التظاهرات السلمية المحدودة في بعض المخيمات الفلسطينية في لبنان قبل أسابيع قليلة، المطالبة بالحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان منذ عام 1948، أعادت من جديد موضوع التوطين والتجنيس للواجهة، مما أحدث نقاشا واسعا واصطفافات معينة في الساحة اللبنانية إزاء هذا الموضوع، قافزين نهائيا عن البعد الإنساني، مع تمركز كل طرف لبناني وراء رؤية خاصة بصراعاته الداخلية وليس الموضوع ذاته. وعودة لماض قريب هناك من أعطى الوضع الفلسطيني في لبنان بعدا طائفيا لا أعتقد أنه يعيش في وجدان اللاجىء الفلسطيني الذي يبحث عن حياة كريمة مريحة فقط. فالطرف الشيعي اعتبر أنّ تجنيس قرابة أربعمائة ألف فلسطيني غالبيتهم العظمى من السنّة من شأنه ترجيح كفة السنّة مقابل الشيعة، وكذلك الطرف المسيحي يعتبر أن التجنيس من شأنه الإخلال بالوضع الديمغرافي اللبناني لصالح الجانب المسلم مقابل المسيحي، خاصة ان الوضع اللبناني منذ ما أطلق عليه زمن الاستقلال يقوم على توازنات طائفية دقيقة متأرجحة، تتقلب حسب الأوضاع الداخلية حينا والإقليمية حينا آخر بدليل،
حصار أمل وحربها ضد المخيمات
هذه الحرب البشعة بإجرام لا مثيل له استمرت محاصرة المخيمات الفلسطينية في بيروت من مايو 1985 حتى يوليو 1988 أي ثلاثة سنوات وعدة شهور، ارتكبت خلالها قوات حركة أمل من القتل والحصار والذبح والتشريد ما لم يشهده أي مخيم فلسطيني على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وكان اللواء السادس الشيعي في الجيش اللبناني قد انشق عن الجيش ابان ما أطلق عليه انتفاضة السادس من فبراير 1984، قد التحق بقوات أمل مشاركا في حصار المخيمات وقصفها، مما أدى حسب كافة التقديرات إلى قتل ما يزيد على ألفين وخمسمائة فلسطيني، واجلاء ما تبقى من رجال منظمة التحرير إلى مخيمات الجنوب اللبناني، ولا أعتقد أن شهادات الناجين من ذلك الحصار وما رافقه من حرب مجرمة تصل إلى مستواه أفلام الرعب الهوليودي، بدليل أن بعض المفتين اللبنانيين أفتوا آنذاك بتحليل أكل المحاصرين من الفلسطينيين للحوم الكلاب والقطط. هذه الحرب الإجرامية تدحض تفكير الجانب المسيحي الذي يرى أن تجنيس الفلسطينيين من شأنه الإخلال بالميزان الديموغرافي، فهذه هي حركة أمل التي تعتبر نفسها حركة مقاومة إسلامية ترتكب أبشع الجرائم بحق المسلمين الفلسطينيين.
هل ينفي التجنيس والتوطين حق العودة؟
تستعمل كافة الدول العربية (أمة عربية واحدة في هذا الشأن فقط) موضوع حق العودة شماعة لاستمرار عدم منح اللاجئين الفلسطينيين المقيمين على أرضها أبسط حقوقهم المدنية والإنسانية، يستثنى من ذلك القرار الأردني الجريء منذ خمسينات القرن الماضي، عند ضم الضفة الغربية للمملكة الأردنية الهاشمية، ومنح سكانها بشكل فوري مستمر الجنسية الأردنية ليصبحوا أحد مكونات الشعب الأردني الأساسية. فهل منحهم الجنسية الأردنية سيخلّ بموضوع حق العودة إن أمكن تحقيقه؟. مع التذكر أنّ هذه الجنسية الأردنية لا تشمل ممن نزحوا بعد هزيمة عام 1967. وبالتالي هل توطين باقي اللاجئيبن الفلسطينيين ومنحهم جنسيات الدول العربية التي يقيمون فيها سيخلّ بحق العودة؟
إن مستوى حياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تحديدا من الصعب تصوره إنسانيا وأخلاقيا، وبنسبة من النسب أو بشكل من الأشكال غالبية اللاجئين الفلسطينيين في كافة أقطار الأمة العربية غير الواحدة ذات الرسالة التي أبدا لم تكن خالدة!!. من يتخيل أنّ اللاجىء الفلسطيني في لبنان ممنوع قانونيا ودستوريا من ممارسة ما لايقل عن سبعين مهنة، وممنوع إدخال مواد البناء للمخيمات مهما أصابها من الخلل والتدمير. فهل هذا يخدم حق العودة؟ أم أنه ممارسات عنصرية لا أخلاقية ترفضها أبسط حقوق الإنسان؟. ولماذا يتعذب اللاجىء الفلسطيني في كافة الدول العربية للحصول على تأشيرة دخول أو إقامة؟ وفي غالبية الدول العربية بعد أن يخدمها اللاجئون الفلسطينيون من كافة الخبرات والمهن، يطردون بدون إنسانية عند انتهاء عقود عملهم بينما الشقيق والرفيق الأمريكي والأوربي والإسرائيلي مرحب به، وأهلا وسهلا بدون تأشيرة دخول ويمضي ما شاء من الشهور والسنوات بدون حاجته لإقامة أو تجديدها، فهو ابن بلد أو إمعزب كما يقولون في بعض بلدان العرب أكفاني.
