخل الدولة.

لماذا التجسس الإيراني؟
هذا هو السؤال الملح عربيا بعد أن تكررت حالات التجسس الإيراني داخل أكثر من دولة عربية مباشرة أو عبر عملاء محليين. هل هناك محاولات عربية في مصر أو الكويت أو المغرب أوغيرها من الأقطار العربية لحرب ضد إيران، كي تقوم بالتجسس داخل هذه الدول؟. المعروف والمؤكد للنظام الإيراني قبل غيره أنه ليس هناك أية نوايا عربية مضادة أو معادية لإيران، بما فيها دولة الإمارات العربية التي تحتل إيران جزرها الثلاثة منذ عام 1971، تصرّ على أن المحادثات السلمية هي الطريق الوحيد لإنهاء الإحتلال الإيراني لجزرها الثلاثة. لذلك فإن محاولات التجسس الإيرانية المستمرة لا هدف لها سوى:

أولا: استمرار التأكيد من الطرف الإيراني على نظرته وقناعاته العدوانية اتجاه محيطه العربي، هذا العدوان الذي يعبر عن نفسه باستمرار احتلال الأحواز العربية منذ عام 1925 والجزر الإماراتية منذ عام 1971، والتهديد المستمر بإعادة احتلال مملكة البحرين العربية. وهذه النظرة العدوانية هي التي تجعل محاولات التجسس الإيرانية مستمرة بهدف التوسع والاحتلال الذي لا تخفيه رموز النظام الإيراني من خلال العديد من مواقفها، فقد أبلغت مؤخرا شركات الطيران بمنعها من التحليق في الأجواء الإيرانية أو الهبوط في المطارات الإيرانية، إن هي استعملت كلمة quot; الخليج العربيquot;، وأيضا أغلقت منذ أسابيع الجناح المصري في معرض الكتاب بطهران لأن من ضمن محتوياته كتب تحمل اسمquot; الخليج العربيquot;، أي أنّ النظرة العدوانية اتجاه كل ما هو عربي قائمة في عمق الثقافة والوجدان الإيراني، ويعبر عنها نظام الملالي القمعي الاستبدادي من خلال تجسسه هذا.

ومن المفيد للغاية في هذا السياق قراءة كتاب الباحث الإيرانيquot;جويا بلندل سعدquot; بعنوانquot;صورة العربي في الأدب الفارسيquot; الذي صدرت ترجمته للعربية في نهاية عام 2007 عن quot;دار قدموسquot;في دمشق، ترجمة صخر الحاج حسين ومراجعة زياد متي. ويكفي لمن لم يقرأ الكتاب توصيف الناقد الفلسطيني المعروف الدكتور فيصل دراج لهذا الكتاب بقوله: (يربك كتاب quot;صورة العربي في الأدب الفارسيquot; القارىء العربي مرتين:مرة بسبب قوله العنصري، والمقذع في عنصريته الذي يناقض وظيفة الأدب ورسالته،لأن الأدب المفعم بالحقد والكراهية والاحتقار يتنكر للتقاليد الأدبية، هذا من ناحية، ولأن القارىءالعربي العادي لا يتوقع أن يصدر عن الإيرانيين أدب كهذا من ناحية ثانية).(يستطيع الناقدالأدبي المطمئن إلى المعيار الأدبي اللغوي أن يقرأ صورة العربي في الأدب الإيراني الحديث،اعتمادا على الصفات والنعوت والمزايا التي ألصقت به،فقد أعطت النصوص في كتاباتها المختلفة العربي الصفات التالية: الحافي،القذر، الموبوء، البشع، صاحب الجلد الأسود،المتعطش للدماء، القاسي، الكريه، الشيطان، اللص، آكل النمور والسحالي،المغتصب، الجمل، وائد البنات، الخادع الجشع،الوحش، البغيض، الكاره للآخرين، البدائي، الهمجي، المثير للقرف والإشمئزاز. تعبر هذه الصفات وغيرها عن وعي متعصب مهجوس بكراهية العرب والحط من قيمتهم، مؤكدة شوفينية معلنة، تضع بين العرب والإيرانيين مسافة لا متناهية).

وبالتالي ماذا نتوقع من نظام إيراني هذه ثقافته الشعبية والأدبية والرسمية غير التجسس على العرب ومحاولات مستمرة لتخريب بيوتهم وأقطارهم عن طريق خلايا تجسسه، والأخطر فيها الجواسيس المحليون في أكثر من عاصمة عربية إما عن قناعة أو ركضا وراء الملايين التي ينفقها هذا النظام بلاحساب. إنه لولا صدور ترجمة هذا الكتاب عن درار نشر سورية ومن خلال مترجمين مقيمين في دمشق حليفة النظام الإيراني، لما صدقت محتويات هذا الكتاب التي تنضح حقدا وتسفيها وتشويها لكل ما هو عربي، خاصة أنها من الأدباء إيرانيين، وغالبا يعبر الأدب عن مكنونات الشعوب وضمائرها.

ثانيا: استعمال التهديد للجوار العربي كورقة ضد الموقف الدولي من العديد من ملفات هذا النظام خاصة ملفه إزاء حقوق الإنسان الإيراني الذي يعتبر أسوأ ملف في العالم، وملفه النووي الذي يستعمله للابتزاز لتحصين مواقفه إزاء رفض غالبية دول العالم لهذا النظام وممارساته في الصعيدين المحلي الإيراني والعالمي.

