والمواطن ينتظر الجديد

اكتمل الأيام القليلة الماضية المشهد الرسمي والنيابي الأردني، مع إعادة تكليف سمير الرفاعي بتشكيل الحكومة الأردنية الجديدة، وفوز فيصل الفايز برئاسة مجلس النواب الأردني بالتزكية، وبالتالي فإن المواطن الأردني يفترض كما هو مألوف، أن يسأل أو ينتظر الجديد القادم من هاتين المؤسستين التنفيذية الرسمية كحكومة والتشريعية الرقابية كمجلس نواب. وقد أعتبر تكليف سمير الرفاعي لتشكيل حكومته الثانية خلال أقل من عام ثقة ملكية في شخصه، ويبقى سؤال الشارع الأردني: ماذا تحقق كل حكومة من تعليمات وخطوط كتاب التكليف الملكي؟. إذ يلاحظ المراقب لشؤون الحراك السياسي الأردني في مختلف أطره، أنّ هناك بون شاسع بين ما تحققه كل حكومة و بين ما يرد في كل كتاب تكليف ملكي، فمن المسؤول عن هذا الفارق الذي يجعل عمر كل حكومة أردنية عادة منذ عام التأسيس 1921 أقلّ من عام واحد، فحكومة سمير الرفاعي الثانية الجديدة هي الحكومة رقم 92 خلال 89 عاما، والعاشرة منذ تولي الملك عبد الله الثاني عرش المملكة عام 1999. بينما في الدول ذات التجارب الديمقراطية العريقة التي تجري انتخاباتها البرلمانية على أساس القوائم الحزبية، ويتمّ تشكيل الحكومة من قبل الحزب الفائز، فإن أعمار الحكومات هو عمر الانتخابات البرلمانية التي عادة هي أربع سنوات تقريبا. وبالتالي يمكن محاكمة الحكومة على أدائها وإنجازاتها، مما يجعل الناخب يعطيها ثقته في الانتخابات القادمة أو نزع الثقة منها لصالح حزب آخر. هذا المعيار يجعل كل حكومة تقضي كل وقتها الوزاري في تحقيق ما يمكن من وعودها للناخب الذي أعطاها ثقته كي يستمر في هذه الثقة لدورة برلمانية قادمة. بينما في الحالة الأردنية المشار إليها، يمكن أن تضع الوزارة أو بعض وزرائها عدم تحقيقها أي إنجاز لمصلحة المواطن على كاهل قصر مدتها، عبر التساؤل: ماذا يمكننا أن نحقق خلال أقل من عام، ودراسة احتياجات المواطن وإمكانية تحقيق ما نستطيع منها يحتاج إلى هذه المدة؟.

وقد أشار خطاب التكليف الملكي للحكومة الجديدة إلى مكمن الخلل الأساسي في التجربة الأردنية، مرجعا ذلك إلى عدة أمور أهمها،إخضاع عملية الإصلاح الشاملة ( غير مرة للحسابات الضيقة والمصالح الخاصة). لذلك ناشد الحكومة الجديدة (بإجراء مراجعة شاملة، تفضي إلى إزالة كل المعيقات التي تحول دون التقدم في تنفيذ إستراتيجية الإصلاح والتطوير والتحديث). إنّ تشكيلة الحكومة الجديدة تميزت بالعديد من ذوي الخبرات الأكاديمية، وذوي التجارب السياسية والبرلمانية، مما يضع على كاهلها حقيقة تنفيذ ما ورد في خطاب التكليف الملكي أم لا. إنّ أي وزير يريد أن يكون مخلصا وأمينا لشعبه، لا يمكن أن تحول أية قوة دون تنفيذه ما يمكن ضمن ميزانية وزارته، وبشفافية تأخذ في عين الاعتبار الشعب والوطن بشكل كامل وليس الأصحاب والمحاسيب والعشيرة.

وهنا يأتي دور مجلس النواب،

لأنّ المجلس هو الرقيب على أداء الحكومة، وأيا كانت التحفظات على قانون الصوت الواحد الذي نتج عنه هذا المجلس، إلا أنّ أداءه القادم لا علاقة له بالقانون بل بإخلاص النواب المنتخبين، فبيدهم الجواب على سؤال: هل يريدون أن يكونوا نوابا للوطن والشعب، أم موظفي خدمات للناخب والدائرة والعشيرة؟. والأمل معقود على نقطتين:
الأولى: هي أنّ غالبية أعضاء المجلس (80) عضوا، يدخلون المجلس للمرة الأولى، وبالتالي يفترض ان يكونوا حريصين أكثر على ثقة الناخبين لينتخبوهم ثانية إذا ما قاموا بواجبهم بشكل دقيق وشفاف، خاصة في مراقبة أداء الحكومة ومحاسبتها على كل خطأ أو تقصير.

