دخل الانقسام الفلسطيني المتمثل واقعيا في إمارة حماس الطالبانية في غزة، ودويلة عباس الورقية في الضفة، عامه الرابع بدون تردد في دعم هذا الانقسام خاصة من جانب الحمساويين بعد انقلابهم العسكري المشؤوم على السلطة الفلسطينية في يونيو 2007، وطردهم كوادر فتح وكافة أجهزة السلطة الفلسطينية خاصة الأمنية، وتشكيلهم قوتهم التنفيذية التي ما زالت تحكم القطاع بقبضة شريرة أسوأ من كافة الانقلابات العسكرية العربية منذ أربعينات القرن الماضي وحتى اليوم.

بشرى سارة من الحمساوي عزيز الدويك
كان العديد من القراء قد لاموني على ما أسموه تشاؤمي إزاء هذا الانقسام الفلسطيني، وتكراري انه انقسام طويل الأمد ربما لعقود طويلة من التاريخ القادم. و منذ أيام قليلة زفّ الدكتور عزيز الدويك،أحد قادة حماس و(رئيس المجلس الفلسطيني التشريعي) شبه المنحل أو المعطّل عن العمل) بشرى سارة وسعيدة للشعب الفلسطيني إزاء المصالحة الفلسطينية التي يبدو أن مصالحة الطرفين مع إسرائيل ستكون أسهل، فقال في بشراه هذه: (إن الجهود العربية والفلسطينية التي بذلت مؤخرا بين حركتي فتح وحماس وصلت إلى طريق مسدود...لا يوجد أي أمل في اجراء مصالحة فلسطينية في هذا الوقت بالذات، متهما محمود عباس ومصر بالتراجع عن تحقيق المصالحة الفلسطينية)، بينما تتهم حركة فتح والسلطة الفلسيطينية حماس وأجندتها الإقليمية السورية والإيرانية بأنها السبب في تعطيل المصالحة وتكريس الانقسام الفلسطيني. ويدافع كل فريق عن وجهة نظره لدرجة التقديس واضفاء الشرعية الدينية أو الدستورية كل حسب مزاجه، والنتيجة هي أن المتضرر الوحيد فقط هم غالبية الشعب الفلسطيني الفقراء المسحوقين العاطل غالبيتهم عن العمل، أما أثرياء الأنفاق في غزة ومعهم قادة حماس وكوادرها، وأمراء الأمن في رام الله ومعهم قيادة السلطة وفتح وكوادرها، فلا علاقة لهم بالفقر والحصار، وأغلبهم يتنقل عبر الحواجز الإسرائيلية بسهولة تامة مستعملين بطاقات إسرائيل (في آي بي) التي يعتبرها البعض اختصارا لكلمات
Very Important Person
بينما في الشارع الإسرائيلي ينكّتون ويستهزئون بحملة هذه البطاقات من الفلسطينيين، ويعبرون عن سخريتهم هذه بوضع كلمة أخرى بدلا من الكلمة الإنجليزية الأخيرة، يمنع ميثاق شرف النشر في إيلاف من ذكرها، لكن حملة هذه البطاقات يسمعونها على الحواجز والمعابر الإسرائيلية، ولا يستاءون منها فهي مجرد نكتة من رفيق إسرائيلي، طالما مصالحهم الفردية والتجارية وكذلك عائلاتهم تسير بسهولة. وكيف ينسى الفلسطيني المعذّب على الحواجز أن إسرائيل تفتح معبر إيريتز قبل شهور قليلة ليلا لتدخل بنت وزير داخلية حماس فتحي حماد، وصولا لمستشفى إسرائيلي حيث قدمت لها الإسعافات الأولية، ثم يتم نقلها مع والدتها وخالتها بطائرة خاصة إلى المدينة الطبية في الأردن. بماذا تختلف بنت وزير داخلية حماس عن عشرات ألاف المرضى الفلسطينيين الذين يموت بعضهم على الحواجز، وتلد بعض النسوة أطفالهن على الحواجز قبل السماح لهن بالوصول للمستشفيات. والسيء بالسيء يذكر قبل عدة سنوات ماذا تختلف سهى الطويل زوجة الرئيس عرفات عن مئات ألاف الأمهات الفلسطينيات كي يتم نقلها بطائرة خاصة لتلد طفلتها (زهوة) في باريس ؟. لوكانت عملية جراحية صعبة ومعقدة لا إمكانيات لها في مستشفيات الضفة الغربية، لكان الأمر مقبولا، لكن مجرد عملية ولادة تتم في أبسط مستوصفات القرى الفلسطينية، وقبل النكبة كانت أمهات فلسطينيات يلدن وهن يعملن في الحقول وحدهن بدون ممرضات ومستشفيات.