ثالثا: من أهداف محاولات التجسس الإيرانية المستمرة في العديد من الدول العربية، هو ايجاد ساحات لتصدير أزمات النظام الداخلية، وملفاته العالقة دوليا، عن طريق إشغال العالم بهذه الملفات في ساحات بعيدة عنها. وهنا يتخذ النظام الإيراني قضية فلسطين وجنوب لبنان مجرد شماعات لتعليق خطابه الغوغائي عليها، عبر ادعاءات عاطفية تخاطب قلوب وعواطف الغوغائيين العرب، في حين أن خطاباته الهجومية كلاميا فقط على إسرائيل، خدمت دولة إسرائيل أكثر من كل ماكينة الدعاية الإسرائيلية، وذلك باعتراف خبراء إسرائيليين.

الوكلاء المحليون للنظام الإيراني
إن خطورة نظام الملالي الإيراني تزداد بشكل واضح من خلال قدرته على اللعب في الساحات العربية من خلال عملاء محليين، وهو يتخذ من دعمه الخطابي والمادي لحركة حماس وحزب الله وسيلة كلامية لذلك، في حين أنّ من يرفعوا شعار المقاومة في هذين التنظيمين، لم يطلقوا رصاصة ضد الاحتلال منذ أن دمّروا قطاع غزة ولبنان في حروبهم الإلهية عامي 2006 و 2007 مقابل خطف ثلاثة جنود إسرائيليين، يعيش جلعاد شاليط اليوم مكرما مدللا في رعاية الأشقاء الحمساويين منذ أربعة أعوام، يكلفهم يوميا أكلا على الطريقة اليهودية (كوشير) على الأقل ألف وخمسمائة دولار يوميا، ويطلبون مقابل إطلاق سراحه الإفراج عن ألف وخمسمائة أسير حمساوي وفلسطيني.تصوروا كم هو سعر أسير إسرائيلي واحد؟ ألف وخمسمائة أسير فلسطيني؟ لم يحدث أن تدهور سعر الدولار أو اليورو أو الشيكل الإسرائيلي كما تدهور سعر الأسير الفلسطيني في البورصة الحمساوية، ومن قبله تدهور سعر الأسير اللبناني في بورصة حزب الله، حيث تمّ تبادل رفات جنود إسرائليين مقابل عشرات من الأسرى اللبنانيين.

لا للطائفية ولا للتجسس على الأقطار العربية
وأودّ التأكيد الصريح الواضح أنني لست طائفيا وضد الطائفية والطائفيين، خاصة أنني غير مقتنع إلا بالإسلام المحمدي، ففي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يكن هناك سنةّ وشيعة، بل إسلام إلهي محمدي، بدليل أن الرسول قال قبل وفاته في حديثه المشهور: (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه)، وفي كتاب الله وسنة نبيه لا توجد فرق اسمها السنّة والشيعة وغيرها، بل إسلام إلهي محمدي فقط. كل هذا التأكيد للقول بأسف شديد أنّ نظام ملالي طهران يتخذ من المذهب الشيعي شماعة لتوسيع أطماعهم في الجوار العربي، ويكفي أنّ نظرية ولي الفقيه الخمينية التي تحرك نظام الملالي الآن، لا إجماع عليها بين الشيعة العرب. ومن المهم في هذا السياق الإشارة لمواقف السياسي والعلامة الشيعي اللبناني السيد محمد علي الحسيني، أمين عام المجلس الإسلامي العربي، الذي أكدّ في تصريحات له في الثالث من مايو 2010: (أنّ النظام الإيراني يسعى إلى تضليل الشيعة العرب عبر نظام ولاية الفقيه)، وأضاف:(ولاية الفقيه ليست من صلب العقيدة الشيعية،إنها مسألة سياسية إيرانية).

إلا أنّ السياسة الإيرانية تسعى للتجسس والتخريب وتجنيد العملاء في أي قطر عربي تستطيع اختراقه، ويستخدم النظام وسائل الإعلام الإيرانية الناطقة بالعربية لذلك، وكذلك منظمات حقوق إنسان وهمية، مثل جمعية (هابيليان قابيليان) التي هي مجرد غطاء لمؤسسة تابعة لوزارة مخابرة النظام الإيراني، تمّ تسجيلها على أنها منظمة خيرية (إن جي أو)، وقد سبق أن نشرت محاولة هذه الجمعية لدعوتي لزيارة طهران، عبر تقديمهم اغراءات علنية مكشوفة تصل حد الرشوة المفضوحة، وذلك في مقالة لي بعنوان (شاكو ماكو..هابيليان قابيليان)، وبعد نشري لرسائلهم التي تفضح محاولاتهم هذه، أرسلوا لي رسائل شتم بذيئة لأنني نشرت رسائل سرية منهم لي، ونشروا بيانات علنية ضدي في مواقعهم الانترنتية. ومن المهم نشر تجربة بعض الإعلاميين العرب الذين عملوا سنوات في قناة quot; العالمquot; الإيرانية الناطقة بالعربية، وليس من حقي ذكر أسماء من تركوها وتحدثوا لي عن تجربتهم المريرة مع القناة، وغالبيتهم فلسطينيون وعراقيون، وقد أوقفت مشاركتي في التعليق على الأخبار أو البرامج هاتفيا في هذه القناة منذ أكثر من سنتين، بعد أن قطعوا الاتصال معي أثناء حديث لي بسبب قولي ضمن سياق سياسي (الخليج العربي).

نعم لعلاقة جوار سلمية سياسية متينة مع الجارة إيران، وهذا لن يتحقق إلا بعد إنهاء احتلالها للأحواز العربية المستمر منذ عام 1925، وانهاء احتلال الجزر الإماراتية منذ عام 1971، والكف عن التهديد بضم مملكة البحرين، والتوقف عن محاولات التجسس والتخريب خاصة في العراق وغيره من أقطار عربية، وإلا سيبقى التوجس والخوف والحذرهو المسيطر على العلاقة الإيرانية العربية.
[email protected]