لماذا لا تخلّ الجنسية الأمريكية والأوربية بحق العودة؟
إنّ الدليل الدامغ على استعمال العرب حق العودة شمّاعة لاستمرار التعسف والظلم بحق اللاجئين الفلسطينيين، هو أنه لا يحتجّ أي عربي أو فلسطيني على منح الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية والإسكيندينافية وأمريكا اللاتينية، جنسياتها المحترمة للاجئين الفلسطينيين، مما أوصل عدد هؤلاء اللاجئين الذين يحملون جنسيات تلك الدول إلى ما لا يقل عن مليون وربع مليون فلسطيني، وصل بعضهم لانتخابات الرئاسة في البيرو وتشيلي. والملفت للنظرّ أنّ غالبية النشطاء الفلسطينيين في ميدان حق العودة هم من حملة جنسيات تلك الدول، لكنّ بعضهم يتمتع بازدواجية لا أخلاقية عندما قبلوا هم حمل جنسيات تلك الدول، ويدعمون في الوقت ذاته موضوع عدم توطين وتجنيس اللاجئين الفلسطينيين في الأٌقطار العربية التي يقيمون فيها. فلماذا هم حملوا الجنسية الأمريكية والأوربية والإسكيندينافية إذن؟. لماذا هم يريدون الراحة والاستقرار وحرية التنقل لأنفسهم وعائلاتهم فقط، ويدعون لاستمرار اضطهاد وبؤس اللاجىئ الفلسطيني الآخر عبر التنظير لعدم توطينه ومنحه جنسية القطر العربي الذي يقيم فيه؟ لماذا ما هو حلال ووطني لهم، حرام وخيانة بالنسبة للاجىء آخر؟.
نعم لحق العودة..لكن متى؟
لا يستطيع إنسان ذو ضمير أن ينكر حق اللاجىء الفلسطيني في العودة لأرضه وقريته ومدينته، خاصة في وضع استمرار وصول اي يهودي أو مدّعي أنه يهودي لنفس قرية ومدينة اللاجىء الفلسطيني التي أصبح مجموعها اسمه quot; دولة إسرائيلquot;. ولكن في الوقت نفسه لا يستطيع أي ضمير إنساني أن يقبل هذا الظلم والتعسف والتمييز الذ ي يلاقيه ويعيشه غالبية اللاجئين الفلسطينيين في كل الأقطار العربية. لماذا هذه اللعنة التي اسمها quot;لاجىء فلسطينيquot;؟. لذلك لا يمكن قبول استمرار هذا الظلم والتمييز حتى يتحقق حق العودة الذي لا يعرف أحد في أي قرن سوف يتحقق؟.
وإن تحقق فمن سيعود؟
ولنفترض أن الفلسطينيين حصلوا من الجانب الإسرائيلي على حق العودة، فمن الجرأة والشجاعة أن نسأل أنفسنا فلسطينيين وعربا: من سيعود من اللاجئين الفلسطينين؟. من سيعود مما لا يقل عن مليونين ونصف أردني من أصول فلسطينية؟. ومن سيعود مما لا يقل عن مليون وربع فلسطيني يحملون الجنسيات الأمريكية والأوربية والإسكيندينافية؟. إذا كان واحد من هؤلاء سيجيبني بأنه سيعود، أقول له: تفضل فجوازك الأمريكي والأوربي والإسكيندينافي يسمح لك بالعودة اليوم وليس غدا إلى القطاع والضفة. عدّ إذا كنت صادقا، وابق هناك مثلك مثل ألاف من عادوا بعد عام 1993 وما زالوا بدون تصاريح إقامة إسرائيلية رسمية!!.
ولماذا يريدون الهجرة من القطاع والضفة؟
ورغم الإقرار بحق اللاجىء الفلسطيني في العودة، إلا أنه من الجرأة والشجاعة والصدق أن نسأل: طالما نحن نحلم بحق العودة، لماذا يريد من هم في أرضهم فعلا في القطاع والضفة أن يهاجروا إن تمكنوا من ذلك؟. لنفترض أنّ الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية والإسكيندينافية (المنصورة المباركة جميعها بإذن الله) قد فتحت أبوابها لهجرة سكان القطاع والضفة:كم فلسطيني منهم سيبقى هناك على أرضه سواء في مدينة من مدن القطاع والضفة أو في مخيم من مخيماتها؟. خاصة بعد حروب فتح وحماس طوال السنوات الثلاثة الأخيرة التي أدخلت الانقسام الفلسطيني عامه الرابع....وإلى متى؟ وماذا سيتحقق قبل: حق العودة أم إنهاء الانقسام الفلسطيني؟ وفي النهاية نسأل صراخا وحزنا: لماذا الأمريكي والأوربي والإسكيندينافي أكثر رحمة وأوسع قلبا بالنسبة للاجىء الفلسطيني من بني قومه (كما يفترض) العرب؟.
[email protected]
التعليقات