الثانية: هي أنّ رئاسة المجلس أسندت بالتزكية المطلقة للنائب فيصل الفايز (ماجستير في العلاقات الدولية 1981، جامعة بوستن،بروكسل-بلجيكا)، و له تجربة طويلة في مجالات مختلفة: الخارجية الأردنية في مختلف دوائرها السياسية والقانونية والإقتصادية والمراسم، الديوان الملكي من رئاسة التشريفات إلى رئاسة الديوان، وزير البلاط الملكي،رئاسة الوزراء في أكتوبر 2003، وعضوا في مجلس الأعيان. هذا بالإضافة لتراثه العائلي العريق أردنيا منذ الجد (مثقال الفايز) شيخ مشايخ بني صخر، ودوره الوطني المشهود له به، خاصة في مرحلة تأسيس إمارة شرق الأردن، إذ قاد مع باقي عشائر الأردن مهمة الدفاع عن الإمارة حتى تحقق لها الأمن والاستقرار. وكان دوره في دعم الثوار الفلسطينيين واضحا ومؤرخا بحيادية، حيث عمل كل ما يستطيع في رفد الثوار الفلسطينيين بالمال والسلاح، مما أثار غضب الانتداب البريطاني، ورغم ذلك دعا الشيخ مثقال الفايز لمؤتمر وطني لدعم الشعب الفلسطيني، وعقد المؤتمر فعلا في منطقة أم العمد عام 1937، وكان هذا المؤتمر مصدر قلق للسلطات البريطانية حسب مراسلات كلوب باشا مع عاصمته لندن آنذاك، لذلك شكّل هذا الجد زعيما عشائريا ورمزا وطنيا عروبيا، أوصله أيضا لمجلس النواب الأردني عند تأسيسه عام 1929.

أما الأب عاكف الفايز، فقد تقلد العديد من المناصب الوزارية، وكذلك نفس منصب الإبن الآن اي رئاسة مجلس النواب لعدة دورات، لكن الأهم كما أرى هو أن هذا الأب، كان مثالا لأردن واحد بغض النظر عن المنابت والأصول، فعاكف الفايز شيخ من شيوخ بني صخر، هو رئيس نادي الوحدات الذي يشار إليه بأنه نادي الأردنيين من أصول فلسطينية، والمرحوم عاكف الفايز كان يطلق عليه (نادي الضفتين). هل هناك تلاحم وطني أكثر روعة من هذا؟. والدليل على ذلك أنّ هذه العشيرة (الفايز) هي التي قدمت الأرض ( 13 كيلو متر مربع ) التي أقامت عليها وكالة الأونروا بعد حرب 1967 مخيم الطالبية للنازحين الفلسطينيين من الضفة والقطاع، وهو المخيم الذي يقع على الشارع الرئيسي الواصل بين مدينتي عمّان والعقبة، حوالي 36 كيلو متر جنوب العاصمة عمّان.

مسؤولية المحافظة على هذا الإرث

لذلك فالمتوقع من فيصل الفايز، رئيس مجلس النواب الأردني الجديد،أن يكون في مستوى الحفاظ على هذا الإرث الوطني الأردني، ويجعل من المجلس رقيبا صارما لا يرحم أي مسؤول من السلطة التنفيذية (الحكومة) وصولا كما أشار كتاب التكليف الملكي إلى ( بناء شراكة حقيقية مع مجلس النواب بحيث تمارس السلطتان دوريهما الدستوريين بتعاون وتكامل، من دون توغل سلطة على أخرى). ومن أهم المسؤوليات الملقاة على كاهل مجلس النواب الجديد ورئيسه فيصل الفايز، هي التسريع حسب طلب الخطاب الملكي في ( إرسال قانون الانتخاب المؤقت إلى مجلس النواب بصفة الاستعجال، لدراسته وإدخال ما يلزم من تعديلات عليه، تنسجم مع مع مصالح الوطن وطبيعة المرحلة، بحيث يستقر هذا التشريع الرئيسي في الحياة السياسية). وهذا التعديل لقانون الانتخابات صروري للغاية، لأن بعض القوى السياسية الأردنية التي لها حضور في الشارع الأردني مثل جبهة العمل الإسلامي، قاطعت الانتخابات احتجاجا على هذا القانون المعروف بإسم (قانون الصوت الواحد)، لذلك فإن تعديله من شأنه أن يستجيب لرؤية قطاع مهم في الشارع الأردني.

إنّ هذا التحليل لا يعني أنّ الأردن بالمجلس والحكومة الجديدة على بعد خطوات من جمهورية أفلاطون الفاضلة المثالية، ولكّنه يقصد التأكيد على أن الوصول لمجتمع أفضل يتطلب الصدق والوفاء والمسؤولية من السلطتين التنفيذية والتشريعية، بعيدا عن حسابات المصالح الشخصية والعشائرية والإقليمية، عندئذ يكون الوطن الواحد لكل مواطنيه هو الهدف والغاية. وهذا التحليل يقصد أيضا أنه لا فائدة من نظرة التشاؤم المسبقة، فالشعب هو من انتخب المجلس أيا كان القانون السائد، وبالتالي على الشعب مراقبة أداء المجلس، كما هو مطلوب من المجلس أن يراقب أداء الحكومة، لأنه من المستحيل جلب أعضاء مجلس وحكومة من المريخ مثلا، ليحققوا ما يريد الشعب، فها هم من انتخبهم الشعب و (على قدر أهل العزم تأتي العزائم ).
[email protected]