تبريرات الدويك غير المنطقية
إنّ من يقرأ التبريرات التي ذكرها الدكتور عزيز الدويك لعدم اتمام المصالحة الفلسطينية غير منطقية بتاتا، ولا تنسجم مع العقل الفلسطيني تحيدا الذي لا يرى مبررا لأي انشقاق وانقسام، طالما كافة الأمور من الممكن حلها بالنقاش بين ابناء الشعب الواحد. يضع الدويك اللوم الأساسي على مصر في عدم اتمام المصالحة، وهنا يتساءل الغيور على القضية الفلسطينية، ما هي مصلحة مصر في استمرار الانقسام والتشرذم الفلسطيني ؟ إنّ وجود مصر على الحدود مع قطاع غزة يجعلها أكثر دولة عربية حريصة على هدوء هذه الحدود كما كانت قبل انقلاب حماس المشؤوم، بدليل أنه قبل هذا الانقلاب لم يعرف الفلسطينيون أمرا اسمه مشكلة معبر رفح الذي كان مفتوحا ليلا نهارا على مدار السنة، ولم يعرف الفلسطينيون مسألة الأنفاق والتهريب، فكل ما يحتاجه القطاع يأتي عن طريق معبر رفح والمعابر الستة الأخرى التي أغلقتها إسرائيل بعد الانقلاب. ومن المهم التذكير أنه قبل اتفاقية أوسلو وعودة السلطة الفلسطينية للقطاع والضفة، حرصت مصر والأردن على عدم استنساخ دكاكين فلسطينية لها ضمن الدكاكين العربية، فسوريا بنت دكانة صغيرة اسمها أطول وأكبر من عدد أعضائها، وهي الدكانة التي عرفت باسم (طلائع حرب التحرير الشعبية، قوات الصاعقة) التي لم تطلق على الاحتلال سوى البيانات التي لا يمكن إحصاؤها. وكذلك صدام حسين فقد بنى دكانة صغيرة اسمها (جبهة التحرير العربية) وايضا أتحدى أن تكون هذه الدكانة قد ضمت أكثر من عشرين شخصا من البعثيين كنت أعرف أغلبهم في الكويت، وعندما ننكت عليهم يقولون صراحة (يا عمي أكل عيش). ورغم وجود مصر في القطاع منذ عام 1948 وحتى عام 1967 اي أن لها نفوذ فيه، فلم تفكر منذ زمن الرئيس عبد الناصر أن تخلق لها دكانا فلسطينيا ينطق بإسمها وكذلك الأردن. فكيف يمكن فهم أن مصر هي السبب في استمرار الانقسام الفلسطيني حسب تحليل عزيز الدويك المضحك.

ومسؤولية محمود عباس أيضا
وكذلك يضع الدويك جانبا من المسؤولية في الانقسام على كاهل الرئيس الفلسطيني محمود عباس لأنه يعطّل كافة المبادرات. وهذا يعني قداسة حركة حماس وطهارتها وعدم مسؤوليتها عن الانقسام والتشرذم بأية نسبة من النسب. وكأن الانقلاب الحمساوي الذي أعقبه طرد كوادر فتح والسلطة الفلسطينية ليس هو السبب الأساسي في الانقسام القائم منذ ثلاثة سنوات.

القيادات الفلسطينية الانتهازية المصلحية،
هي السبب في هذا الانقسام، إذ لا يمكن القاء اللوم الرئيسي على أي عامل خارجي، فأيا كان نوع وحجم التدخلات الإقليمية، فلماذا لا تعي هذه القيادات المفروضة على الشعب الفلسطيني بالقوة والإكراه مسؤولياتها نحو شعبها، وتنهي هذا الانقسام المخزي؟ السبب أنه انقسام ليس من أجل التحرير أو الدولة الفلسطنية المستقلة، ولكن من أجل استمرار مصالحهم الشخصية والتنظيمية، مصالح أولئك الفقراء أبناء المخيمات الذين تحولوا في ليلة ظلماء لمليونيرات يفرضون ضرائب على فتح أنفاق التهريب، واشتروا فعلا أبراجا في دبي، ووردوا الإسمنت لبناء الجدار الإسرائيلي الفاصل، وبنّوا مستوطنة أبو غنيم، وتتنقل بناتهم وأولادهم بأمان عبر الحواجز الإسرائيلية، بينما غالبية الشعب يتعذب في كافة مجالات حياته.
لذلك فحسب بشرى الدكتور عزيز الدويك الحمساوي حرفيا (لا يوجد أي أمل في اجراء مصالحة فلسطينية في هذا الوقت)، وأنا اكرر تشاؤمي وأقول (في كل الأوقات) أي أنّ الوضع الحالي الانقسامي المتشرذم قائم لزمن طويل.
[email protected]